اخبار فلسطين

فلسطين أون لاين

سياسة

قوة رادع: هندسة النجاة الوطنية لعدالة التوزيع تحت القصف

قوة رادع: هندسة النجاة الوطنية لعدالة التوزيع تحت القصف

klyoum.com

في لحظة فارقة من الانهيار الإنساني الممنهج، أعلن جهاز أمن المقاومة في قطاع غزة تشكيل "قوة رادع" لتكون وحدة خاصة تتولى مهمة ملاحقة اللصوص والمحتكرين، وتفكيك شبكات النهب التي نشأت في الظل، مستفيدة من الفوضى الناتجة عن العدوان، هذه الخطوة لا تنتمي إلى منطق الطوارئ المؤقتة، بل تمثل نقلة في فلسفة الضبط الأمني، حيث تنتقل الأجهزة المقاومة من حماية الجبهة إلى حماية الجبهة الداخلية، باعتبارها الحاضنة الشعبية والاستراتيجية لأي مشروع تحريري.

"رادع" ليست مجرد وحدة ضبط، بل أداة لإعادة هندسة المجال الأمني حول قيمة العدالة التوزيعية، وهو ما يضعها على تماس مباشر مع قضايا الاقتصاد الشعبي، والحوكمة المجتمعية في زمن اللا دولة، بهذا المعنى تتحول "رادع" إلى ذراع سيادية غير تقليدية، لا تمارس السلطة من فوق، بل من عمق الشارع، وتعيد تعريف مفهوم الأمن باعتباره شرطاً لتحقيق السيادة الإنسانية وسط القصف والحصار.

في المشهد الغزي المعقد، حيث تقصف المقار الأمنية وتُستهدف الكوادر الشرطية، تبرز "رادع" كإجابة محلية على سؤال طال انتظاره: من يحمي الفقراء من الحيتان؟ من يضمن ألا تتحول المساعدات إلى أداة للهيمنة بدل النجاة؟ الجواب جاء عبر بنية أمنية مقاومة، لا تعمل على استعراض القوة، بل على استعادة التوازن الاجتماعي، وملاحقة المتورطين في تزييف الأولويات، وسط حرب إبادة، فما يجري اليوم ليس مجرد ضبط ميداني، بل هندسة أمنية تعيد بناء الثقة في العلاقة بين المقاومة والمجتمع، وتُدخل مفاهيم مثل العدالة التوزيعية والسيادة الشعبية إلى الحقل الأمني لأول مرة منذ بداية الطوفان.

تشكيل قوة "رادع" ليس إجراءً أمنياً عابراً، بل يعكس هندسة أمنية ميدانية تتجاوز الرد الفوري إلى إعادة تشكيل المجال الأمني حول قيم المقاومة الاجتماعية، فحين تتدخل وحدة أمنية لضبط حركة الطحين، وتنظيم تدفق المساعدات، وملاحقة المتورطين في الاحتكار والتلاعب بالقوت، فإنها لا تمارس أمن السوق بالمعنى التقليدي، بل تؤسس لما يمكن تسميته بالضبط السيادي للحق العام، حيث تُعاد مركزية الفقراء داخل القرار الأمني.

في هذا السياق، لا تمارس قوة "رادع" السلطة بوصفها قهراً، بل بوصفها سيادة إنسانية مقاومة، تحمي الناس من الداخل بعد أن عجز الخارج عن حمايتهم، فهي لا تعتقل الفقراء، بل تلاحق من يسرق خبزهم، لا تضرب الباعة، بل تُسقط شبكات النهب المنظم التي تتغذى على الحصار، إنها تحول أمني نوعي، يتعامل مع اللحظة باعتبارها لحظة إعادة تعريف للشرعية: الشرعية التي لا تستند إلى البندقية فقط، بل إلى العدالة الشعبية.

السيادة هنا لا تُمارس من مكاتب مغلقة، بل من أرض مهدّمة وناس منهكة، ومن ثم فإن "رادع" تُمثل بنية مقاومة تُحاكي صراع البقاء الحقيقي في سياق حرب إبادة مستمرة، حيث تتحول السرقة إلى جريمة مضاعفة لأنها تُرتكب تحت النار، وعلى حساب الجوعى، وبهذا المعنى تُعيد رادع إنتاج مفهوم السيادة القاعدية، حيث تُستعاد سلطة المقاومة من الشارع لا من فوقه، وتُعاد كتابة العلاقة بين المواطن والمؤسسة عبر معيار واحد: من يحمي الحياة اليومية في زمن الموت الجماعي.

في سياق العدوان المفتوح على غزة، لم تعد الأجهزة الأمنية تقف عند حدود المتابعة والتنظيم، بل انخرطت فعلياً في حماية المجال المجتمعي بوصفه ساحة صمود لا تقل أهمية عن الجبهة العسكرية، هذه التحوّلات ليست تجميلاً لصورة الأمن، بل ضرورة فرضتها حالة تفكك المؤسسات الحكومية وغياب الرقابة المدنية بفعل القصف المتواصل والمجاعة المتصاعدة، وهنا تُصبح قوة "رادع" هي التجلي الأوضح لهذا التموضع الجديد، حيث تتدخل في الأسواق الشعبية، تراقب حركة توزيع الدقيق، تلاحق المحتكرين في المخازن، وتعيد الحق للناس في الشوارع، مشهد مداهمة شاحنة محمّلة بمساعدات مسروقة في منطقة المواصي، ومصادرتها علناً، لم يكن إجراءً أمنياً روتينياً، بل فعلاً سيادياً أرسل رسالة واضحة: لا أحد فوق جوع الناس، وهذا التحول يُؤسس لما يمكن تسميته بـالأمن المجتمعي المقاوم، حيث تنفصل الأجهزة عن مركزية السلطة، وتتجذر في النسيج الشعبي، لتتحول إلى أذرع إنقاذ أكثر من كونها أدوات ضبط.

في غزة، لم يعد "اقتصاد الظل" مصطلحاً اقتصادياً نخبوياً، بل صار واقعاً يومياً قاتلًاً، فمع الحصار والانهيار تمددت شبكات السوق السوداء، وانتشرت طبقات جديدة من المحتكرين، بعضها محلي، وبعضها يشتغل على هامش المعونات الدولية، وهنا تدخلت "رادع" باعتبارها أداة كسر لاقتصاد الأزمة، لا بقوانين السوق، بل بمنطق الإنصاف الميداني، مداهمات المخازن، مراقبة خطوط التوزيع، ومنع بيع الطحين خارج القنوات الرسمية، كلها تحركات تعكس أن معركة المقاومة لم تعد فقط ضد الطائرات، بل ضد من يتاجرون بالبقاء، إنه ضبط للهوامش القاتلة التي صنعتها الحرب: جشع تحت النار، وابتزاز في زمن الجوع، وهنا تبرز وظيفة "رادع" كحارس لـلسيادة الغذائية وكمحور في معركة العدالة لا السلطة.

ففي غزة لم تعد المقاومة المسلحة وحدها هي من تتحمل عبء المواجهة، ثمة مقاومة اجتماعية تتشكل من تفاصيل الحياة اليومية، تُعيد تعريف الجبهة بأنها ليست فقط حيث تُطلق الصواريخ، بل أيضاً حيث يُحمى الطحين، وتُؤمَّن المساعدات، وتُردع شبكات الاحتكار.

قوة "رادع" في هذا السياق ليست ذراعاً أمنية تقليدية، بل بنية مساندة للجبهة العسكرية عبر تثبيت الجبهة الداخلية، فكل عملية ضبط للمحتكرين، وكل توزيع عادل للغذاء، هو في جوهره تأمين لظهر المقاتل، ومنع لانهيار المعنويات في المجتمع، العدالة المجتمعية التي تُنتجها "رادع" في ظل الفوضى، تتحول بذلك إلى رافعة لصمود المنظومة القتالية، لا مجرد تحسين ظرف معيشي، إننا إزاء ما يمكن تسميته بتكامل المقاومة، حيث لا تُفصل البنادق عن الخبز، ولا الاشتباك العسكري عن الأمن الغذائي، هذه المعادلة الجديدة تُعيد ترتيب الأولويات، وتجعل من كل فعل ميداني عادل، سلاحاً معنوياً بيد الناس.

تشكيل "رادع" لا يجب قراءته كمجرد استجابة لواقع الفوضى، بل كجزء من هندسة النجاة الوطنية، حيث تنبع السيادة من الأرض، وتُصاغ أدوات الحماية من قلب الحاجة، في هذه التجربة يتجلى التحول النوعي في عقل المقاومة: من الاشتباك العسكري إلى الضبط المجتمعي المقاوم، ومن الأمن السلطوي إلى الأمن الحاضن للناس، فحين تُحمى المعونات كما تُحمى الأنفاق، وتُلاحق الجريمة كما تُرصد الطائرات، نكون أمام مقاومة شاملة، لا مركزية، تشاركية، مقاومة تعيد بناء الوطن تحت النار، لا بعد أن تنطفئ.

*المصدر: فلسطين أون لاين | felesteen.ps
اخبار فلسطين على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com