اخبار فلسطين

فلسطين أون لاين

سياسة

تقرير الصَّفدي يمشي بعكَّازين... حكاية أسير فقد ساقه تحت التَّعذيب والقهر

تقرير الصَّفدي يمشي بعكَّازين... حكاية أسير فقد ساقه تحت التَّعذيب والقهر

klyoum.com

"نجوت من التعذيب والموت بأعجوبة، لكنني لم أعد حيًّا كما كنت.." بصوت متقطع دلَّ على ما يعتمل القلب من ألم وقهر، قال الأسير المحرر جبريل الصفدي هذه الكلمات، وبدا آسفًا على حاله، بعدما تعرض لتعذيب شديد داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي.

تحت سقف بيت نجا من القصف والتدمير بحي الدرج في قلب مدينة غزة، يمشي الصفدي (46 عامًا) على عكازيْن خشبييْن بخطوات مثقلة. تُصدر الأرض تحت ساقيه صوتًا منتظمًا يرافقه منذ تحرره من سجون الاحتلال، مؤخرًا، ضمن صفقة التبادل المرافقة لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ يوم 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2025.

وأُبرمت الصفقة في إطار خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الهادفة لإنهاء حرب الإبادة الإسرائيلية، بعد سنتين من القتل والتدمير والمحاولات الفاشلة لتهجير سكان غزة قسرًا، لتضع حدًا لحرب دموية استمرت 734 يومًا.

بداية المأساة

كان الصفدي، اعتقل يوم 4 مارس/ آذار 2024، بعد حصار مشدد فرضه جيش الاحتلال على مدينة حمد، غربي محافظة خان يونس في جنوبي قطاع غزة، ليبدأ بعدها رحلة عذاب وقهر لم يرَ في حياته أشد من أيامها.

في ذلك الوقت، كانت الحرب في شهرها السادس وقد بلغت ذروتها على قطاع غزة، لكن الأوضاع كانت هادئة إلى حد ما في مدينة حمد، واقتصرت على استهدافات مركزة. "لكن فجأة ودون سابق إنذار شنت طائرات الاحتلال غارات عنيفة أعقبها حصار المدينة بالكامل." يروي الصفدي الساعات الأولى للهجوم الإسرائيلي على المدينة التي مَولت إنشاؤها دولة قطر، وجعلتها مدينة نموذجية.

لم تمضِ سوى ساعات، حتى طلب جيش الاحتلال من سكان المدينة التوجه إلى منطقة أصداء. عندها كان عدد كبير من الجنود الإسرائيليين قد اتخذوا من إحدى الشاليهات في المنطقة مقرًا لهم للتحقيق الأولي مع السكان الوافدين إلى الحاجز العسكري الذي أقاموه هناك.

"عندما وصلت الحاجز طلب مني جندي إسرائيلي الخروج من الطابور والدخول إلى مركز التحقيق. أجبروني على خلع ملابسي قبل أن أقابل ضابط يدعي (الكابتين عدنان)"، يضيف الصفدي لصحيفة "فلسطين"، وهو يشرح تفاصيل المعاناة التي مرَّ بها.

"كان (الكابتن عدنان) يتحدث العربية بطلاقة، وسألني عن عدة أشخاص لا أعرف من هم أصلاً! محاولاً انتزاع اعترافات حتى لو كانت كاذبة."

لم يجب الصفدي على أسئلته سوى أنه لا يعرف شيئًا عما يتحدث به المحقق الإسرائيلي، لكن ذلك لم يرق للأخير، فأشار بيده إلى أحد الجنود، والذي جاء مهرولاً قبل أن يمسك برأس الصفدي ويضربه بحائط خرساني 13 مرة متتالية، ضربات موجعة كانت كافية أن تفقده الوعي تمامًا.

فصول المعاناة لم تنته عند هذا الحد. بعد دقائق قليلة أقدم جنديان إسرائيليان آخران على تعذيبه بطريقة مختلفة. إذ تعمدا ضربه بقدميهما اللتيْن يرتديان فيهما بساطير عسكرية مكسوة بغطاء حديدي، في منطقة الخاصرة، جعلته يصرخ عاليًا من شدة الألم.

"كانا يركلاني بقوة وكأنهما يلعبان كرم قدم." هكذا لخص الصفدي المشهد.

رحلة عذاب جديدة

في ذات الوقت الذي كان يُضرب فيه الصفدي ويعذب، كان يسمع صراخ نساء في غرفة أخرى وقد ملأ صوتهن الأرجاء، بعد تعرضهن لتعذيب شديد أيضًا، قبل أن يبدأ هو رحلة تعذيب جديدة في معتقل "سدية تيمان"، الذي يصفقه مراقبون بـ"غوانتانامو (إسرائيل)".

صَمت قليلاً وتقضَّب جبينه وهو يسترجع شريط الأيام الطولية والصعبة التي قضاها مقيّد اليدين ومعصوب العينين، ومحروم من النوم والطعام الكافي في "سدية تيمان" الذي أنشأه الاحتلال في النقب الغربي، داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ نكبة 1948.

"اعتقدت في البداية أنني سأتعرض لتحقيق قصير، لكن ما واجهته في (سدية تيمان) كان أفظع من كل التوقعات."

وتحت أصناف القهر والتعذيب التي لاقاها هناك، بدأ الصفدي يشعر بمضاعفات صحية وآلام شديدة في الساقين، أجبرته على طلب الفحص الطبي داخل عيادة المعتقل، فيما لم يعطه أحد هناك أي اهتمام، وشتموه وضربوه بعنف شديد، واكتفى السجانون بمنحه بعض حبات المسكن فقط.

"لاقيت إهمالاً طبيًا متعمدًا من السجانين والأطباء هناك. بعدها بدأت انتفاخات كبيرة تظهر في القدمين." يتحدث الصفدي بصعوبة عن تفاصيل تلك الأيام بعدما تركت ندوبًا لا تلتئم في جسده وذاكرته.

 

انفجار دموي

بعد أيام قليلة، استيقظ داخل معتقل "سدية تيمان"، وهو غارق في دمائه. كان قد وجد ساقيه المنتفخين قد انفجرتا دون إذن مسبق، وسالت منهما الدماء بشدة حتى أنه اقترب من الموت، فصار يصرخ بعنف من شدة الألم قبل أن تقرر إدارة المعتقل نقله إلى مستشفى إسرائيلي في الداخل الفلسطيني المحتل.

وهناك حدث ما لم يكن متوقعًا بالنسبة له. أخبره الأطباء أنهم سيبترون ساقيه وإلا سيفارق الحياة من النزيف المستمر. عندها بكى الصفدي بشدة ولم يكن أمامه حلاً آخرًا، وبالفعل بتر الأطباء الساق اليمنى من أسفل الركبة، فيما نجت الأخرى خلال 7 عمليات جراحية مطولة خضع لها على مدار سبعة أيام متتالية.

"رغم الألم وقهر البتر، وعدم تمكني من السير بشكل سليم بعد العمليات الجراحية، قرر الاحتلال إعادتي إلى (سدية تيمان)، وواصل السجانون والمحققون انتهاكاتهم ضدي. كانوا يهزؤون مني وينادوني (أبو رجل مقطوعة)."

وبعد فترة تعذيب شاقة قضاها الصفدي في المعتقل سيء الصيت والسمعة، نقله الاحتلال إلى سجن "عوفر" ليقضي فيه 6 أشهر أخرى، قبل أن ينقل إلى سجن "النقب" الصحراوي لمدة 3 أيام، قبل أن يفرج عنه في صفقة التبادل.

كان إدراج اسمه في كشف المفرج عنهم، حدثًا مهمًا بالنسبة له، لكن بانتظاره كان ما لم يكن متوقعًا. وفور وصوله أرض غزة علم من زوجته أن نجلهما البكر يحيى (22 عامًا) استشهد بعد أيام قليلة من اعتقاله، في قصف إسرائيلي استهدف مجموعة من المواطنين داخل مدينة حمد، تاركًا خلفه ذكريات جميلة لن يمحو مرور الزمان رسومها من الذاكرة، كان قد قضاها مع عائلته وشقيقاته الخمسة أكبرهن سالي (20 عامًا)، وأصغرهن رواء (10 أعوام).

يعيش الصفدي في منزل العائلة كمأوى مؤقت في مدينة غزة بعد أن دمّر القصف الإسرائيلي شقته السكنية في مدينة حمد، بلا رعاية طبية مناسبة، ولا أطراف صناعية تمكنه من السير بخفة كما كان قبل اعتقاله، لتكون قصة هذا الأسير المحرر شاهدًا على مأساة صنعها الاحتلال وشاهدها العالم بصمت شديد.

*المصدر: فلسطين أون لاين | felesteen.ps
اخبار فلسطين على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com