اخبار فلسطين

وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

سياسة

ناصر اللحّام... حين قرّر القلب أن لا يساوم على الحقيقة

ناصر اللحّام... حين قرّر القلب أن لا يساوم على الحقيقة

klyoum.com

الكاتب: نائل مناصرة

لم يكن ناصر اللحام مجرّد صحفي فلسطيني، بل كان مرآة وطنٍ يتكسّر كل يوم، لكنه لا يفقد صورته. رجلٌ يحمل في نبرته ما يكفي من الحزن لإسقاط قناع الكذب، وفي عينيه ما يكفي من الضوء ليحرس شوارع غزة المحاصرة حتى وهو بعيدٌ عنها خلف القضبان.

قبل أن يُعتقل في تموز 2025، كان ناصر يطلّ على الشاشة وكأنّه يتنفس باسم الناس جميعًا؛ حين يتحدث عن مجزرة، يتحول صوته إلى عاصفة؛ وحين يذكر شهيدًا، ترتجف نبرته كأن الفقد أخوه. كان يحفظ أسماء الأطفال، الأحياء منهم والمستشهدين، كما لو أنهم أبناءه. وكان يعرف رائحة المخيم من الذاكرة، من الأبواب المفتوحة على البؤس، ومن العيون التي تقاوم بالصبر والحكايات.

ناصر ليس مجرّد مراسل أو محلّل سياسي. هو سيرة كاملة من التحدي. رجلٌ قرّر أن لا يُصافح الباطل، ولا يُزيّن الخسارات، ولا يُهادن الدم حين يُسفك على الهواء مباشرة.

في حياته، كما في شاشته، اختلطت المهنة بالرسالة، والعقل بالقلب. لم يكتفِ بأن يروي الحدث، بل صار هو الحدث، صار الوجه الذي يُطِلّ به الفلسطينيون على جراحهم، وسقفهم الأخير حين ينهار كل شيء.

حين أعاد الاحتلال اعتقاله، لم يكن يعتقل ناصر كفرد، بل كان يحاول خنق كل ما يمثّله: الكلمة الحرة، والموقف الصادق، والوفاء لفلسطين دون تردّد.

ما لا يعرفه كثيرون، أن ناصر لم يخرج يومًا من السجن حقًا؛ هو ابن التجربة، عاش الاعتقال شابًا، وحمل الرقم في ذاكرته كما يحمل اللاجئ مفتاح بيته القديم. لكن هذه المرة، اعتقلوا رجلًا بنكهة الثورة ولغة الخلاص، لا يملك بندقية، بل ميكروفونًا وضميرًا.

وها هو اليوم، يعود إلى الزنزانة، لكن ليس وحيدًا. يعود محمولًا على أكتاف قلوبنا، وفيه حكايات من مخيم الدهيشة، وآهات من شوارع جنين، ودموع من أحجار سلفيت، ورائحة دمٍ من تراب غزة.

ناصر اللحّام، هو الخيط الأخير بيننا وبين العالم حين يصمّ أذنيه. هو الشاهد الذي لم تُرعبه النيران، ولم يسكت أمام المجازر، ولم يختبئ خلف الحياد الزائف.

هم يعرفون ذلك. ولهذا يعاقبونه.

لكن من يُعاقِب الحقيقة؟

من يقيّد نبضًا ظلّ حرًّا رغم الألم؟

من يعتقل ناصر دون أن يشعر أن الصمت بعده يصبح خيانة؟

ناصر اليوم لا يصرخ، لكننا نسمعه. لا يظهر على الشاشة، لكن صورته في ذاكرة كل بيت. هو هناك، في الزنزانة، يكتب روايته بلحم الجرح، وبدم القلب، وبألم الحقيقة.

وفي الخارج، نُعيد تكرار الجملة التي علّمنا إياها يومًا:

"غزة بخير... رغم الألم."

*المصدر: وكـالـة مـعـا الاخـبـارية | maannews.net
اخبار فلسطين على مدار الساعة