"مؤسسة غزة الإنسانية".. مساعدات تحت القصف وشبهات تمويل وكمائن مميتة
klyoum.com
بينما تعلن "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF) بشكل دوري عن كميات المساعدات التي توزعها في جنوب ووسط قطاع غزة، تتصاعد الأصوات الغاضبة من أهالي الضحايا والمصابين الذين يتهمون المؤسسة بـ"التواطؤ" في جرائم قتل جماعي تحدث خلال عمليات التوزيع، وسط تجاهل تام لتوثيق أعداد القتلى والجرحى الذين يسقطون بفعل القصف المتكرر في محيط مراكز المساعدات.
ووفقًا لشهود عيان ومصادر محلية، استشهد أكثر من 500 مواطن وأُصيب المئات بجروح متفاوتة، بعضها تسبب بإعاقات دائمة، خلال محاولاتهم الوصول إلى نقاط توزيع الغذاء.
ورغم هذا الثمن الباهظ، تواصل المؤسسة عملها وسط اتهامات بالفوضى، وغياب الشفافية، وتجاهل لسلامة المدنيين.
وطالب مواطنون متضررون، إلى جانب قوى وطنية وإسلامية ومؤسسات حقوقية فلسطينية ودولية، بفتح تحقيق فوري في عمل المؤسسة، ووقف نشاطها الذي وصفوه بـ"القاتل"، مشيرين إلى أن غالبية الضحايا من فئة الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا، ما يثير مخاوف من استهداف مباشر للعنصر الفتي في المجتمع الفلسطيني.
يقول أبو شاكر عمران، والد أحد المصابين لـ "فلسطين أون لاين": "ابني ذهب بحثًا عن المساعدات، وعاد مصابًا في قدمه. أخبرني أنه نجا من الموت بأعجوبة، ولن يعود إلى هناك حتى لو مات من الجوع".
وأضاف عمران أن المؤسسة تتعمد تنفيذ عمليات التوزيع ليلًا "تحت جنح الظلام"، بهدف إبعاد وسائل الإعلام والكاميرات عن المشهد، وعدم توثيق القصف والنيران التي تستهدف جموع المواطنين أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات.
وأشار إلى أن هذه السياسة تعكس "فشلًا واضحًا" في إدارة العمل الإنساني، حيث تُنفذ التوزيعات دون قاعدة بيانات واضحة، أو تحديد دقيق للمستفيدين والمناطق الجغرافية.
وفي السياق ذاته، نوّه المواطن سامح عزارة إلى أن الفوضى باتت السمة الغالبة على المشهد، مضيفًا: "الطمع أيضًا يفاقم الأزمة. هناك من يذهب فقط لجمع المساعدات وإعادة بيعها بأسعار مرتفعة لتحقيق مكاسب شخصية، بينما يبقى المحتاج الحقيقي محرومًا".
وفي مشهد آخر يُبرز خطورة الوضع، تحدث الشاب وسيم أبو عبده عن تعرضه لاعتداء عنيف أثناء عودته من إحدى نقاط التوزيع. وقال: "بينما كنت أحمل كيسًا يحتوي على بعض المساعدات، اعترضتني مجموعة من الملثمين الذين غطوا وجوههم، وقاموا بتمزيق الكيس. وعندما حاولت مقاومتهم، مزّق أحدهم يدي بسكين، ما سبب لي ألمًا شديدًا أجبرني على ترك ما كنت أحمله والفرار".
تأتي هذه الشهادات في وقت تتعالى فيه التحذيرات من أن طريقة عمل المؤسسة تُسهم في خلق بيئة فوضوية وخطيرة، وسط غياب تام لأي رقابة فعلية من الجهات الإنسانية أو الرسمية، مما يحوّل نقاط المساعدات إلى ساحات استغلال وفلتان أمني.
تأسست "مؤسسة غزة الإنسانية" مطلع عام 2025، بتمويل أمريكي–إسرائيلي، خارج إطار الأمم المتحدة.
وبحسب تقارير دولية، بينها تحقيقات صحفية، تتلقى المؤسسة تمويلًا يُقدَّر بـ500 مليون دولار من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، إلى جانب دعم مالي "غير معلن المصدر" من دول غربية، وتمويل مباشر من وزارة جيش الاحتلال الإسرائيلي وشركات مرتبطة بجهاز "الموساد".
هذا الخليط المعقّد من الجهات الممولة أثار شكوكًا واسعة حول حياد المؤسسة ونزاهتها، خاصة بعد استقالة المدير التنفيذي المؤسس جيك وود قبل انطلاق العمليات بيوم واحد، احتجاجًا على ما وصفه بـ"غياب المبادئ الإنسانية وحيادية التوزيع".
كما انسحبت شركة Boston Consulting Group من المشروع بسبب "تداخل سياسي غير شفاف وتكلفة باهظة بلا مساءلة".
في أول رد فعل رسمي، أعربت الأمم المتحدة عن "قلق بالغ" إزاء تسييس المساعدات، محذّرة من أن "تحويل الغذاء إلى أداة ضغط سياسي يهدد الأمن الإنساني في غزة" ويخالف القوانين الدولية.
وتزايدت الدعوات الحقوقية الفلسطينية والدولية لمحاسبة المؤسسة، ووقف ما وصفه ناشطون بـ"الكمائن المفتوحة" التي تحولت إلى مصائد موت جماعي تحت غطاء المساعدات.