معهد القدس للأمن والاستراتيجية: الضفة الغربية – من السور الواقي إلى السيوف الحديدية
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
غزة: 138 شهيدا و452 جريحا غالبيتهم من طالبي المساعدات في آخر 24 ساعةترجمات – مصدر الإخبارية
مقدمة
تُشكّل الضفة الغربية ساحةً مركزيةً من حيث التحديات الأمنية لدولة إسرائيل، وهي مركزيةٌ تكثّفت منذ توقيع اتفاقيات أوسلو في التسعينيات. وقد أدّت أحداث أكتوبر/تشرين الأول 2023، التي أدّت إلى الحرب ضد حماس ومنظمات إرهابية أخرى في قطاع غزة، إلى تفاقم الوضع الأمني في المنطقة، ووضعت جيش الدفاع الإسرائيلي أمام تحدّي حربٍ متعددة الأبعاد. فبالإضافة إلى غزة، واجهت إسرائيل نيرانًا من لبنان واليمن والعراق، وتصاعدًا في مستوى العنف في يهودا والسامرة، وخاصةً في شمالها. يتناول هذا المقال التطورات في يهودا والسامرة منذ بداية الحرب، مع الإشارة إلى تاريخ مكافحة الإرهاب، والدروس المستفادة من عملية السور الواقي عام 2002، وتوصيةٍ بشأن الاستراتيجية اللازمة لتحقيق السيطرة العملياتية والردع في مواجهة التهديدات الحالية. تتناول المقالة التحديات الناجمة عن غياب الحكم الرشيد في المنطقتين (ب) و(ج)، والانتهاكات المتكررة لاتفاقيات أوسلو، وأهمية اتخاذ إجراءات حاسمة لمعالجة الإرهاب بشكل شامل.
الخلفية التاريخية: من اتفاقيات أوسلو إلى يومنا هذا
اتسمت الانتفاضة الأولى، التي بدأت عام 1987، بعنف منخفض الشدة نسبيًا، وتركز بشكل رئيسي على إلقاء الحجارة وقنابل المولوتوف. وكانت هناك حوادث إطلاق نار متفرقة، ويرجع ذلك أساسًا إلى عدم انتشار الأسلحة على نطاق واسع في المنطقة. وكان الهدف من اتفاقيات أوسلو، الموقعة عام 1993، خلق واقع أمني وسياسي جديد في المنطقة، مع نقل المسؤولية المدنية والأمنية إلى السلطة الفلسطينية على مراحل. وكان الهدف من التقسيم إلى مناطق ( أ ) و ( ب ) و ( ج ) هو السماح لإسرائيل بالحفاظ على السيطرة الأمنية مع التخلي عن الإدارة المدنية للسكان الفلسطينيين. ونُقلت المنطقة ( أ )، التي تضم المدن الفلسطينية الرئيسية، إلى المسؤولية الأمنية والمدنية للسلطة الفلسطينية؛ وتم تعريف المنطقة ( ب )، التي تضم القرى والتجمعات السكانية الفلسطينية، على أنها المناطق التي تكون فيها السلطة مسؤولة عن الشؤون المدنية وتحتفظ إسرائيل بالمسؤولية الأمنية؛ وظلت المنطقة ( ج )، التي تضم المستوطنات اليهودية ومعسكرات الجيش الإسرائيلي وطرق المرور، تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة. أدت الاتفاقيات أيضًا إلى إنشاء "محميات اتفاقاتية"، مثل مناطق إطفاء الحرائق والمحميات الطبيعية في صحراء الضفة الغربية، حيث نُقلت المسؤولية المدنية إلى السلطة الفلسطينية. ورغم التفسيرات القائلة بأن هذا التنازل يُسهّل الأمور على إسرائيل بتقليل الحاجة إلى التعامل مع قضايا مثل الصرف الصحي وإزالة القمامة، إلا أنه في الواقع أدى إلى فقدان السيطرة على الموارد الطبيعية وانتشار المستوطنات الفلسطينية، مما أثر سلبًا على الأمن والبيئة.
إلى جانب فقدان السيطرة على الشؤون المدنية، غيّر إدخال آلاف المسلحين إلى أراضي السلطة الفلسطينية، كجزء من الاتفاقيات، طبيعة التهديد. وتضمنت الانتفاضة الثانية، التي اندلعت عام 2000، إطلاق نار وهجمات بعبوات ناسفة كانت أشد فتكًا، وشكلت تحديات جديدة للجيش الإسرائيلي. خلقت الاتفاقيات فراغًا أمنيًا، حيث عجزت السلطة الفلسطينية عن منع النشاط المسلح للفصائل، بل وترددت في ذلك. شارك أفراد من أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية أحيانًا في هجمات، واستُخدمت أسلحة زودتها إسرائيل لقتل المدنيين والجنود. فشل نهج الاحتواء، الذي ساد آنذاك، في منع تدهور الوضع، مما استدعى عملية عسكرية واسعة النطاق.
أدى نهج الاحتواء إلى تفاقم الوضع. ورغم مغادرة المسلحين الفلسطينيين المنطقة (أ) وعودتهم إليها، تمتعت السلطة الفلسطينية بسيادة كاملة، وشاركت قواتها الأمنية أحيانًا في هجمات. طوال السنة الأولى من الانتفاضة، بُذلت محاولات لوقف القتال عبر وساطة أوروبية وأمريكية مع السلطة الفلسطينية أو مبعوثيها؛ وسعت اجتماعات مثل "قمة باريس" و"قمة شرم" و"مؤتمر طابا"، إلى جانب اتفاقيات مثل "اتفاقية تينت" (رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية) و"اتفاقية زيني" (ممثل الرئيس بوش) وغيرها، إلى وقف الإرهاب والعودة إلى إطار أوسلو، ولكن دون جدوى.
في عام 2002، وبعد موجة من الهجمات المميتة بلغت ذروتها في "المسيرة السوداء" التي أسفرت عن مقتل 135 مدنيًا إسرائيليًا وإصابة المئات، شنّ الجيش الإسرائيلي عملية "الدرع الواقي". شملت العملية إعادة احتلال المدن الفلسطينية في المنطقة "أ"، وتدمير البنية التحتية الإرهابية، واعتقال المشتبه بهم. كان الهدف استعادة السيطرة العملياتية على المنطقة، بعد سنوات من الاحتواء التي أدت إلى تصعيد. ركّزت العملية على تطهير مخيمات اللاجئين، التي كانت بؤرًا رئيسية للإرهاب، وتفكيك شبكات منظمات مثل حماس والجهاد الإسلامي وفتح.
خلال العملية، دخل الجيش الإسرائيلي مدن المنطقة "أ" بقوات كبيرة، مؤلفة من عدة فرق، واستخدم تكتيكات متطورة لإحباط التهديدات وهدم المباني التي كانت بمثابة ملاجئ للمسلحين والفصائل الفلسطينية. بعد عملية "الدرع الواقي"، التي استمرت حوالي شهر، أطلق الجيش الإسرائيلي عملية "الطريق الحاسم"، التي عززت السيطرة العملياتية في أراضي الضفة الغربية. وكانت النتيجة انخفاضًا كبيرًا في الهجمات وعودة إلى الهدوء النسبي في الضفة الغربية. أثبتت عملية "الدرع الواقي" وعملية "الطريق الحاسم" التي تلتها أن السيطرة العملياتية شرط ضروري للقضاء على الفصائل الفلسطينية. سمح احتلال الأراضي (الفرق)، وتطهير البنية التحتية للعدو (الألوية)، ثم مواصلة العمليات بقوات محدودة (كتائب وسرايا) للجيش الإسرائيلي بالحفاظ على الاستقرار الأمني لسنوات. لقد نبع نجاح العملية من مزيج من احتلال الأراضي، وتطهير البنية التحتية للعدو، وفرض الحصار والإغلاق على المدن الفلسطينية التي انطلقت منها الهجمات الفلسطينية، وهدم منازل المسلحين الفلسطينيين، وأوامر إطلاق النار الواضحة، والتي تضمنت الإذن بإطلاق النار على راشقي الحجارة والزجاجات الحارقة على طول طرق حركة المستوطنات المدنية – وكل ذلك ساهم في الردع والحد من العنف.
أدى الانسحاب من شمال الضفة وقطاع غزة عام ٢٠٠٥، بعد الانتفاضة الثانية، إلى خلق فراغ أمني أدى إلى تعزيز نفوذ التنظيمات الفلسطينية المسلحة. وأصبح شمال الضفة، وخاصة مخيمي اللاجئين في جنين وطولكرم، بؤرةً لنمو البنى التحتية للفصائل المسلحة الفلسطينية، لا سيما تلك التابعة لحماس والجهاد الإسلامي. وأدى فتح السياج الحدودي على المدن الفلسطينية، وحرية حركة المركبات الفلسطينية على الطرق الرئيسية، إلى عودة هجمات إطلاق النار من المركبات المارة، وخاصة على طول طرق المستوطنات اليهودية، مثل الطريق ٦٠ والطريق ٥.
غيّرت أحداث أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحرب غزة ديناميكيات الأمن في الضفة الغربية. اضطر جيش الدفاع الإسرائيلي إلى نقل قواته النظامية إلى غزة، واستبدالها بقوات احتياطية عملت بعدوانية أكبر وقللت من قدرتها على احتواء حوادث العنف.
لقد أتاحت البنية التحتية الاستخباراتية لجهاز الأمن العام (الشاباك) وجهاز الاستخبارات العسكرية، التي شُيّدت منذ "الجدار الواقي"، إحباط العديد من الهجمات من خلال موجات اعتقالات وعمليات مُحددة. إلا أن ارتفاع مستوى الهجمات الفلسطينية، وخاصةً في شمال الضفة، أظهر أن التهديد لم ينتهِ، مما دفع جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى شن سلسلة من العمليات الهجومية، بما في ذلك عمليات في مخيمات اللاجئين في شمال الضفة. استخدمت هذه العمليات أدوات هندسية لهدم المباني، وغارات جوية لإحباط مخططات مسلحي الفصائل الفلسطينية، وموجات اعتقال للمشتبه بهم. على سبيل المثال، في عملية طولكرم في ديسمبر/كانون الأول 2024، أحبط جيش الاحتلال الإسرائيلي خلية مسلحة كانت تُخطط لهجوم كبير باستخدام عبوات ناسفة، وذلك من خلال هجوم جوي. ومع ذلك، فإن استمرار الهجمات يُشير إلى الحاجة إلى نهج أكثر شمولاً، يجمع بين العمليات العملياتية ومعالجة المستويين المدني والاقتصادي.
صورة التهديد اليوم
ينبع التهديد الرئيسي في الضفة الغربية من النشاط المسلح للمنظمات الفلسطينية، بقيادة حماس والجهاد الإسلامي، والمنظمات المحلية، والنشطاء الأفراد الذين يحاولون زعزعة استقرار المنطقة من خلال إطلاق النار، وزرع العبوات الناسفة، والطعن، وتفجير السيارات. منذ عملية "حارس الأسوار" (2021)، ازداد النشاط المسلح في الضفة الغربية، مع التركيز على تجنيد المسلحين عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتحريض الإلكتروني. وتبذل حماس، على وجه الخصوص، جهودًا في إنشاء بنى تحتية مسلحة، ولكن يمكن أيضًا ملاحظة خلايا مسلحة محلية تعمل، وأحيانًا دون ارتباط مباشر بالقيادة المركزية للمنظمات.
من العوامل المهمة الأخرى الدعم الإيراني للفصائل الفلسطينية المسلحة. تنقل إيران الأموال والأسلحة والخبرة العسكرية إلى منظمات مثل الجهاد الإسلامي عبر قنوات مثل صندوق الشهداء الإيراني وجمعية الأنصار الخيرية. يتيح هذا الدعم لهذه المنظمات تحسين قدراتها العسكرية، بما في ذلك إنتاج المتفجرات. في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى ظاهرة تهريب الأسلحة والمتفجرات المتطورة من الأردن إلى أراضي الضفة الغربية. تتيح هذا التهريب للعناصر المسلحة رفع مستوى ونوعية هجماتها. ترى إيران في الضفة الغربية ساحة لتوسيع نفوذها في إطار "محور المقاومة"، مستغلةً ضعف السلطة الفلسطينية. إلى جانب ذلك، يمكن رصد انتشار أيديولوجيات الجهاد العالمي في الضفة الغربية، بتأثير من تنظيمات مثل داعش والقاعدة.
السلطة الفلسطينية بحد ذاتها كيانٌ مُعقّد. فمن جهة، تتعاون مع إسرائيل في المجال الأمني ضدّ العناصر التي تُهدّدها، ومن جهة أخرى، تُشجّع العمل المسلح الفلسطيني من خلال التحريض المُستمرّ في النظام التعليمي والإعلامي الفلسطيني، ممّا يُساهم في تطرف الشباب. كما تُقدّم السلطة رواتب لقتلة اليهود ومُنفّذي الهجمات المسلحة. إنّ ضعف السلطة، إلى جانب مُنافستها مع حماس على تمثيل الفلسطينيين، يُفاقم التوترات ويزيد من خطر وقوع أعمال مسلحة "غير مُنظّمة".
جانب آخر هو تأثير الحرب في غزة (بعد 7 أكتوبر 2023) على الضفة الغربية. لقد زادت الأحداث في غزة من التوترات إلى حد ما، لكنها لم تؤد إلى انتشار الفوضى والعنف والإرهاب على نطاق واسع. كانت هناك زيادة في المظاهرات العنيفة والهجمات المستوحاة من الحرب، وتم تسجيل العديد من الهجمات البارزة، بما في ذلك محاولات لضرب وسط البلاد. يوضح الهجوم في بات يام وحولون، الذي تم فيه وضع قنابل في حافلات، الإمكانات المميتة للتهديد. أودت هجمات أخرى، مثل إطلاق النار على المركبات على الطريقين 55 و5، بحياة أشخاص، بما في ذلك الهجوم في بوندوك الذي قُتل فيه إيلاد وينكلشتاين وعليزة رايس والراحلة راشيل كوهين (25 يناير) والهجوم بالقرب من باروخين الذي قُتل فيه تسالا جيز والطفل الذي لم يولد بعد (مايو 2025).
على أي حال، أصبح شمال الضفة الغربية، وخاصة مخيمات اللاجئين في جنين وطولكرم، بؤرة للنشاط المسلح. وقد استغلت منظمات مثل حماس والجهاد الإسلامي غياب السيطرة العملياتية الكاملة في هذه المنطقة، والذي تفاقم بعد الانسحاب في عام 2005 ومقترح المؤسسة الأمنية (مارس 2023) بمنح السلطة الفلسطينية مسؤولية أمنية متزايدة في شمال الضفة (وهو اقتراح رفضته السلطة الفلسطينية). ونتيجة لعدم قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بإجراءات كافية وعدم فعالية السلطة الفلسطينية في المنطقة، أعيد تطوير البنى التحتية المسلحة وأصبحت المظاهرات المسلحة ظاهرة شائعة. انظر في هذا الصدد تصريح قائد قيادة الجبهة الداخلية، اللواء رامي ميلو، بشأن التهديد الذي تشكله الفصائل المسلحة على المجتمعات على طول خط التماس في السامرة في المدن المجاورة لخط التماس.
بالتوازي مع خطر الفصائل المسلحة، تبرز ظاهرة انعدام الحوكمة، والتي تتجلى في انتهاكات اتفاقيات أوسلو والأضرار البيئية والاقتصادية. وقد أدى التخلي عن الرقابة في المنطقتين (ب) و(ج) إلى فقدان السيطرة، وانتشار البناء غير القانوني، والتلوث البيئي، والسيطرة على طرق المرور. على سبيل المثال، أصبح طريق القدس-تكوع، الذي كان من المفترض أن يكون بديلاً آمنًا للوصول إلى غوش عتصيون، خطيرًا بسبب البناء الفلسطيني غير القانوني القريب منه. ويعاني الطريق السريع رقم 5، الذي يربط وسط البلاد بأرييل وغور الأردن، من تحديات مماثلة، وهناك أمثلة أخرى كثيرة.
يُسبب نقص الصرف الصحي أيضًا أضرارًا بيئية جسيمة. فقد أدى البناء غير القانوني قرب مجاري المياه، مثل نهري شيلوه وألكسندر، إلى تصريف مياه الصرف الصحي، وتلوث المياه الجوفية، والإضرار بالزراعة ونوعية الحياة. كما أن حرق النفايات في مكبات نفايات غير مرخصة في السامرة يُسبب تلوثًا هوائيًا يؤثر على المجتمعات اليهودية الواقعة على طول خط التماس، مثل رأس العين.
تؤثر انتهاكات اتفاقيات أوسلو أيضًا على الاقتصاد المحلي. تُموّل السلطة الفلسطينية، بمساعدة منظمات دولية، مشاريع تُستخدم أحيانًا كغطاء للأنشطة المسلحة وأداةً للسيطرة على المنطقة "ج"، وهي مناطق تقع تحت المسؤولية الأمنية والمدنية الإسرائيلية الكاملة. إضافةً إلى ذلك، تُحوّل شبكة "الدعوة" التابعة لحماس، والتي تضم مؤسساتٍ وجمعياتٍ خيرية داخل السلطة الفلسطينية وخارجها، الأموالَ للأنشطة المسلحة تحت ستار المساعدات الاجتماعية، مما يُعزز قبضة الحركة على السكان ويُصعّب السيطرة الأمنية. يُحدّ البناء غير القانوني في المنطقة "ج" والمحميات الطبيعية، والذي يُموّل أحيانًا بتمويلٍ أجنبي، من تطوير البنية التحتية والمناطق الصناعية في المجتمعات اليهودية، ويُضرّ بالنمو الاقتصادي.
تمتنع إسرائيل، أحيانًا بدافع الرغبة في الحفاظ على السلام، عن اتخاذ إجراءات حاسمة ضد هذه الظواهر. وقد سمح مسؤولون أمنيون أحيانًا بالبناء في المنطقة "ج" للحفاظ على علاقاتهم مع السلطة الفلسطينية، لكنهم بذلك قوّضوا الأمن. يُعزز الدعم الدولي، تحت ستار المساعدات الإنسانية، قوة السلطة الفلسطينية في حربها ضد إسرائيل، ويُمكّن من توسيع المستوطنات غير القانونية. يتطلب التعامل الفعال مع هذه التحديات إنفاذًا صارمًا، وتنسيقًا دوليًا، ونهجًا جذريًا تجاه الأضرار البيئية والأمنية.
استراتيجية لهزيمة الفصائل المسلحة في الضفة الغربية
تُظهر التجارب السابقة أنه لمواجهة التهديد المذكور أعلاه، وخاصةً العمل المسلح الفلسطيني الذي ينشط بين السكان المدنيين، لا بد من العمل وفقًا لثلاثة مبادئ أساسية. المبدأ الأول: السيطرة العملياتية على المنطقة – لا حاجة للاحتفاظ بقوات كبيرة في كل خلية، بل احتلال المنطقة وتطهيرها من البنية التحتية المسلحة، ثم الحفاظ على القدرة على العمل فيها في أي وقت بقوات محدودة. بعد "الجدار الواقي"، كانت العمليات الليلية لاعتقال المطلوبين فعالة في الحفاظ على السيطرة. عندما تضعف السيطرة، كما حدث في شمال الضفة بعد عام 2005، يلزم القيام بعملية أوسع لاستعادتها. إن تحديد مناطق الخطر حول المستوطنات وطرق المرور، وتطبيق أوامر إطلاق نار فريدة، يمكن أن يمنع هجمات مثل تلك التي وقعت في بوندوك وباروخين.
المبدأ الثاني: معالجة الجانب الاقتصادي والمدني – فقد بنت حماس في الضفة الغربية نفوذها على منظومة "الدعوة" – وهي مؤسسات وجمعيات خيرية حوّلت الأموال إلى أنشطة مسلحة تحت غطاء اجتماعي. ومن الضروري اتخاذ إجراءات ضد مصادر التمويل والحسابات المصرفية والأشخاص المتورطين في هذه العملية. كما يجب معالجة البناء غير القانوني، والاستيلاء على المناطق المفتوحة، والتلوث البيئي، وهي ممارسات تُستخدم كجزء من صراع السلطة الفلسطينية ضد إسرائيل. فعلى سبيل المثال، الاستيلاء على المنطقة "ج" والمحميات الطبيعية، وتصريف مياه الصرف الصحي في الجداول، كلها أمور تضر بالأمن والبيئة.
المبدأ الثالث: اتخاذ إجراءات صارمة لتعزيز الردع – هدم منازل الجناة، وتهجير العائلات، وتقييد التصاريح الاقتصادية أدوات فعّالة، شريطة تنفيذها بسرعة وحزم. الإجراء الحالي، الذي يشمل تقديم التماسات إلى محكمة العدل العليا وتسويات مثل إغلاق الغرف، غير فعال. إن تشريعًا أساسيًا يُعطي الأولوية لحق المواطنين الإسرائيليين في الحياة على حقوق الملكية لعائلات الجناة من شأنه أن يُعزز الردع.
يتطلب تطبيق هذه المبادئ لدحر الإرهاب في الضفة الغربية نهجًا هجوميًا قائمًا على مفهوم عملياتي متكامل، مقرونًا بدعم النشاط المدني. وتنبع جميع هذه المبادئ أيضًا من الدروس المستفادة من المعارك السابقة، مع مراعاة الواقع الراهن. وتتمثل النقاط الرئيسية فيما يلي:
تعزيز السيطرة العملياتية – يجب على جيش الاحتلال الإسرائيلي مواصلة عملياته الهجومية في مخيمات اللاجئين وبؤر المسلحين، مع زيادة استخدام أساليب متطورة كالغارات الجوية واستخدام الأدوات الهندسية لفتح طرق المرور في المناطق المكتظة بالسكان. من الضروري تحديد مناطق الخطر حول المستوطنات وطرق المرور، وتطبيق تعليمات واضحة لإطلاق النار، إلى جانب تشديد الرقابة على الحدود الأردنية لمنع التهريب، وتكثيف الإجراءات ضد البنية التحتية لتهريب الأسلحة والذخيرة من قبل العرب والمجرمين الإسرائيليين.
تعزيز إنفاذ القانون في المنطقة – يجب على إسرائيل تطبيق اتفاقيات أوسلو في المنطقتين (ب) و(ج). يجب على الدولة معالجة البناء غير القانوني والاستيلاء على المناطق المفتوحة والتلوث البيئي، وإقامة أسوار على طول الطرق الرئيسية، وتقييد حركة المرور في القرى المجاورة، للحد من المخاطر. يجب وضع خطة شاملة لمعالجة التلوث البيئي، بما في ذلك إنشاء مرافق مشتركة لمعالجة مياه الصرف الصحي مع السلطة الفلسطينية، مع تطبيق القوانين البيئية بصرامة.
الإضرار بالبنية التحتية المالية – تُعدّ شبكة "الدعوة" التابعة لحماس، والتي تُشكّل الذراع الاجتماعي والاقتصادي للمنظمة، آليةً مركزيةً لحشد الدعم الشعبي وتمويل النشاط المسلح. وتشمل هذه الشبكة جمعياتٍ خيريةً ومؤسساتٍ تعليميةً ومساجدَ ومنظماتٍ مجتمعيةً تُشكّل غطاءً لتحويل الأموال للنشاط المسلح. يجب اتخاذ إجراءاتٍ لمصادرة الأموال والحسابات المصرفية، بالتعاون مع البنوك الدولية والدول الصديقة لتحديد وتجميد الحسابات المصرفية المستخدمة لتحويل الأموال إلى المنظمات المسلحة. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري اعتقال الأشخاص المتورطين في شبكات غسل الأموال. في هذا السياق، تُعدّ العملية التي نُفّذت ضدّ الصرافين في عدة مدنٍ في الضفة الغربية مهمةً وضروريةً، ومن الضروري مواصلة وتكثيف الإجراءات ضدّ وكلاء تحويل الأموال الذين يمولون المسلحين. في الوقت نفسه، يجب مواصلة الضغط على السلطة الفلسطينية لوقف دفع رواتب ومخصصات المعتقلين الفلسطينيين في إسرائيل ولعائلات الإرهابيين الذين قُتلوا.
تشريعٌ لتعزيز الردع – تشريعٌ يُسهّل هدم منازل المسلحين ويُقلّل من عدد الالتماسات القانونية المُقدّمة إلى محكمة العدل العليا، من شأنه أن يُمكّن من اتخاذ إجراءات أسرع. من المقترحات المُحتملة تحديد مُهلة زمنية ثابتة (مثلًا، 48 ساعة) لتقديم الالتماسات، مع إعطاء الأولوية القصوى لأمن الدولة؛ وتطبيق تشريعٍ يسمح بترحيل عائلات المسلحين. ينبغي أن يُؤكّد هذا التشريع على أن حقّ المواطنين الإسرائيليين في الحياة له الأولوية على أيّ اعتبارات أخرى.
التعاون الدولي – يُطلب من إسرائيل ممارسة ضغط دبلوماسي على المنظمات الدولية والأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية لمنع تمويل الأنشطة التي تُلحق الضرر بأمنها. ويمكن لإسرائيل تقديم أدلة استخباراتية على إساءة استخدام أموال المنظمات الدولية، مثل تمويل المدارس أو المؤسسات التي تُستخدم للتحريض على الفصائل الفلسطينية. على سبيل المثال، أظهرت تقارير استخباراتية إسرائيلية أن أموال الأونروا استُخدمت لدعم البنية التحتية لحركة حماس. ويمكن لإسرائيل العمل مع دول مثل الولايات المتحدة وكندا، اللتين حظرتا بالفعل المنظمات التي تدعم الإرهاب، لزيادة الضغط على المنظمات الدولية.
الاستثمار في البنية التحتية الأمنية – تُعدّ البنية التحتية الأمنية المتطورة أمرًا بالغ الأهمية لمنع التسلل والهجمات المسلحة. ويشمل ذلك إنشاء أسوار ذكية تجمع بين أجهزة الاستشعار والكاميرات الحرارية وأنظمة كشف حركة المرور على طول الطرق الرئيسية في الضفة الغربية؛ والاستثمار في أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الكاميرات والطائرات المسيّرة وأجهزة الاستشعار، مما يُمكّن من الكشف المبكر عن الأنشطة المشبوهة؛ وتحسين البنية التحتية على الطرق الرئيسية، مثل الطريق رقم 60، من خلال تركيب الإنارة ونقاط التفتيش وأنظمة المراقبة؛ وإنشاء حاجز فعال على الحدود مع الأردن يمنع تهريب الأسلحة والأسلحة المتطورة، إلى جانب تعزيز إنفاذ القانون في القطاع العربي الإسرائيلي في مجال التهريب والاتجار بالأسلحة.
المناصرة – تُعدّ المناصرة أداةً حيويةً لتغيير النظرة العامة والدولية إلى أفعال إسرائيل. ومن الضروري توعية الجمهور الإسرائيلي بأهمية العمليات الأمنية، باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والفيديوهات والحملات العامة؛ على سبيل المثال، المناصرة بشأن العلاقة بين تمويل "الدعوة" والنشاط المسلح، إلى جانب المناصرة الدولية من خلال إنتاج تقارير وفيديوهات باللغات الأجنبية (الإنجليزية والفرنسية والإسبانية) تعرض أدلةً على انتهاكات السلطة الفلسطينية والمنظمات الدولية. كما يجب التركيز على استخدام أموال المساعدات في تمويل النشاط المسلح الفلسطيني، مثل دفع رواتب لعائلات المعتقلين والشهداء. بالإضافة إلى ذلك، يلزم التعاون مع المؤثرين الدوليين والإسرائيليين لنشر الرسالة، باستخدام منصات مثل "X" لزيادة التغطية الإعلامية.
ملخص
يُبرز الوضع في الضفة الغربية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 ضرورة اتباع نهج شامل وحاسم للقضاء على المسلحين. وتُظهر دروس عملية الدرع الواقي أن السيطرة العملياتية، والتدخل في الشأنين المدني والاقتصادي، والردع القوي هي مفاتيح النجاح. إن غياب الحوكمة في المنطقتين (ب) و(ج)، والانتهاكات العديدة لاتفاقيات أوسلو، تتطلب تغييرًا في السياسة. يجب على إسرائيل تطبيق الاتفاقيات، ومعالجة البناء غير القانوني، ومحاربة البنية التحتية لتمويل الإرهاب.
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تنتهج القيادة المركزية سياسةً هجوميةً أكثر من ذي قبل، وتُركز جهودها على منع نشوء أوكار إرهابية مسلحة في مخيمات اللاجئين، مع التركيز على المدن المجاورة للطريق السريع رقم 6 ووسط البلاد. ومع ذلك، وكما هو مُفصّل في توصياتنا أعلاه، لا يزال هناك الكثير مما ينبغي القيام به في مجالات مُختلفة، كجزء من المفهوم العملياتي الشامل المُقدّم أعلاه.
يُظهر التاريخ أن المكاسب الأمنية تتطلب صيانة مستمرة. وقد أدت التنازلات غير القابلة للتنفيذ، مثل نقل المسؤولية الأمنية إلى السلطة الفلسطينية دون رقابة دقيقة، إلى تصعيد الوضع. وقد ثبت خطأ قرار منح السلطة الفلسطينية مسؤولية أمنية أكبر في شمال الضفة الغربية قبل نحو عامين، في إطار سياسة تخفيف التوتر، مما أدى إلى تفاقم النشاط المسلح.
يجب علينا أيضًا الاستعداد لتحديات المرحلة التي تلي انتهاء ولاية عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية، بما في ذلك إجراء دراسة معمقة على المستوى السياسي لمستقبل العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. من المرجح أن تتميز هذه الفترة بصراعات على السلطة بين الفلسطينيين، مما سيؤدي حتمًا إلى زعزعة الاستقرار وتقوية العناصر الإرهابية، مما يتطلب من المؤسسة الأمنية تعزيز التزامها بمواجهة التحديات الأمنية في هذا القطاع، بما في ذلك تشديد الأمن على طرق المرور، وفي المناطق، وفي منطقة التماس.
كما ثبت قبل عشرين عامًا، يُمكن دحر خطر الفصائل والمسلحين الفلسطينيين الذي يُمارس بين المدنيين. وتنطبق المبادئ نفسها على ساحة غزة، وتطبيقها في الضفة الغربية سيضمن الأمن والهدوء لمواطني إسرائيل. يكمن السر في العمل الدؤوب على جميع المستويات – العملياتية والمدنية والاقتصادية والبيئية – دون أي تنازلات.
معهد القدس للأمن والاستراتيجية الإسرائيلي
البروفيسور: غابي سيبوني – العميد إيريز وينر