اخبار فلسطين

فلسطين أون لاين

سياسة

بين الإخفاق الميداني والانهيار الداخلي: لماذا تتجه "إسرائيل" نحو صفقة تبادل؟

بين الإخفاق الميداني والانهيار الداخلي: لماذا تتجه "إسرائيل" نحو صفقة تبادل؟

klyoum.com

منذ استئناف العمليات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة في 18 آذار/ مارس 2025، تزداد المؤشرات التي تؤكد تغيراً في المزاج الإسرائيلي، سواء داخل المؤسستين الأمنية والسياسية كما في أوساط الجمهور الإسرائيلي، بشأن التوصل إلى صفقة تبادل أسرى مع فصائل المقاومة الفلسطينية. هذا التغير لا يأتي من فراغ، بل من تراكم عوامل فشل وإخفاق على مختلف المستويات، تجعل استمرار الحرب أكثر كلفة من إنهائها.

حرب بلا أفق وانهيار الاستراتيجيات

دخلت الحرب على غزة شهرها الواحد والعشرين تقريبًا، دون أن تحقق الأهداف الإسرائيلية المعلنة. ورغم ما يروّج له الاحتلال عن "السيطرة على 65% من القطاع"، فإن جزءاً كبيراً من هذه السيطرة، لم يكن سوى سيطرة نارية أو مؤقتة، دون تمركز دائم أو فعلي للقوات. في الميدان، تكبد جيش الاحتلال الإسرائيلي خسائر متزايدة؛ أكثر من 30 جندياً قُتلوا منذ استئناف الحرب، منهم أكثر من 20 جندياً قتلوا فقط خلال شهر حزيران/ يونيو الماضي، بينهم عناصر من وحدات النخبة، ولا سيما وحدة الهندسة التي يصعب تعويضها.

المشكلة لا تقتصر على الخسائر البشرية، بل تمتد إلى البنية العسكرية نفسها والروح المعنوية. فقد أُنهكت خمس فرق قتالية إسرائيلية شاركت في القتال بطريقة متواصلة دون راحة أو إعادة تأهيل، ووفق ما نشر موقع "يديعوت أحرنوت" يوم الأحد (6/7/2025)، فإن الجنود الذين التحقوا بالجيش في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، خدموا على مدار عامين تقريباً في مختلف جبهات القتال، "وسط ظروف قاسية أدت إلى إنهاك جسدي ونفسي شديد".

كما تم استنزاف قوات الاحتياط بجولات متكررة من القتال، وسط تراجع الاستجابة الشعبية للاستدعاء، ورفض متزايد من فئة الحريديم. كما أن الجيش بات يقاتل باستخدام آليات عسكرية قديمة تعود للسبعينيات، في ظل نقص خطير في الذخائر والعتاد.

أثمان اقتصادية وسياسية باهظة

اقتصادياً، تشير تقديرات إلى أن تكلفة الحرب في غزة تجاوزت 67 مليار دولار حتى نهاية 2024، تشمل نفقات القتال والدعم المدني وخسائر الإيرادات من دون احتساب انخفاض الإنتاجية والاضطرابات في سلاسل التوريد، هذا الإنفاق المهول انعكس على الأداء الاقتصادي والإنتاج، خصوصاً في ظل استدعاء الاحتياط وتأثيره على سوق العمل. داخلياً، تتصاعد الأصوات المعارضة للحرب، إذ أظهر استطلاع للرأي نشره موقع "واللا" أن 67% من الإسرائيليين يؤيدون إنهاء العمليات العسكرية.

سياسيًا، باتت هذه الحرب عبئاً على نتنياهو وحكومته، خاصة مع فشل الضربة ضد إيران في تحسين صورة حزب "الليكود" شعبياً، بشكل يضمن له تصدر ائتلافه الانتخابات القادمة. كما أن التباينات بين نتنياهو من جهة، والوزراء المتطرفين مثل بن غفير وسموتريتش من جهة أخرى، باتت تهدد تماسك الائتلاف الحاكم. بالإضافة إلى أن غياب استراتيجية لـ"اليوم التالي" في غزة، والترويج لخيارات غير واقعية كإعادة احتلال القطاع، أسهما في تعميق أزمة الثقة بين المؤسسسة العسكرية من جهة وبين الحكومة من جهة أخرى، كما زاد من حالة المعارضة لاستمرار الحرب داخل الشارع الإسرائيلي.

فشل البدائل وتعاظم قوة المقاومة

من جهة أخرى، فشلت جميع محاولات الاحتلال لإيجاد بدائل لسلطة "حماس" في غزة. ولم تنجح "مؤسسة غزة الإنسانية" الأمريكية في فرض نموذج توزيع مساعدات يخضع للرقابة الإسرائيلية، بل أصبحت آلية المساعدات هذه "مصائد موت" مدروسة للباحثين عن الطعام، كما لم تفلح محاولات تشجيع مجموعات محلية خارجة عن القانون والإجماع الشعبي لتحل محل المقاومة. لا شك أن فشل سياسة "هندسة التجويع" أسهم في تعزيز تماسك الجبهة الداخلية الفلسطينية.

في المقابل، تمكنت المقاومة من الحفاظ على وجودها العسكري والأمني، وأعادة إنتاج نفسها بصورة أكثر فاعلية بعدما اكتسب جرأة متزايدة، وأثبتت قدرتها على تنفيذ عمليات نوعية، كما حصل في "كمين خانيونس" في 24/6/2025، الذي أدى إلى مقتل عدد من الجنود الإسرائيليين، وأسهم ذلك في ترسيخ قناعة لدى الاحتلال أن استعادة الجنود الأسرى أحياء بات أمراً غير واقعي دون صفقة.

المفاوضات: حسابات جديدة

وسط هذا المشهد المعقد، ظهرت مؤشرات على مرونة إسرائيلية نسبية في المفاوضات. كما بات الاحتلال يتعامل مع ملف الصفقة بجدية أكبر، نتيجة ضغط أمريكي واضح، وتوصيات من داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية بضرورة التوصل إلى اتفاق، في ظل انسداد الأفق العسكري.

في المقابل، قدمت المقاومة للوسطاء مقترحاً معدلاً يشمل أربعة بنود رئيسية: فتح معبر رفح، وضمان تدفق المساعدات وفق بروتوكولات إنسانية متفق عليها، وجدولة الانسحاب الإسرائيلي ضمن خرائط واضحة خلال 60 يومًا من التهدئة، وتقديم ضمانات دولية بإنهاء الحرب.

وتدرك المقاومة أن الجانب الإسرائيلي سيعمل دائماً على إفراغ العديد من هذ البنود من محتوياتها، أو حتى خرق الاتفاق في لحظة تخدم سياسته وأهدافه، وهي متيقظة لهذا الأمر وتتعامل معه بجدية.

عقبات ما تزال قائمة

رغم التحول النسبي، لا تزال هناك عقبات تعرقل التوصل إلى اتفاق نهائي، أبرزها الخلاف على هوية الأسرى الذين سيتم الإفراج عنهم، سواء من الجانب الإسرائيلي أو الفلسطيني. حماس تطالب بالإفراج عن قيادات بارزة، وهو ما ترفضه إسرائيل. كما أن إدخال المساعدات وفق آلية دولية ما زال محل خلاف، وكذلك الانسحاب الإسرائيلي من محاور رئيسية مثل موراغ والمنطقة العازلة.

خلاصة

من الواضح أن "إسرائيل" لم تتجه نحو الصفقة بدافع إنساني أو سياسي فحسب، بل تحت ضغط متراكم من الفشل، والعجز الميداني، والانهيار الاقتصادي، والاحتقان الداخلي، فضلاً عن تماسك المقاومة الفلسطينية وتغير موازين القوى على الأرض. ومع كل ذلك، تبقى صفقة التبادل – في حال إنجازها – لحظة محورية في مسار الحرب على غزة، عنوانها الأبرز: المقاومة انتزعت اتفاقًا بشروطها، في زمن الحصار والمحرقة.

*المصدر: فلسطين أون لاين | felesteen.ps
اخبار فلسطين على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com