تقرير التجويع يُجبر عائلة صحفي شهيد على التفريط بأغلى ما تبقى من ذكراه
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
محدث حرب الإبادة الجماعية في يومها الـ 692.. أبرز التطورات في قطاع غزةبين جدران منزل بسيط في مدينة غزة، تجلس والدة الشهيد الصحفي رامي ريان تحتضن كاميرا سوداء، لم تكن مجرد آلة تصوير، بل آخر ما تبقى لها من نجلها، الذي ارتقى عام 2014 أثناء توثيقه جرائم الاحتلال الإسرائيلي خلال العدوان على قطاع غزة.
إحدى عشرة سنة كاملة ظلت الكاميرا رفيقتها الدائمة، تحضنها كل صباح لتخفف مرارة الفقد، حتى جاء يوم قاسٍ، ومع اشتداد المجاعة، اضطرت لعرضها للبيع، بعدما لم يعد أمامها خيار آخر لتوفير الطعام لأحفادها.
تقول الأم بصوت متهدج لصحيفة "فلسطين": "رامي استشهد وترك زوجة وبنتين وولدين. منذ رحيله لم نحصل على راتب أو مخصصات لعائلة أولاده. كنا نعيش على بقايا كفالات بسيطة توقفت مع مرور الوقت. كبر الأولاد واحتياجاتهم كبرت، والحياة صارت أغلى. لم يعد في يدي شيء أعطيهم إياه سوى هذه الكاميرا، آخر ذكرى من رامي".
ذكرى تتحول إلى لقمة عيش
كانت الكاميرا بالنسبة للأم أكثر من مجرد جهاز تصوير، بل قطعة من روح ابنها. تقول وهي تمسح على عدستها: "كنت أقبلها كل يوم، أشعر أني أضم رامي نفسه. أولاده كانوا يطلبون أن يمسكوها ويقولون: هذه كاميرا أبونا. كنت أرفض خوفًا على الكاميرا من الخدش أو الكسر، لكن الجوع أقسى من كل الذكريات. حين لا أجد كيلو طحين لأولاده، ماذا أفعل؟".
وتستعيد لحظة القرار الصعب: "أيام بقينا بلا رغيف خبز، لم أجد شيئًا أطعمه لهم. بكيت كثيرًا، لكنني لم أمد يدي للناس. فكان القرار أن أبيع الكاميرا وأوفر بثمنها الطعام لهم. قلت لنفسي: أبيع ذكرى رامي ولا أرى أبنائه جائعين".
استشهاد رامي كان فاجعة قاسية على أسرته، لكن المعاناة لم تتوقف عند لحظة الوداع، بل امتدت سنوات طويلة. والدته تصف المشهد بمرارة: "رامي استشهد على رأس عمله، مثل المجاهدين، لكنه تركنا وحدنا نصارع الحياة. نزحنا أكثر من سبع مرات، وخسرنا بيتنا وأماننا. أصبت بالأمراض بعد استشهاده من شدة الحزن والتعب. اليوم لا أطلب سوى ستر أولاده وتربيتهم بكرامة".
تروي أن أحفادها يحلمون بالسير على خطى والدهم: "أحيانًا يمسكون الكاميرا ويقولون: نريد أن نصبح صحفيين مثل أبونا. لكني أخاف عليها، وأقول لهم: لو حصل لنا شيء سأبيعها وأصرف عليكم. فيبكون ويقولون: لا تبيعيها يا ستي. لكن الحاجة غلبتني في النهاية".
وعما إذا كان رامي سيرضى ببيع كاميرته التي لازمته حتى استشهاده، تجيب والدته بحزن: "الله أعلم، ربما لو كان حيًّا لغضب لأن الكاميرا كانت أحب ما يملك، لكن لم أبيعها برغبتي، بل لأن الجوع أقسى من كل شيء. أقول في نفسي: رامي سيعذرني، فهو كان يعرف أني لا أمد يدي للناس، وأنني أتحمل كل شيء من أجل أولاده".
فخر ممزوج بالوجع
ورغم دموعها المستمرة منذ رحيل ابنها، إلا أن الفخر لا يغادر قلبها: "أنا فخورة برامي. استشهد وهو يؤدي واجبه الصحفي، ينقل الحقيقة للعالم. الصحفيون كلهم أولادي، وكلما سمعت عن استشهاد أحدهم، أبكي كأن رامي استشهد من جديد. لكن الفراق صعب، والوجع لا يزول".
وتخاطب العالم من قلب معاناتها: "ليت الناس يرون كيف تُضطر أم شهيد صحفي لبيع كاميرا ابنها كي تطعم أبناءه. رامي تعب وجاهد بعدسته خمس سنوات، ثم رحل، وها نحن نواصل الكفاح من بعده. لم يعد أمامنا إلا الصبر والدعاء".
في نهاية حديثها، توجه والدة الشهيد رسالة للصحفيين الذين يواصلون العمل في الميدان: "الله يحميكم جميعًا. أنتم تحملون أمانة كبيرة، والاحتلال يستهدفكم لأنكم عيون الحقيقة. أوصيكم بأن تحافظوا على أنفسكم، فالفراق صعب جدًا على الأمهات والأطفال. أسأل الله أن يحفظكم لأهاليكم وزوجاتكم وأبنائكم".