اخبار فلسطين

وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

سياسة

معيقات استدامة الهدنة في قطاع غزة: دراسة تحليلية متعددة الأبعاد

معيقات استدامة الهدنة في قطاع غزة: دراسة تحليلية متعددة الأبعاد

klyoum.com

الكاتب: د. منى أبو حمدية

تظل قضية تثبيت وقف النار في قطاع غزة من أكثر القضايا حساسية وتعقيدا في السياق الفلسطيني والإقليمي. فالنزاع الممتد منذ عقود بين الفلسطينيين والإسرائيليين لم يترك مساحة لهدوء مستدام، إذ تتشابك فيه العوامل السياسية، العسكرية، الاقتصادية، والإنسانية، بحيث تصبح أي هدنة مؤقتة عرضة للانهيار عند أدنى احتكاك.

لا يمكن فهم هشاشة أي وقف نار بمعزل عن الانقسامات الداخلية الفلسطينية، أو السياسات الإسرائيلية المتناقضة، أو حتى عن الدور الذي تلعبه القوى الإقليمية والدولية. فالهدنة ليست مجرد توقيع على اتفاق، بل هي موازنة دقيقة بين مصالح الأطراف، وضغوط الشارع، وواقع الأرض، وفي غياب هذه الموازنة تصبح أي محاولة للتهدئة ناقصة، بل وهشة.

يهدف هذا المقال الى تقديم قراءة تحليلية متعددة الأبعاد للعوامل المعيقة لاستدامة وقف النار، عبر استعراض السياق السياسي الداخلي، الأبعاد العسكرية والميدانية، والضغوط الإنسانية والاقتصادية، وصولاً إلى التأكيد على أهمية وجود آليات مراقبة مستقلة وفعالة.

الانقسامات الداخلية

تعتبر الانقسامات السياسية الفلسطينية أحد أبرز المعوقات لاستدامة أي هدنة. فالخلاف بين حركتي حماس وفتح يضعف التنسيق ويعقّد اتخاذ قرارات موحدة تجاه أي اتفاق، ويخلق بيئة من عدم الثقة بين الأطراف المختلفة.

إن هشاشة الوحدة السياسية تؤدي إلى ضعف القدرة على ضبط القوى المسلحة المحلية، ويجعل أي اتفاق عرضة للخرق، سواء عن قصد أو عن طريق سوء تقدير الأحداث على الأرض. لذلك، فإن الاستقرار الفعلي للهدنة مرتبط بشكل مباشر بمدى نجاح الفلسطينيين في تجاوز الانقسامات الداخلية وتحقيق توافق سياسي حقيقي.

السياسات المتباينة

لا تقل السياسات الإسرائيلية المتباينة أهمية عن الانقسامات الداخلية، إذ يواجه أي وقف نار تحديا كبيرا من اختلاف المواقف داخل الحكومة الإسرائيلية بين من يدعم التهدئة ومن يفضل الاستمرار في العمليات العسكرية لتحقيق أهداف سياسية أو أمنية داخلية.

هذا التباين يولد بيئة غير مستقرة تجعل أي اتفاق عرضة للانكسار عند حدوث أي اشتباك ميداني صغير، سواء أكان إطلاق صاروخ، غارة جوية، أو اشتباك محدود على الأرض. وبالتالي، فإن أي دراسة جدية لاستدامة وقف النار يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الأجندات السياسية المتضاربة والقرارات العسكرية المتقلبة.

الضغوط الإنسانية

لا يمكن إغفال البعد الإنساني والاقتصادي، فهو عامل ضغط مستمر يهدد أي هدنة. يعيش سكان غزة تحت حصار متواصل، نقص الخدمات الأساسية، وانعدام فرص العمل، ما يخلق حالة من اليأس والغضب الشعبي.

تؤدي هذه الظروف إلى ضغط على الفصائل الفلسطينية للجوء إلى تصعيد محدود أو واسع كرد فعل على المعاناة اليومية، وهو ما يجعل أي هدنة مؤقتة معرضة للانهيار. بالإضافة إلى ذلك، فإن غياب آليات رقابية مستقلة لمتابعة الالتزام بالهدنة يزيد من احتمالات الخروقات، ويضعف الثقة المتبادلة بين الأطراف.

تساؤلات مفتوحة

يبقى تثبيت وقف النار رهيناً بتفاعل هذه العوامل المتشابكة، وما زال السؤال الأهم مطروحا: هل يمكن تحقيق هدنة مستدامة في ظل الانقسامات الداخلية والسياسات الإسرائيلية المتباينة والضغوط الإنسانية المستمرة؟ وهل يمكن للمجتمع الدولي أن يسهم بفعالية في مراقبة الالتزام بالهدنة وتعزيز الثقة بين الأطراف؟

كما يطرح الوضع الإنساني السؤال الأخطر: كيف يمكن للفصائل والمجتمع الدولي تحويل أي هدنة مؤقتة إلى استقرار طويل الأمد إذا استمر الحصار والفقر ونقص الخدمات؟ وما هي الاستراتيجيات العملية التي يمكن أن تحقق توازنًا بين الأمن والحقوق الإنسانية؟

إن الإجابة على هذه التساؤلات لن تحدد فقط مصير وقف النار، بل ستشكل مؤشراً حيوياً لمستقبل الاستقرار والأمن في غزة وفلسطين والمنطقة بأسرها. فالتحول من هدنة مؤقتة إلى استقرار مستدام يحتاج إلى ثقة متبادلة، إرادة سياسية صادقة، وضغوط دولية متوازنة، تضع مصالح المدنيين وحقهم في حياة كريمة في قلب أي اتفاق مستقبلي.

* الكاتبة: أكاديمية وباحثة

*المصدر: وكـالـة مـعـا الاخـبـارية | maannews.net
اخبار فلسطين على مدار الساعة