تداعيات وثيقة ترامب على القضية الفلسطينية
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
الاحتلال يزعم العثور على مخبأ صواريخ ومواد متفجرة قرب رام اللهالكاتب:
د. محمد عودة
في اعقاب اللقاء الذي جمع ترامب ونتنياهو في سبتمبر 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطة مؤلفة من 20 بندًا تهدف إلى إنهاء العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ ما يقارب العامين. تتضمن الوثيقة مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى وقف إطلاق النار، إطلاق سراح الأسرى، انسحاب القوات الإسرائيلية، وتشكيل إدارة انتقالية تحت إشراف دولي. ومع ذلك، تثير هذه الوثيقة العديد من التساؤلات حول تأثيرها على القضية الفلسطينية، خاصة فيما يتعلق بتجاوز دور السلطة الفلسطينية.
فبالرغم مما تتضمنه وثيقة ترامب من وعود بوقف الحرب وإعادة الإعمار، إلا أنها مليئة بالألغام والألغاز، إضافةً إلى تجاهلها لقضايا جوهرية أبرزها التعامل مع القضية الفلسطينية وكأنها ملكية لترامب وحلفائه، حيث إنها تتجاوز أصحاب القضية سواء منظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد، أم دولة فلسطين التي تحظى باعتراف حوالي 160 دولة من أصل 193 هم أعضاء الأمم المتحدة. كما تشترط نزع سلاح المقاومة بما يضعف الموقف الفلسطيني، مع غياب ضمانات حقيقية لوقف العدوان الإسرائيلي، وفرض إدارة انتقالية ذات طابع دولي على غزة بما يمس بالسيادة الوطنية، وتركيز مفرط على الحلول الاقتصادية دون معالجة جوهر الصراع وهو الاحتلال، إضافةً إلى انسجام بعض بنودها مع ما طُرح سابقًا في صفقة القرن، مما يجعلها أقرب إلى إعادة تدوير مقترحات قديمة لم تحقق العدالة للشعب الفلسطيني.
يتمحور أحد البنود حول وقف إطلاق النار الفوري، إذ تنص الوثيقة على وقف إطلاق النار الفوري بين إسرائيل وحركة حماس، مع تعليق جميع العمليات العسكرية من الجانبين. وبينما يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها ضرورية لإنهاء العنف، إلا أن غياب ضمانات لتنفيذ هذا الوقف قد يُهدد استمراريته.
بند آخر يتمحور حول تبادل الأسرى والرهائن، بما يضمن إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين خلال 72 ساعة من بدء وقف إطلاق النار، مقابل إطلاق سراح 1,700 أسير فلسطيني، بالإضافة إلى تسليم عدد من رفات فلسطينيين تحتفظ بهم إسرائيل بعضهم منذ عقود. هذه الخطوة تُعتبر إنسانية، لكنها تثير تساؤلات حول مصير الأسرى الفلسطينيين الآخرين، خاصة أولئك الذين لم تشملهم الصفقة. وضمن الأرقام المعلنة، فإن لدى إسرائيل ما يزيد على عشرة آلاف أسيرة وأسير، بينهم العديد من الأطفال والنساء.
أحد البنود يلفه الغموض، إذ يتحدث عن انسحاب القوات الإسرائيلية تدريجيًا من قطاع غزة، مع تحديد منطقة أمنية تحت إشراف دولي تعني سيطرة أمنية إسرائيلية غير معلنة على هذا الجزء. ورغم أن هذه الخطوة قد تُعتبر تقدمًا نحو إنهاء احتلال غزة، إلا أن تغييب الشرعية الفلسطينية عن إدارة هذا الانسحاب يُثير القلق بشأن سيطرة قوى أخرى على الأرض، مما قد يؤدي إلى مزيد من الانقسام الفلسطيني.
يتمحور بند آخر حول إدارة انتقالية تحت إشراف دولي، ما يعني وصاية دولية في تناقض صريح مع إعلان مؤتمر نيويورك بخصوص حل الدولتين. وتقترح الوثيقة تشكيل "مجلس سلام" بقيادة ترامب ومشاركة توني بلير، ليقودوا إدارة شكلية من تكنوقراط فلسطينيين وخبراء دوليين، في تجاوز جديد للشرعية الفلسطينية المعترف بها دوليًا.
بند آخر يتناول نزع سلاح حماس، حيث تشترط الوثيقة نزع سلاح حركة حماس، بينما لا أحد يتحدث عن سلاح الدمار الذي استخدمته إسرائيل، إضافةً إلى تجاوز القانون الدولي الخاص بمقاومة الاحتلال.
أما إعادة إعمار غزة، فهي على نفقة الدول العربية وتنفذه شركات أمريكية ظاهريًا وإسرائيلية جوهريًا، دون أن تتحمل إسرائيل أي تبعات لهمجيتها في تدمير كل شيء في القطاع. إضافةً إلى التعهد بإرسال مساعدات فورية إلى قطاع غزة، مع إعطاء الأولوية للكهرباء والمياه والصرف الصحي والمستشفيات والمخابز وإزالة الأنقاض وفتح الطرق، على أن يتم التوزيع "دون تدخل من الطرفين" من خلال الأمم المتحدة والهلال الأحمر ومؤسسات محايدة أخرى، بالأساس أمريكية كانت مسؤولة عن التقتيل قرب مراكز التوزيع.
يشير أحد البنود إلى إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقبلًا، شريطة تنفيذ إصلاحات داخل السلطة الفلسطينية، علمًا أن المتهم الأكبر بالفساد هو نتنياهو. هذا الشرط يُثير تساؤلات حول مدى استقلالية القرار الفلسطيني، خاصة في ظل الضغوط الدولية.
وبرؤية معمقة، تُظهر وثيقة ترامب الأخيرة انسجامًا واضحًا مع بعض المبادئ التي تم تقديمها سابقًا ضمن "صفقة القرن". ومن أبرز هذه العناصر، استبعاد حركة حماس من الحكم السياسي، وتشجيع إنشاء هيئات دولية أو تكنوقراطية للإشراف على غزة، والتركيز على إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية مع وضع شروط سياسية محددة. هذا الانسجام يعكس استمرار النهج الأمريكي في فرض تسويات جزئية على الأرض، مع تجاوز دور الشرعية الفلسطينية.
في بند آخر، تقترح الوثيقة تشكيل قوة أمنية دولية لضمان تنفيذ وقف إطلاق النار وضمان الأمن في قطاع غزة. وبينما يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها ضرورية لتحقيق الاستقرار، إلا أن وجود قوات أجنبية قد يُثير مشاعر الرفض بين الفلسطينيين ويُعتبر تدخلًا في السيادة الوطنية.
تشير الخطة إلى دعم المجتمع الدولي لتنفيذها، بما في ذلك تقديم المساعدات المالية والفنية. وبينما يُعتبر هذا الدعم مهمًا، إلا أن غياب التنسيق مع الشرعية الفلسطينية قد يُؤدي إلى عدم فعالية هذه المساعدات.
في بند آخر، تشير الوثيقة إلى دور الأمم المتحدة في مراقبة تنفيذ الخطة وتقديم المساعدات الإنسانية. وبينما يُعتبر هذا الدور ضروريًا، لكنه لم يأتِ على ذكر الأونروا التي حظرتها إسرائيل ومنعتها من ممارسة المهام المناطة إليها من قبل الأمم المتحدة.
في مقام آخر، تؤكد الوثيقة على احترام حقوق الإنسان خلال تنفيذ الخطة، بما في ذلك حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية. وبينما يُعتبر هذا التأكيد مهمًا، إلا أن غياب ضمانات لتنفيذ هذه الحقوق قد يُهدد تحقيقها.
في بند آخر، تم التركيز على أهمية مكافحة التطرف في قطاع غزة، بما في ذلك منع تجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال القتالية، ولم يأتِ على ذكر التطرف الإسرائيلي في كل فلسطين.
تتضمن الوثيقة خططًا لتعزيز التعليم في قطاع غزة، بما في ذلك بناء مدارس جديدة وتدريب المعلمين. فبالرغم من أهمية الموضوع، إلا أن غياب آليات التنفيذ وتجاهل الشرعية الفلسطينية قد يحول دون تجسيده، حيث هناك آلاف الموظفين في سلك التعليم وتجاوزهم سيشكل كارثة جديدة.
تشير الوثيقة في أحد بنودها إلى خطط لدعم الاقتصاد المحلي في قطاع غزة، بما في ذلك توفير فرص عمل وتحفيز الاستثمار. كما تتضمن الوثيقة خططًا لتعزيز المجتمع المدني في قطاع غزة، بما في ذلك دعم المنظمات غير الحكومية والمبادرات المجتمعية، طمعًا في تجاوز المؤسسات الرسمية.
تدعو الوثيقة في بند آخر إلى أهمية تحسين العلاقات الإقليمية بين قطاع غزة والدول المجاورة، بما في ذلك تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني، مما سيفتح المجال أمام تقليص العزلة التي تعاني منها إسرائيل. وفي بند آخر، تؤكد الوثيقة على ضمان العودة الطوعية للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في قطاع غزة، وفقًا للمعايير الدولية. وبما أن المعايير الدولية لا تلتزم بها إسرائيل، فهذا يعني ضمن المعايير الأمريكية والإسرائيلية، إضافةً إلى غياب آليات التنفيذ.
قد تبدو وثيقة ترامب خطوة نحو إنهاء الحرب في غزة، إلا أنها تثير العديد من التساؤلات حول تأثيرها على القضية الفلسطينية: تجاوز دور الشرعية الفلسطينية، تغييب موضوع القدس والضفة الغربية، وتعزيز النفوذ الإسرائيلي من خلال النفوذ الدولي في شؤون فلسطين والمنطقة. كما خلت الوثيقة من إدانة ما يقوم به المستوطنون من اعتداءات على القرى الفلسطينية والاستيلاء على مساحات شاسعة من أراضي دولة فلسطين. ولم تأتِ الوثيقة على ذكر مئات البوابات التي وضعها الجيش الإسرائيلي في أعقاب السابع من أكتوبر، كما لم يأتِ أحد على ذكر إعادة الأموال التي قرصنتها إسرائيل. وبناءً عليه، يجب التعامل مع الوثيقة بحذر شديد ومهارة دبلوماسية، مع ضرورة استثمار التحول في مواقف الكثير من الدول الغربية لتكون الوثيقة أكثر عدلًا وإنصافًا للفلسطينيين. واكثر قابلية لتجسيد الدولة.