اخبار فلسطين

فلسطين أون لاين

سياسة

الموت جوعًا.. أطفال غزة يطلبون الخبز والأمهات ينهارْن صمتًا

الموت جوعًا.. أطفال غزة يطلبون الخبز والأمهات ينهارْن صمتًا

klyoum.com

في أحد أحياء غزة المنهَكة، استيقظت طفلة لم تتجاوز الثالثة من عمرها تتوسّل لأمّها بصوت مبحوح: "ماما، بدي خبزة."

لم تجد الأم ما تقوله سوى: "والله يا ماما، ما في طحين."، فانهارت الصغيرة باكية بحرقة، وكأن البكاء آخر ما تبقّى لها من طاقة.

تروي الأم، مريم عبد العال، تفاصيل ما حدث وكأنها تحاول تصديق الواقع: "بحثتُ مع شقيقاتها الثلاث في زوايا البيت، فعثرن على قطعة خبز يابسة تُركت منذ ثلاثة أيام، بدأت أطرافها تتعفّن. بلّلناها بقليل من زيت القلي حتى تلين، وقطّعناها إلى لقيمات صغيرة وزّعناها بينهن. ثم أعددتُ لهن ما أسمّيه شوربة، وهي حفنة من لسان عصفور قديم ممزوج ببعض الدقيق والحصى الذي لا يصلح إلا للطيور. نخّلته، وطبخته بالماء والملح، فحتى مكعّبات مرق الخضار اختفت من الأسواق."

هذا المشهد ليس استثناءً، بل مرآة لما تعيشه آلاف العائلات في غزة: جوع، عجز، وبكاء صامت يمتدّ على موائد فارغة.

"خبزة بس"

تجلس أم ساجد حمد، نازحة من بيت حانون شمال القطاع إلى غرب مدينة غزة، وتحدّثنا بانكسار وحسرة: "الصغير إيش فهمه باللي بصير حوله؟ بنتي الصغيرة ما بدها عدس، ولا رز، بس بدها خبزة. كل شوي بتقولي: بدي خبزة يا ماما. طيب شو أعمل؟ كيلو الطحين صار سعره غالي كتير، ومش بكفي لعيلة من 9 أفراد ليوم واحد. تعبنا يا الله."

الطلب بسيط: رغيف خبز. لكن في غزة، حتى البسيط أصبح مستحيلاً.

أمومة الجوع

تقول هنادي أبو الخير، وهي أم لخمسة أطفال نازحة في بيت أقرباء لها بحي الشيخ رضوان: "أهرب من أطفالي إلى غرفة أخرى لأبكي وحدي، هربًا من سؤالهم: ماما، جوعانين... بدنا خبز. قلبي يتفتّت حين يقول لي طفلي: ما شبعت من ربع الخبزة، بدي كمان ربع. لكن هذا الجزء كان حصتي، وما بقى عندنا طحين."

وتضيف لصحيفة "فلسطين": "اليوم لما نزل زوجي على السوق يدور على أي شيء نأكله بدل الدقيق اللي صار حلم، انصدم بأسعار الأرز، والبرغل، والعدس، والمعكرونة، والفريكة، اللي صارت بأكثر من 100 شيكل للكيلو الواحد."

هكذا تُختصر الأمومة في غزة اليوم: في التظاهر بالقوة، والكذب الأبيض على البطون الخاوية، والبكاء خلف الأبواب المغلقة.

الماء الفارغ

لطالما تأثرت أجيال بقصة المرأة التي كانت تغلي الماء في قدر فارغ لتُسكت صغارها. كنّا نراها حكاية من زمن بعيد، لكن غزة تعيشها اليوم من جديد – بوجهٍ أكثر قسوة، وفي بعض الأحيان لا تجد نساء غزة حتى الحطب لفعل ذلك.

الأسواق باتت خاوية. الأسعار تضاعفت بشكل جنوني، وكيس الدقيق – إن وُجد – يُباع بأكثر من 2000 شيكل (500 دولار)، وهو ما يعجز عنه معظم سكان القطاع.

يقول أبو يزن عليان، أب لثمانية أفراد: "مشيت أكثر من 6 ساعات باليوم أدوّر على كيس طحين. لقيت تاجر بيبيعه بسعر خيالي، لكن ما معي إلا بضع شواقل. رجعت البيت بخفي حنين، وعيون أولادي تلاحقني: جبت خبز يا بابا؟"

أرقام مفزعة

وفق أحدث تقارير برنامج الأغذية العالمي (WFP) ومنظمة أوكسفام، فإن 100% من سكان قطاع غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وأكثر من نصفهم في المرحلة الخامسة الكارثية من التصنيف المتكامل (IPC).

منظمة الصحة العالمية (WHO) أعلنت عن وفاة أكثر من 27 طفلًا بسبب الجوع وسوء التغذية، غالبيتهم في شمال القطاع.

ووفق منظمة أنقذوا الأطفال (Save the Children)، فإن نحو 90% من أطفال غزة يعانون من سوء تغذية حاد، مع ظهور أعراض تقزّم وبروز عظام وتساقط شعر.

رغم النداءات المتكررة، لا تزال المساعدات الإنسانية تصل بشكل متقطع وغير منتظم، وتخضع للرقابة والمنع.

قال المفوض العام لـ"أونروا"، فيليب لازاريني: "نحن أمام كارثة غير مسبوقة. الأطفال يموتون من الجوع في غزة. نحتاج إلى وقف فوري لإطلاق النار، وممرات إنسانية آمنة، الآن."

لكن صرخات الأمهات، وصدى الجوع في بطون الأطفال، لا تزال تصطدم بجدار الصمت الدولي، وتُترَك لتتردّد بين أزقّة البيوت المظلمة، التي لم تعد تُشعل فيها النيران... لا للطبخ، ولا للدفء... فقط للبكاء.

 

*المصدر: فلسطين أون لاين | felesteen.ps
اخبار فلسطين على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com