رغيف الخبز.. حلم بؤساء غزة في زمن الإبادة والحصار الإسرائيلي
klyoum.com
في شوارع غزة المكتظة بالأنقاض، حيث تتردد أصداء الحرب ويخيّم الحصار كظلّ ثقيل، بات رغيف الخبز حلمًا بعيد المنال. العدوان الإسرائيلي، الذي تحوّل إلى حرب إبادة جماعية، لم يكتفِ بتدمير البيوت والمدارس، بل سحق معه أبسط مقومات الحياة.
اليوم، يصارع أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة لتأمين لقمة تسد جوع أطفالهم، فيما تروي قصصهم مآسي إنسانية تتجاوز حدود الاحتمال.
في شارع النصر غرب مدينة غزة، تقف سعدية عيسى، أم لخمسة أطفال، أمام فرنٍ متوقف عن العمل منذ أشهر بسبب انقطاع الوقود ونفاد الطحين. عيناها تحملان وطأة الإرهاق وهي تقول: "كنت أحلم بأن يأكل أطفالي طبقًا دافئًا من الأرز، لكنني اليوم أبحث عن حفنة طحين لأصنع رغيفًا. أحيانًا، أخلط الذرة بالماء لأصنع شيئًا يشبه الخبز، لكنه لا يسد جوعهم".
يرتجف صوتها وهي تضيف لـ "فلسطين أون لاين": "أشعر أنني أفشل كل يوم كأم، لأنني لا أستطيع أن أوقف بكاء أطفالي من الجوع".
في حي الرمال، يجلس خالد موسى، رجل في الأربعين من عمره، على كرسي بلاستيكي مكسور أمام بيته المدمر جزئيًا. كان يعمل سائقًا، لكن الحرب أوقفت عمله ودمرت سيارته.
يقول موسى لـ"فلسطين أون لاين": "في السابق، كنت أشتري الخبز بالأكياس. الآن، لا أملك ما يكفي لصنع رغيف واحد. أحيانًا ننام ونحن جياع، لا شيء يسكت جوعنا. الحصار خنقنا: لا طحين، لا غاز، لا حياة".
يتنهد وهو ينظر إلى أطفاله يلعبون بين الركام مضيفا: "أخشى أن يأتي يوم لا أجد فيه شيئًا أطعمهم به.. الحياة في غزة لم تعد مجرد صراعٍ من أجل البقاء، بل معركة يومية للحفاظ على الكرامة".
فاطمة، أم شابة فقدت زوجها في القصف، تتحدث بصوت خافت وهي تمسك بيد ابنتها الصغيرة: "كنت أصنع الخبز في المنزل، أما الآن فلا أملك طحينًا ولا ماءً نظيفًا. أحيانًا أعطي أطفالي قطعة خبز جافة منذ أيام، وأقول لهم إنها طعام اليوم. قلبي يتمزق كلما رأيت أعينهم تبحث عن المزيد".
فاطمة، التي كانت تطمح لتعليم أطفالها في الجامعة، تقول بحسرة: "الآن، حلمي الوحيد أن أراهم يأكلون حتى الشبع".
في شمال القطاع، يروي محمود، شاب في الثلاثين من عمره، قصة مختلفة لا تقل وجعًا. كان يملك متجرًا صغيرًا لبيع المواد الغذائية، لكنه أغلق بسبب الحصار ونقص البضائع.
"الناس هنا يبحثون عن أي شيء يؤكل. أحيانًا يأتون إليّ يسألون عن بقايا طعام، وأشعر بالعجز لأنني لا أملك ما أساعدهم به".
ويضيف بغضب ممزوج باليأس: "حرب الإبادة لم تقتلنا بالقنابل فقط، بل جعلتنا نموت ببطء من الجوع والحرمان".
تحذر المنظمات الإنسانية من أن سكان قطاع غزة يواجهون مجاعة غير مسبوقة.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الغالبية العظمى من سكان القطاع يعتمدون على المساعدات الغذائية، لكن وصول هذه المساعدات متقطع بسبب الحصار الإسرائيلي.
الأفران التي كانت تمد الناس بالخبز توقفت عن العمل، بسبب منع إدخال الوقود، والطحين بات عملة نادرة.
الأمهات يبحثن عن بقايا طعام في الأسواق المدمرة، والآباء يقايضون مقتنياتهم الشخصية بكيس طحين.
وسط هذا الواقع القاسي، تبتسم أم محمد – كما عرّفت عن نفسها – بحزن وتقول: "رغم كل شيء، لن أستسلم. سأظل أبحث عن رغيف يبقي أطفالي على قيد الحياة".
وتضيف "هذه هي غزة؛ حيث الحياة مقاومة، ورغيف الخبز معركة يومية تختبر صمود شعبٍ يرفض الانكسار".