حين يصبح الإعلام هدفًا... تسقط الأخلاق قبل الضحية
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
ترامب يعقد اجتماعا موسعا بشأن حرب غزة الأربعاء.. وويتكوف يكشف السببلم تكن الكلمة يومًا محايدة حين يتعلّق الأمر بالحق. فالإعلام الحقيقي لا يقف على الحياد بين القاتل والضحية، ولا بين المحتل والمقاوِم، ولا بين الظالم والمظلوم.
من هنا، كان لا بد أن يتحول الإعلام — في زمن الفظائع — إلى هدف. لكن حين يصبح الإعلام هدفًا، لا تُستهدف فقط العدسة أو الميكروفون، بل تُستهدف الحقيقة نفسها.
تُخنق الكلمة قبل أن تُولد، ويُدفن الضوء قبل أن يُسلّط على الظلام. وهنا، لا يسقط الصحفي وحده، بل تسقط منظومة الأخلاق العالمية أمام عيون مفتوحة وعالم أصمّ.
جريمة تتكرر... وصمت يتواطأ
من فلسطين إلى العراق، ومن سوريا إلى السودان، طالما كان الإعلام الحر أول من يُقصَف، وآخر من يُذكر.
وفي غزة، في 11 أغسطس 2025، قُتل الصحفي أنس الشريف، مراسل الجزيرة، خلال غارة استهدفت خيمة إعلامية في مستشفى الشفاء. كانت تلك الخيمة مساحة محايدة للصحفيين، ومعروفة لدى الجميع، لكن ذلك لم يمنع القصف.
كتب أنس قبل استشهاده: "إن وصلتكم كلماتي، فاعلموا أن إسرائيل قد قتلتني وأرادت إسكات صوتي." لكنه لم يسكت. تحوّلت كلماته إلى مرآة دامية في وجه كل من يدّعي احترام حرية الصحافة.
أنس لم يكن الأول. قائمة الشهداء من الصحفيين تطول:
- شيرين أبو عاقلة،
- ياسر مرتجى،
- أحمد أبو حسين،
- وغيرهم العشرات، ممن حملوا الكاميرا على كتف، والضمير على الكتف الآخر.
الإعلام المقاوم... هدف معلن للاحتلال
الإعلام المقاوم لا ينقل الخبر فقط، بل يفضح الجريمة، ويوثق الانتهاك، ويمنع تزوير الرواية. ولذلك يُخشى. يُستهدف. يُشيطن.
حين تكون الكلمة مقاومة، تُعامل كما لو كانت طلقة. وحين يكون الميكروفون شاهدًا، يُكسر كما تُكسر العظام.
ومع كل شهيد إعلامي، تكتمل صورة: أن العدو لا يخشى السلاح فقط، بل يخشى الحقيقة أكثر.
القانون الدولي... حبر على ورق؟
تنصّ اتفاقيات جنيف على حماية الصحفيين في النزاعات، باعتبارهم مدنيين. وتنص المادة 79 من البروتوكول الأول على واجب احترامهم وعدم استهدافهم، ما داموا لا يشاركون في القتال.
لكن رغم كل القوانين، لا محاسبة حقيقية. لم يُحاسب قاتل شيرين. لم يُحاسب قاتلو أنس. ولن يُحاسب أحد طالما أن العالم يكيل بمكيالين.
المنظمات الحقوقية الدولية، من "مراسلون بلا حدود" إلى "العفو الدولية"، توثّق الجرائم، وترفع التقارير، وتدين... لكن من يُنصت؟ من يُحاكم دولة فوق القانون؟ ومن يجرؤ على محاسبة من يبرر القتل بذريعة "الأمن"؟!
رغم كل شيء... الصوت لا يموت
الصحافة الحقيقية تُغتال جسديًا، لكنها لا تُمحى. وكل عدسة تنكسر، تولد خلفها عشرات العدسات. وكل صوت يُخرس، يُنبِت ألف صوت إن اغتيال الإعلام ليس فقط جريمة أخلاقية وإنسانية، بل اختبار حيّ للعالم: هل ما زال هناك من يملك شجاعة الانتصار للحقيقة؟ هل هناك من يرى أن الدماء على السترات الصحفية ليست أرقامًا بل رسائل؟
حين يُقتل الإعلامي، لا تسقط الكلمة… بل تنبت جذورها في وجدان من تبقى. لأن المهنة التي تبدأ بشهادة الحق، لا يمكن أن تموت برصاصة.
حين يصبح الإعلام هدفًا... لا يسقط الصحفي فقط، بل تسقط الإنسانية معه.
والعار لا يغتسل ... ولو مرت عليه كل بيانات الإدانة.