من الرُّكام إلى العطش: أزمة المياه في غزَّة تهدِّد حياة الملايين
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
قتلى وإصابات بانهيار مبنى على قوة لغولاني برفح.. والقسام تكشف التفاصيلفي شوارع غزة المدمّرة، باتت كلمات السكان تصرخ بالعطش قبل الألم. محمد عبيد، من حي الشاطئ الشمالي، عاد إلى منزله المتضرر ليجد نفسه في سباق يومي مرهق من أجل جرعة ماء: "أحمل الجرادل وأسير لساعات بحثًا عن نقطة ماء. منذ أسبوع لم أغسل وجهي حتى. البئر التي كنت أعتاش منها توقفت لأن الوقود ممنوع من الدخول".
أما عاصم الخالدي من حي النصر، فيقضي يومه متنقلًا بين الأحياء: "نعيش على حافة العطش. نناشد العالم إدخال الوقود لتشغيل الآبار، فالحياة بدون ماء موتٌ بطيء".
ويضيف سمير الخطيب، ربّ أسرة، بقلق: "كنا ننتظر شاحنات المياه، لكنها اختفت. القِربة لا تكفي حتى لبضع ساعات، ولا بدائل أمامنا".
هذه المعاناة ليست مجرد أزمة خدمات، بل جزء لا يتجزأ من سياق العدوان الإسرائيلي الشامل الذي خلّف حتى الآن أكثر من 171 ألف شهيد وجريح، في ظل حصار خانق يمنع وصول الغذاء والدواء والماء والطاقة.
ويرى مراقبون أن تجفيف مصادر الحياة ليس أمرًا عرضيًا، بل سياسة متعمدة ضمن حرب إبادة ممنهجة، تهدف إلى جعل غزة بيئة غير صالحة للعيش عبر العطش والجوع وتدمير البنية التحتية بشكل كامل.
بين الركام والغبار، ترتفع صرخة أهالي غزة: "نريد فقط أن نشرب، أن نغتسل، أن نحيا كباقي البشر". ومع مرور كل يوم، تتسع الفجوة بين الاحتياجات والواقع، وسط غياب فاضح لأي تحرك دولي جاد يوقف هذه الجريمة الجماعية.
ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023، تتفاقم أزمة المياه لتصبح إحدى أخطر أوجه الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، حيث يرزح أكثر من مليوني إنسان تحت تهديد دائم بالعطش، نتيجة تدمير ممنهج للبنية التحتية، ونقصٍ حاد في الموارد، في ظل صمت دولي مستمر.
وفي تصريح لافت، وصف المقرر الأممي الخاص بحق الإنسان في الحصول على مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي، بيدرو أروخو أغودو، ما يجري في غزة بأنه "قنبلة صامتة لكنها قاتلة"، مؤكّدًا أن "(إسرائيل) تستخدم المياه كسلاح في الحرب"، عبر تدمير البنية التحتية ومنع السكان من الوصول إلى المياه النظيفة.
وأشار أغودو إلى أن نحو 70% من بنية المياه في غزة دُمّرت، في حين يحصل الفرد على أقل من 5 لترات يوميًا، وهي كمية لا تكفي حتى للاستخدامات الأساسية. وأضاف: "الغالبية لا تصلهم المياه، وإن وصلت فهي ملوثة بشكل خطير"، مشيرًا إلى أن "الحصار يمنع إدخال الكهرباء والوقود، ما يفاقم الكارثة".
وتكشف الإحصائيات عن أرقام صادمة: فقد أعلنت الجهات الرسمية في غزة أن الاحتلال دمّر خلال 16 شهرًا نحو 330 ألف متر من شبكات المياه، و64 بئرًا من أصل 86، إضافة إلى تدمير محطة التحلية المركزية، وإخراج 717 بئرًا عن الخدمة، ما جعل مئات الآلاف يعتمدون على مياه غير صالحة أو غير متوفرة أصلًا.
وأكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن "(إسرائيل) تمارس سياسة تعطيش ممنهجة ضد الفلسطينيين"، ما تسبب في مضاعفات صحية خطيرة ووفاة الآلاف، فيما حذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من "كارثة صحية وشيكة وغير مسبوقة" تهدد السكان جميعًا.
وفي السياق ذاته، نبّه اتحاد بلديات قطاع غزة إلى انهيار وشيك في الخدمات الأساسية نتيجة توقف الكهرباء ومنع إدخال الوقود، ما أدى إلى توقف محطات التحلية والصرف الصحي، وهدّد بانتشار الأمراض والأوبئة.
وأوضح عمر شتات، نائب مدير عام مصلحة مياه بلديات الساحل، ف تصريحات صحفية، أن إنتاج محطة التحلية في وسط القطاع تراجع من 18 ألف متر مكعب يوميًا إلى أقل من 3 آلاف، ما يترك فجوة كارثية في تلبية الحد الأدنى من احتياجات السكان.
وسط هذا المشهد القاتم، يبقى الحق في الماء مطلبًا إنسانيًا أساسيًا لا يقبل التأجيل، وصرخة غزة لا تزال تُسمع: "أنقذونا من الموت عطشًا".