تقرير من الركام إلى الزحام.. نازحو غزة عالقون بين القصف والجوع
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
إثارة الدوري الإيطالي: التعادل يحسم مباراتي انتر ونابوليليلٌ آخر من الرعب، قصف فيه الجيش الإسرائيلي أحياءً سكنية في شمال قطاع غزة، لتحوّل الشوارع إلى ممرات للفرار، والحارات إلى ركام، والبيوت إلى ذكريات. مع كل انفجار، كانت مئات العائلات تهرول حافيةً أو محمولةً على الأكتاف، هاربةً من نيران "الحزَم النارية"، لتتكدّس مجددًا في مراكز الإيواء غرب غزة، التي لم تعد تتسع حتى لزفرة واحدة.
من جباليا، تلك المدينة التي دفعت ثمنًا باهظًا خلال الحرب، خرج رامي الفيومي، رجل في الثلاثين من عمره، يحمل ستّ أرواح على كتفيه، بعد أن تحوّلت منطقته إلى ساحة قصف عشوائي لا يفرّق بين منزل ومسجد.
يقول بنبرة متعبة لصحيفة "فلسطين": "خرجتُ بعد منتصف الليل، كانت القذائف تتساقط كالمطر. لم أكن أعرف وجهتي، فقط أردت النجاة لأطفالي. مشيتُ حتى أوصلتني قدماي إلى غرب غزة. دلّني الناس على مركز إيواء، لكنه كان مكتظًا لدرجة أنني لم أجد موطئ قدم. بحثتُ لساعات حتى عثرت على خيمة صغيرة نُصبت حديثًا ضمن مركز غرب غزة."
الجوع كان صديقهم في تلك الليلة، كما في الليالي السابقة. "تعبنا، وجُعنا، وأرهقنا هذا النزوح المتكرر. حتى الأطفال لم يعودوا يبكون من الخوف، بل من الجوع"، يضيف رامي، وقد بدأ صوته ينهار قبل أن يرفع عينيه نحو أطفاله الملتصقين ببعضهم تحت غطاء رقيق.
أما زهير كريزم (33 عامًا)، فقصته أكثر قسوة: "لم نسترح من النزوح السابق، حتى أُجبرنا على نزوح جديد. قُصف منزل جيراننا ونحن بداخله، وخرجنا من تحت الأنقاض لنمشي في الليل كمن تاه في الصحراء."
زهير سار مع زوجته وأطفاله الأربعة هائمين دون وجهة، حتى تلقّى اتصالًا من قريبٍ له يخبره أن بمقدورهم مشاركته "صفًّا" في مركز إيواء الشارقة.
"الصف بالكاد يسع لعائلة واحدة، لكنه كان خلاصًا من المبيت في العراء. نحن لا نملك رفاهية الاختيار: إما الاكتظاظ، أو الموت في الشارع"، يقول زهير بصوت خفيض، وهو يحتضن طفلته الصغيرة التي لم تتوقف عن السعال.
مهدي الكحلوت (40 عامًا) يبدو منهكًا لدرجة أنه لم يكن يحتاج لسؤال كي يبدأ بسرد معاناته: "هذا النزوح رقم 16 منذ بداية الحرب. ارتحنا لبضعة أيام، ثم عاد الدمار ليطرق أبوابنا. لم يكن لدي ما أقدّمه لعائلتي من طعام قبل هذا النزوح، فكيف الآن؟"
ويتابع: "أبنائي الخمسة ينظرون إليّ كل يوم وكأنهم يسألونني: ماذا بعد؟ وأنا لا أملك جوابًا. كل ما أريده هو نهاية لهذه الحرب. نريد أن نبني بيوتنا من جديد، أن نعيش بكرامة."
وسط هذا المشهد الإنساني الموجع، يقف سمير الخطيب، مدير مركز إيواء الشارقة، عاجزًا أمام الحشود الجديدة التي تدفقت على المركز خلال الليل.
"تفاجأنا بسيل من النازحين. في الأصل، المركز مكتظ حتى قبل هذا النزوح. الآن، لا توجد أسرّة، ولا بطانيات، ولا حتى مساحة كافية لافتراش الأرض"، يقول الخطيب متنهدًا.
ويضيف بأسى: "أشعر بالخجل لأنني لا أملك ما أقدمه لهم. المياه النظيفة شحيحة، والطعام بالكاد يكفي، والوجوه التي تأتينا كل يوم تحمل نظرة واحدة: الرجاء. نناشد المؤسسات الإنسانية أن تتدخل قبل أن يقتل الجوع والمرض ما تبقى من حياة هنا."
العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة لم تكن مجرد ضربات جوية، بل أعادت الكارثة إلى مناطق بالكاد تنفست بعد نكبات سابقة. القصف العشوائي، الحُزَم النارية، والانهيار التام للبنى التحتية، أجبرت عشرات آلاف العائلات على النزوح مجددًا، لتعيش في مراكز مكتظة ومهترئة، تفتقر إلى أدنى شروط الحياة.
رغم التحذيرات المتكررة من المنظمات الإنسانية، لم يحدث أي تحرك فعلي لكسر الحصار أو إدخال مساعدات كافية. كل يوم يمر، يضيف مزيدًا من الألم على خارطة المعاناة.
وسط هذه القسوة، لا يزال النازحون يتمسكون ببصيص من الأمل. مهدي الكحلوت يهمس أخيرًا: "نحن لا نطلب الكثير... فقط نريد أن نعيش. أن يذهب أولادنا للنوم وهم يشعرون بالأمان، لا الجوع ولا الرعب."
في غزة، لا تعني الحياة أكثر من خيمة تقي من الموت، ورغيف يسد الرمق، وصوت لا يُقصف.
وفي غزة، كل شيء — حتى الأمل — صار نازحًا.