تقرير قوانين "حرِّيَّة الصِّحافة" لم توفِّر الحماية... ضريبة الحقيقة بغزَّة تدفع بالدَّم
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
القدس تحت وطأة الاحتلال في نيسان: شهيد و58 اعتقالا و34 عملية هدمشقيق الشهيد "شبات": أخي كان مثالًا للمهنية والشجاعة
"البطة" في يوم ميلاده استقبل نبأ استشهاد أمه وشقيقته وأطفالها
عبد العال عن اعتقاله: حاكموني على بند "مقاتل غير شرعي"
قريقع: قوانين حرية الصحافة حبر على ورق ولم تكن منصفة لنا
بينما يحتفي العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة، يدفع الصحفيون في قطاع غزة ضريبة التغطية الإعلامية بالدم، ويتحملون مخاطر كبيرة وهم يواجهون تحدياتٍ جمة خلال العمل على تغطية حرب إبادة جماعية لم تستثنهم من الموت، فلم تعد القوانين التي كفلت حرية الصحافة ضامنة لحمايتهم على أرض الواقع، لتكون شعاراتٍ ليس لها رصيد في الواقع.
وخلال الحرب أقدم الاحتلال على قتل 212 صحفيًا فلسطينيًا وأصيب المئات واعتقل العشرات، وبات الاحتلال يتعامل مع الصحفي الفلسطيني الذي يحمل كاميرا وكلمة وصوت على أنه هدف، متجاوزًا بذلك كافة الخطوط الحمراء ومتعديًا على محرمات دولية فلطالما كانت الدرع والخوذة عنوانًا للحماية لا الاستهداف المباشر كما يحصل مع الصحفيين في غزة.
ورغم عدد شهداء الصحافة الكبير في غزة، إلا أن ذلك لم يدفع أي صحفي للتراجع عن التغطية وترك ميدان الصحافة كما أراد الاحتلال، وكان الصحفي الشهيد حسام شبات والذي عمل مراسلا للجزيرة مباشر في شمال غزة مثالاً للتغطية المهنية وللبطولة والشجاعة، مقارنة بحجم التهديدات التي تعرض لها من قبل مخابرات الاحتلال قبل استهدافه المباشر.
حتى آخر ساعاته، ظل شقيقه الأصغر وسام يرافقه كما رافقه بمعظم التغطيات، إلا في هذه التغطية طلب منه عدم مرافقته، وعلل له: "لو صار شيء، خلي واحد يروح، مش اثنين" وهذا ما كان يفعله بشكل يومي بأن ينام كل واحد فيهم بمكان لتجنب استشهادهما معًا في حال استهداف خيام الصحفيين.
لم يمر وقت طويل حتى دوى صوت استهداف، وبدأت تتوارد الأنباء عن استهداف مواطنين، حمل وسام نفسه وغادر للتصوير. عندما وصل المكان وثق استهداف طفل، وبمجرد ملاحظته وجود مركبة شقيقه متوقفة بالمكان ذهب ليساعده في التصوير كما كان يعتقد.
يحكي بقلب مليء بالوجع لصحيفة "فلسطين": "تقدمت بضعة خطوات للأمام، فوجدت أخي ممددًا على الأرض، وغارقًا بالدم فكانت أكبر صدمة في حياتي ولا زالت ترافقني منذ استشهاده ولا تمر ليلة بدون تذكر الحدث ولا أعتقد أنني سأنساه، لأنه حدث يرافقني كالكابوس، فقدت فيه أخي. العقل لا يصدق كيف نذهب للتغطية فنصبح الحدث".
لم يمر حدث في شمال القطاع، إلا وكان اسم حسام يوقع على الصورة والفيديو. يطرق صوته أبواب ذاكرة شقيقه: "كان شغوفًا في العمل، كان يقول لي: "أوعى تخاف وما تروحش على الاستهداف!؟. العمر واحد، وكان يتنقل للتغطية في شمال ومدينة غزة".
تعرض الصحفي شبات لمخاطر كبيرة، إحداها كانت بقصف بيت لمرة ثانية أثناء تواجده للتغطية، يستذكر شقيقه: "يومها أصيب بآلام ظلت ترافقه حتى يوم استشهاده وكان يأخذ علاجا لها، وفي مرة أطلقت طائرة مسيّرة (كواد كابتر) النار عليه ولاحقته، وقبل اتفاق وقف إطلاق النار اتصل به الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، وقال له مهددًا: "جهز حالك. بدكاش تهدى، وتبطل تصوّر؟"، ويومها نزل من سيارته وذهب للمشفى المعمداني خشية من استهدافه قبل التهدئة بساعات".
مخاطر جمّة
وفرضت ظروف الحرب على الصحفيين البقاء في خيام عمل وتغطية مستمرة على مدار الساعة، ما حرمهم من رؤية عائلاتهم على مدار نحو تسعة عشر شهرًا خلال الحرب، فقد بعضهم عائلاتهم، أمضت عائلات صحفيين حياتها بين نزوح وتشرد.
في 8 يناير/ كانون ثاني، من كل عام كان يحتفي مراسل التلفزيون العربي أحمد البطة بيوم ميلاده بين عائلته، لكن في 8 يناير عام 2024، تغيرت الذكرى بعدما استشهدت أمه وشقيقته وأبنائها الأربعة في يوم ميلاده، وتلاقت ذكرى الميلاد بالشهادة.
ولم تكن المخاطر التي عايشها البطة خلال الحرب بعيدةً عن الاستهداف، يحكي لصحيفة "فلسطين": "المخاطر التي عشناها عاشها الجميع في غزة، فمنذ بداية الحرب تفرقنا عن عائلاتنا جبرًا. بقيت في التغطية لأن الوصول إليهم ثم العودة للعمل كان أمرًا صعبًا أن تراهم كل يوم؛ تدفعك مخاطر الطريق وضغط العمل لتأجيل الزيارة لأسبوع أو أسبوعين".
وكونه يسكن بمحافظة خان يونس، عايش البطة توغل الاحتلال للمحافظة، وكان ينقل الصورة من مجمع ناصر الطبي بينما كانت تتواجد الآليات على بعد أقل من كيلو متر منه، وتعرضت لإطلاق نار من المسيّرات، كما عايش مؤخرًا استهداف المجمع خلال تجهزه لنقل الرسالة.
كحال بقية الصحفيين، أدرك البطة أن كل المصطلحات والأيام العالمية والمؤتمرات والأجسام الصحفية أصبحت "خاوية بلا قيمة"، طالما أن الاحتلال لم يجد رادعًا، بالتالي سيستمر بجرائمه.
وأكد "لم نشعر أن الاتحادات الدولية والنقابات تهتم بالصحفيين بغزة بشكل فعلي، فالكثير من الصحفيين تعرضوا لخسائر كبيرة، خاصة فقدان المعدات؛ ماذا قدمت تلك المؤسسات؟. لا شيء؛ سوى المزيد من بيانات شجب واستنكار ووقفات تضامنية، رغم أن الصحفيين يحتاجون دعمًا حقيقيًا أكبر، أهمه وقف الإبادة ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم".
عن حادثة استشهاد أمه وشقيقته، يملأ الحزن صوته: "استشهدت أمي وشقيقتي وأبنائها الأربعة، منهم حمزة (18 سنة) وجنى (16 سنة)، وبينهما طفلان بعمرٍ أصغر: لمار وأحمد، ونجى طفلان آخران من أبناء شقيقتي: محمد ولين".
قبل الحادثة بيومين غادرت زوجته الحامل المنزل الذي كانت تتواجد فيه مع أمه، وسافرت زوجته مع الطفلين الناجين لقطر، وولدت مولودها الأول "سوسن" والتي حملت اسم جدتها، حرم والدها من احتضان مولوده الأول. مرت الأيام وكبرت سوسن والتي شارفت على بلوغ عامها الأول، بينما ينهمك والدها في عمله، في أحسن الأحوال يرى مناغاتها عبر الهاتف.
كلمة خلف القضبان
وكما لاحق الاحتلال الصحفيين بإطلاق النار عليهم واستهدافهم وقتلهم، لم يسلموا كذلك من الاعتقال، فخلال الحرب اعتقل العشرات منهم لا زال بعضهم يقبع أسيرًا خلف القضبان.
خلال تواجده بمجمع الشفاء الطبي للتغطية، تعرض الصحفي خضر عبد العال للاعتقال من قبل قوات جيش الاحتلال التي اقتحمت المجمع وقتلت واعتقلت المئات، يروي لصحيفة "فلسطين": "جرى اعتقالي من المجمع مع عشرات من طواقم الإسعاف والصحفيين، بظروف قاسية. تعرضت للتعذيب، والضرب، والتكسير بلا أية محاذير لعواقب ذلك".
وكما لم يفرق الاحتلال بين الصحفي وأي إنسان آخر خارج الاعتقال، تعامل بذات النهج داخل الاعتقال أيضًا، وهذا ما عاشه عبد العال بنفسه، يوضح: "عندما عرفوا أني صحفي في التحقيق الأولي، لم يحدث ذلك فرقًا، فظلت التهمة التي حاكمنا عليها كما هي تحت بند (مقاتل غير شرعي) وحاكمنا في محاكم صورية على ذلك".
اعتقل عبد العال لمدة عام كامل، وأدى الاعتقال لفقدان عمله في "الصحافة الحرة" والتي تتطلب التواجد على مدار الساعة لمتابعة الأخبار، وقبل كل شيء أبعد عن عائلته، وأضاف بتنهيدة ممزوجة بمرارة الغياب الطويل: "أكثر ما يؤلم ويؤثر على نفسيتك، أن تظل بعيدًا عن العائلة طيلة تلك المدة".
وفي اليوم العالمي للصحافة، طالب عبد العال، الاتحاد الدولي للصحفيين بالعمل على الإفراج عن الصحفيين من سجون الاحتلال، أو تسليط الضوء على ما يعانوه من ويلات وراء قضبان تلك السجون، مؤكدا، أن الاحتلال لم يحترم حرية الصحافة ولم يسمح بممارستها وقام بارتكاب مجازر إبادة.
تحديات كبيرة
أما الصحفي مؤمن قريقع الذي أصيب خلال رصده لجرائم الاحتلال إبان العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2008، ونتج عنها بتر قدميه، واجه تحديات كبيرة أثناء عمله، مختلفة عما عاشه خلال تغطية الحروب السابقة، يقول لصحيفة "فلسطين": "كانت هذه الحرب مختلفة كونها حرب إبادة، لم ينفع بها أي شيء من تدريبات السلامة المهنية ولا أدواتها كالدرع والخوذة ولا الإشارات التعريفية التي تميزنا كصحفيين".
في اليوم العالمي لحرية الصحافة، يشدد، أن "على العالم أن يعرف أننا كصحفيين أصبحنا هدفا ويتم استهدافنا وقتلنا. نصاب ويتم أسرنا، وذلك من أجل رسالة الحقيقة التي ننقلها لهم بكل مصداقية وشفافية. يجب عليهم أن يضعوا حدا لهذه الجرائم ومحاسبة الاحتلال وطرده من الاتحادات والمؤسسات التي تعنى بالصحافة"، مؤكدًا، أن قوانين حرية الصحافة باتت حبرا على ورق، وهي للدعاية أمام العالم ولم تكن يومَا منصفة لأصحاب الحق كما نصت.