اخبار فلسطين

فلسطين أون لاين

سياسة

رد حماس على خطة ترامب: قراءة في الخيارات المتاحة

رد حماس على خطة ترامب: قراءة في الخيارات المتاحة

klyoum.com

أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خطته ذات البنود العشرين لوقف الحرب على غزة جدلاً واسعاً، وفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول مضمون الخطة وأهدافها الخفية. كما أثار تساؤلات حول كيفية تعامل الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، مع هذه المبادرة التي تحمل الكثير من التعقيدات.

لا شك أن طرح الخطة الأميركية جاء في وقت تزداد فيه العزلة الدولية على الكيان الصهيوني، وتعاني فيه آلة الحرب الصهيونية صعوبات وعقبات في احتلال قطاع غزة. كما أن الثقة بقدرة الكيان على تقديم حلول واقعية لما بعد الحرب تكاد تكون معدومة، في ظل بُعد أسطول الصمود البحري بمئات الكيلومترات عن قطاع غزة.

يطرح توقيت الخطة الأمريكية نفسه كطوق نجاة للجانب الإسرائيلي، الذي يغرق في مستنقع غزة يوماً بعد يوم، في ظل صمود أسطوري من رجال المقاومة والشعب الفلسطيني في القطاع، وإجماع عالمي على تجريم الكيان وتحميله مسؤولية الإبادة الجماعية في القطاع.

في المقابل، أبدت حركة حماس والفصائل الفلسطينية رغبة قوية في إنهاء الحرب المستمرة منذ نحو عامين، ورفع المعاناة التي يسببها العدو الإسرائيلي للشعب الفلسطيني. كما حرصت على الحفاظ على أرواح الفلسطينيين منذ بداية العدوان على القطاع.

لكن المقاومة في غزة، ومع تقديم هذه التضحيات وصبر الشعب الفلسطيني وصموده في صورة ملحمية لا مثيل لها في التاريخ، تسعى إلى عدم ضياع هذه التضحيات، بل إلى تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني والوصول إلى أهدافه، بما في ذلك الحفاظ على الثوابت الوطنية الجامعة دون إفراط أو تفريط.

وفقاً لهذه الاعتبارات، تجد حماس نفسها أمام اختبار صعب: كيف ترد على خطة ترامب من دون التفريط بالثوابت الوطنية، أو إظهار نفسها كمعرقل للمبادرة، وهو ما قد يعرضها لانتقاد المجتمع الدولي وتحميلها مسؤولية استمرار الحرب والجرائم الإسرائيلية.

تواجه قيادة حماس الآن خيارات صعبة في فترة حرجة زمنياً. ومع ذلك، ثمة ثغرات جوهرية في خطة ترامب يمكن للحركة استغلالها للتأكيد على موقفها وتجاوز هذه المرحلة الخطيرة. كما تمتلك خيارات تمكنها من الرد على الخطة بطريقة تحمي مصالح الشعب الفلسطيني، وتترك الضغط على تل أبيب وواشنطن.

أولاً: ثغرات جوهرية في الخطة

أول ما يلفت الانتباه في خطة ترامب أنها لم تُصغ وفق رؤية واضحة لإنهاء الاحتلال أو تحقيق تسوية عادلة، بل صيغت بطريقة تؤجل القضايا الجوهرية وتطرح ترتيبات مؤقتة وغامضة:

إدارة غزة الانتقالية: تقترح الخطة لجنة تكنوقراطية غير سياسية تحت إشراف دولي مباشر لتولي إدارة غزة في المرحلة المقبلة. لكن من دون تحديد واضح لآليات التشكيل أو مصادر الشرعية، ما يفتح الباب أمام وصاية خارجية تعيد إنتاج تجربة "الإدارة المدنية" بغطاء جديد.

موقف السلطة الفلسطينية: تربط الخطة عودة السلطة إلى غزة بإصلاحات لم تُحدد طبيعتها، فيما ترفض القيادة الإسرائيلية أصلاً عودة السلطة. هذا التناقض يكشف أن الخطة غير قابلة للتطبيق واقعياً، ولا تحدد إطاراً زمنياً لذلك.

القوة الدولية المبهمة: تنص الخطة على إرسال قوة استقرار دولية مؤقتة، لكنها لا توضح من يقودها، طبيعة مهمتها، أو حدود تدخلها. هل ستكون لحماية المدنيين من الاعتداءات الإسرائيلية أم لضبط سلاح المقاومة؟ غياب هذه التحديدات يثير شكوكا جدية حول دورها.

انسحاب إسرائيلي مشروط: تربط الخطة الانسحاب بتجريد غزة من السلاح وإقامة "مناطق آمنة"، ما يعني عملياً استمرار السيطرة الإسرائيلية بصيغ ملتوية حتى في حال انسحاب القوات رسمياً.

الدولة الفلسطينية كاحتمال: تصف الخطة الدولة الفلسطينية بأنها “طموح” يمكن تحقيقه إذا استوفيت شروط معينة، ما يجعل مستقبلها مرهوناً بميزان القوى والسياسات الإسرائيلية بدلاً من الاعتراف بحق أصيل.

ثانياً: كيف يمكن لحماس أن ترد؟

في مواجهة هذه الثغرات، أمام حماس عدة خيارات تساعدها على تجنب الحرج وإبقاء الكرة في ملعب الأطراف الأخرى:

الترحيب المبدئي المشروط: إعلان الانفتاح على أي مبادرة توقف العدوان وتخفف معاناة المدنيين، مع التشديد على أن البنود الغامضة تحتاج إلى توضيح وتعديل.

الأولوية الإنسانية: ربط النقاش حول أي خطة بضرورة وقف إطلاق النار، فتح المعابر، إدخال المساعدات، وبدء الإعمار. هذا يظهر أن الحركة تضع حياة السكان فوق أي اعتبارات سياسية، ويكسبها تعاطف الرأي العام الفلسطيني والعالمي.

الإحالة إلى الإجماع الوطني: الدعوة لبحث الخطة في إطار وطني جامع يضم مختلف الفصائل الفلسطينية، ما يحول الموقف من قرار فصائلي إلى موقف فلسطيني موحد يصعب تجاهله.

المرونة المشروطة: التأكيد على أن الحركة لا ترفض التفاوض من حيث المبدأ، لكنها لن تقبل أي صيغة تمس بسلاح المقاومة أو الحق الفلسطيني في دولة مستقلة كاملة السيادة. كما تبقى للفلسطينيين القدرة على إدارة أنفسهم دون تدخلات خارجية.

الاستناد إلى الشرعية الدولية: توظيف قرارات الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي لتوضيح أن الخطة تتجاهل الأسس القانونية التي تعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.

ثالثاً: البعد الدولي وضغط الرأي العام العالمي

الجانب الأكثر حساسية يتمثل في تأثير الخطة على الرأي العام العالمي. فقد قوبلت المبادرة بترحيب واسع من عواصم عديدة، بما في ذلك دول تُعدُّ حليفة أو داعمة لحماس مثل قطر وتركيا وباكستان. كما أعلنت غالبية الدول الأوروبية دعمها للخطة، معتبرة أنها تمثل "نافذة أمل" لوقف الحرب وبدء مسار سياسي جديد.

هذا المشهد الدولي يضع حماس في موقع صعب، إذ تبدو وكأنها تقف في مواجهة تيار واسع من الترحيب بالخطة، حتى من أقرب حلفائها. الرأي العام العالمي، الذي تابع صور الدمار الإنساني في غزة طوال الشهور الماضية، أصبح متعطشاً لأي مبادرة توقف نزيف الدم، بصرف النظر عن مضمونها. وبالتالي، أي رفض صريح من حماس قد يُفسَّر على أنه إصرار على استمرار الحرب، لا دفاعاً عن الحقوق الوطنية.

من هنا، يزداد الضغط على الحركة لتقديم خطاب أكثر مرونة، يظهر أنها ليست ضد وقف الحرب، وإنما ضد التفاصيل الغامضة التي قد تكرس الاحتلال وتعيد إنتاج الأزمة. إن التعامل مع هذا الواقع يتطلب صياغة موقف مزدوج: الدفاع عن الثوابت الفلسطينية من جهة، وإظهار تفهم لمطالب المجتمع الدولي بوقف الحرب من جهة أخرى.

رابعاً: النتائج المحتملة لرد حماس

أي رد محسوب من حماس سيحمل انعكاسات بعيدة المدى:

الرفض المطلق: قد يضعها في مواجهة مع الرأي العام العالمي، ويعزلها حتى عن بعض حلفائها.

القبول غير المشروط: قد يُضعف صورتها كحركة مقاومة، ويجعل التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني تبدو وكأنها أُهدرت.

الترحيب المشروط (وهو الرد المُفضل): يتيح لها فرصة الظهور كطرف مسؤول ومنفتح، مع تحميل الأطراف الأخرى مسؤولية فشل المبادرة إذا لم تُعدّل بما يضمن حقوق الفلسطينيين.

الخلاصة

خطة ترامب تقدم حلولاً مؤقتة مليئة بالثغرات، تعيد إنتاج السيطرة الإسرائيلية وتؤجل القضايا الجوهرية للقضية الفلسطينية. لكنها في الوقت نفسه تحظى بترحيب دولي واسع، بما في ذلك من دول حليفة لحماس، ما يزيد من تعقيد موقف الحركة.

إزاء هذا الواقع، تستطيع حماس الحفاظ على ثوابتها من خلال موقف براغماتي: الترحيب بأي مبادرة توقف العدوان وتخفف المعاناة، مع التحفظ على البنود غير الواضحة، والرفض المطلق للبنود التي تمس الحقوق الوطنية. بهذه الطريقة، تحمي حقوق الشعب الفلسطيني، وتكسب تعاطف الرأي العام العالمي، وتجنب نفسها الحرج أمام الحلفاء والدول الكبرى، من دون تقديم تنازلات جوهرية تتعارض مع موقعها كمقاومة للاحتلال.

*المصدر: فلسطين أون لاين | felesteen.ps
اخبار فلسطين على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com