اخبار فلسطين

فلسطين أون لاين

سياسة

تقرير دخان النفايات يحاصر مخيمات الإيواء.. والنازحون بلا بديل ولا إنقاذ

تقرير دخان النفايات يحاصر مخيمات الإيواء.. والنازحون بلا بديل ولا إنقاذ

klyoum.com

في أحياء غزة المزدحمة ومخيمات الإيواء المكتظة، لم يعد تراكم النفايات مجرد مشهد مزعج، بل تحول إلى تهديد يومي يطارد السكان مع غياب القدرة على جمعها بسبب نفاد الوقود ومنع الوصول إلى المكبات الشرقية الواقعة داخل المناطق الصفراء الخاضعة لسيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وأمام هذا الواقع المأساوي، وجدت آلاف العائلات نفسها مضطرة لحرق نفاياتها في الأزقة وبين الخيام للتخلص منها، في مشهد يكشف عمق الانهيار البيئي والصحي الذي يعيشه القطاع. روائح البلاستيك المحترق والدخان الأسود يلتفان حول مخيمات الإيواء، محملين بالسموم والجزيئات السامة التي تهدد الأطفال وكبار السن والمرضى.

امرأة يحاصرها الدخان

في أقصى طرف مخيم الإيواء في المشتل غرب مدينة غزة، تجلس أم لمياء، امرأة أربعينية، أمام خيمتها المهترئة وهي تحاول سحب هواء نقي لا يصل إلى رئتيها إلا بشق الأنفس. أصوات السعال تأتيها من خيم مجاورة، لكنها هي الأكثر تأثرا، فهي مصابة بالربو منذ سنوات، والبارحة فقط أمضت الليل ممسكة بجهاز البخاخ الذي صار رفيقها الدائم.

تقول لصحيفة "فلسطين": "كل نفس أدخله أشعر أنه معركة… وكأن دخان النار يحاصر رئتي من الداخل والخارج".

منذ أن توقفت البلدية عن جمع النفايات بسبب نفاد الوقود ومنع الوصول إلى المكبات، بدأ النازحون بإشعال أكوام القمامة المتراكمة قرب المخيم للتخلص منها. لهب النيران يتصاعد من أطراف المخيم نحو السماء، وغيوم من الدخان الأسود الثقيل تنزلق بين الخيام لتستقر داخل صدور الناس قبل أن ترتفع.

تصف أم لمياء المشهد قائلة: "حين يشعلون النفايات، لا يبقى في الهواء غير رائحة البلاستيك المحترق… أشعر أن صدري ينغلق فورا. أركض إلى خيمتي وأغطي وجهي، لكن الدخان يدخل من كل مكان".

ابنتها البالغة 16 عاما لمياء تقف بجوارها وتحاول إغلاق فتحات الخيمة بقطع قماش مبللة بالماء، وهي طريقة بدائية لمقاومة الدخان. تقول أم لمياء بابتسامة متكسرة: "تظن أنها تحميني… لكن الدخان أقوى منا ومن الخيمة نفسها".

ومع ارتفاع الحرارة في بعض الأيام، تنتشر الروائح والحشرات، فيدفع ذلك النازحين إلى حرق القمامة كحل أخير. لكن هذا الحل المؤقت يهدد حياة مرضى الربو والقلب والمسنين والأطفال.

تتنهد أم لمياء وتقول بمرارة: "نحن محاصرون بالدخان كما نحن محاصرون بالحرب. حتى الهواء صار عدوا… لم يعد لنا مكان نهرب إليه".

"لا نملك خيارا آخر"

على مقربة من خيمة أم لمياء، يقف الشاب محمد عبيد، البالغ من العمر 27 عاما، وهو يتأمل بقايا كومة من النفايات تحولت إلى رماد بعد أن أشعل فيها النار قبل ساعات. يرفع طرف كوفيته ويمسح عرقه، ثم يقول لصحيفة "فلسطين" بصوت يمزج بين الشعور بالذنب والعجز: "والله ما كنت أتمنى حرقها… لكن لا يوجد حل آخر. النفايات أصبحت تحاصرنا مثل القصف".

نزح عبيد من حي الشيخ رضوان بعد أن دمرت الحرب منزله بشكل كامل، ويعيش اليوم مع عائلته المكونة من ستة أفراد داخل خيمة في مخيم المشتل. ومنذ أن توقفت بلدية غزة عن جمع النفايات، بدأت الأكوام تتراكم أمام خيمته يوما بعد يوم.

يصف المشهد قائلا: "استيقظ في الصباح فأجد كيسين من النفايات، وبحلول المساء يصبحان عشرة. وبعد أسبوع تجد جبلا من القمامة أمام باب خيمتك. الرائحة خانقة… والذباب والبعوض لا يتركاننا لحظة".

لم يكن قرار حرق النفايات خيارا سهلا بالنسبة له، لكن عبيد يقول إنه اضطر إليه اضطرارا: "حاولنا تغطيتها، وإبعادها قليلا، ورشها بالماء… لكن بلا جدوى. لقد أصبحت مكرهة صحية حقيقية. الجرذان بدأت تدخل بين الخيام، والبعوض ينهش أجساد الأطفال. في النهاية، لم نجد حلا سوى حرقها".

يشير عبيد إلى بقعة سوداء خلف خيمته، حيث تظهر آثار حرق حديث، ويضيف: "عندما يحترق البلاستيك تصعد رائحة خانقة… وأنا أعلم أنها تؤذي من يعاني الربو والأمراض الصدرية. لكن ماذا نفعل؟ البلدية عاجزة عن الوصول، والاحتلال يمنعها من التوجه إلى مكب حجر الديك. أصبحنا نحن البديل… حتى لو كان هذا البديل يمرضنا جميعا".

بلدية غزة تحذر

وحذرت بلدية غزة من انهيار وشيك في خدمات جمع وترحيل النفايات الصلبة نتيجة النقص الحاد في الوقود اللازم لتشغيل آلياتها، مؤكدة أن بعض مركبات جمع النفايات ستتوقف عن العمل ابتداء من يوم السبت، ما سيؤدي إلى تعطّل عمليات إزالة النفايات من شوارع المدينة.

وقالت البلدية في بيان لها إن أكثر من 350 ألف متر مكعب من النفايات تراكمت بالفعل في شوارع غزة والمكبات المؤقتة، في ظل منع طواقمها من الوصول إلى المكب الرئيس في منطقة حجر الديك شرق المدينة. وأشارت إلى أن هذا التراكم غير المسبوق يهدد بحدوث كارثة بيئية وصحية واسعة.

وأكدت البلدية أن تراكم النفايات يوفر بيئة خطيرة لانتشار الأمراض المعدية، وظهور القوارض والبعوض والحشرات الناقلة للأوبئة، بما يعرض حياة السكان وخاصة الأطفال وكبار السن والمرضى وذوي المناعة الضعيفة إلى خطر شديد قد يصل إلى الموت نتيجة التدهور السريع في الأوضاع الصحية.

وناشدت بلدية غزة المجتمع الدولي والهيئات الإنسانية والإغاثية التدخل العاجل لتوفير الوقود اللازم لإعادة تشغيل آليات جمع النفايات وتأمين وصول طواقمها إلى مكب حجر الديك، محذرة من أن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى انهيار قطاع النظافة بالكامل ودخول المدينة في كارثة صحية وبيئية خلال أيام.

*المصدر: فلسطين أون لاين | felesteen.ps
اخبار فلسطين على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com