في غزة... الطُّفولة تُستبدل بالكدح و"البسطة" تحلّ مكان دفتر الدروس
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
السعودية تقدم دفعة مالية لفلسطين بقيمة 30 مليون دولارلم تعد أحاديث الأطفال في غزة تدور حول ألعاب الفيديو، أو كرة القدم، أو الواجبات المدرسية، بل تحوّلت إلى نقاشات يومية عن أسعار السلع: "بكم صلصة الطماطم اليوم؟ كم ارتفع سعر الطحين؟ هل انخفض سعر كيلو الخيار؟".
يتفاخرون بمن يجني "يومية" أعلى، أو من يحظى بموقع أفضل في السوق، أو من استطاع شراء علبة تونة لأسرته في نهاية اليوم.
تحت شمس يونيو اللاهبة، وقف براء عليان، ابن الثانية عشرة، فوق طاولة خشبية وسط سوق الصحابة، يرفع صوته عاليًا: "كيلو الرز بـ48 مش بـ50... لا للاستغلال!"
يرتدي حقيبة صغيرة، ويمسك بإحكام كيسًا فيه بضائع تموينية. تهافت الناس عليه حتى نفدت الكمية.
يبدأ براء يومه منذ السابعة صباحًا حتى السابعة مساءً، يبيع الأرز والزيت والعدس والحمص وبعض المعلبات.
يقول لـ "فلسطين أون لاين": "كان يفترض أن أكون الآن في صفي أقدّم الامتحانات النهائية، لكنني منذ عامين أعمل لأساعد عائلتي. نحن سبعة أفراد، ووالدي عاطل عن العمل، لذا أساعده على البسطة."
يتنهّد ويضيف: "لم أتخيل أن أكرّس طفولتي للعمل قبل إنهاء دراستي الجامعية، لكن الحرب أجبرتني. الأسعار نار، وإن لم أعمل، لا نأكل."
من "التوجيهي" إلى السوق
أما ياسر حسان (18 عامًا)، فكان من المفترض أن يخوض غمار اختبارات الثانوية العامة هذا العام، لكن الحرب نسفت منزله وأحلامه.
يقول: "نزحنا من بيتنا المدمّر إلى بيت بالإيجار. ومع غياب المدارس وانعدام الدخل، اضطررنا جميعًا للعمل. أقف الآن 12 ساعة يوميًا خلف بسطة، مقابل 20 شيكل فقط. أحاول توفير أجرة دروس خصوصية لأستدرك ما فاتني، لكن أحيانًا لا أجد حتى ما يكفيني للطعام."
ويضيف أن إخوته الصغار أيضًا أُجبروا على العمل، في بيع السكاكر أو جمع البلاستيك من الشوارع، بدلًا من الذهاب إلى أي مركز تعليمي.
بعينين خضراوين ذابلتين من التعب، رمقتني أفنان قاسم، ذات الأحد عشر عامًا، بنظرة استعطاف وقالت: "أمانة، اشتري مني نعنع باثنين شيكل... حزمتين بثلاثة."
تلف أفنان حول عنقها حبلًا يتدلّى منه صندوق كرتوني صغير، تثبّت جوانبه بالحبل، وتضع فيه بضع حزم من النعناع الطازج.
تجوب يوميًا وسط مدينة غزة، متنقلة بين الشوارع والأسواق، في محاولة لمساعدة والدتها التي وضعت مولودًا جديدًا قبل أيام، ولا تجد ثمن الحفاضات.
تقول أفنان بصوت خافت: "أبي معتقل منذ ثمانية أشهر، اعتقلوه وقت النزوح من بيت لاهيا، وما عاد لنا معيل. كنت أحب الذهاب إلى المدرسة، لكن الآن يجب أن أبيع."
جيل بلا طفولة
وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ومنظمات حماية الطفل: نحو 34% من أطفال غزة يعملون في أعمال غير رسمية، وأكثر من 80% من الأسر تعيش تحت خط الفقر المدقع، وواحد من كل ثلاثة أطفال محروم من التعليم الأساسي، بسبب تحويل المدارس لمراكز إيواء أو تدميرها.
وتصف تقارير أممية عمالة الأطفال في غزة بأنها ظاهرة ممنهجة ناجمة عن الانهيار التعليمي والضغط الاقتصادي.
في غزة، لم تعد الطفولة وقتًا للعب أو الدراسة، بل صارت مرحلة مبكرة من الكدح والحرمان.
يتحدث الأطفال لغة السوق لا لغة المدرسة، يحفظون أسعار السلع لا جداول الضرب، ويعدّون أرباحهم اليومية لا درجاتهم في الامتحانات.
وبينما تنام كتبهم في الخزائن، يستيقظ الحلم كل يوم على "بسطة"... في سوق مزدحم... تحت لهيب القهر والحر.