تقرير الطفلة نعيمة أبو الشعر.. ناجية من الموت وتنتظر السفر لإنقاذ بصرها
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
الاحتلال يقتحم عدة مدن في الضفة المحتلةبين جدران منزله المتهالكة الواقع بحي الدرج شرقي مدينة غزة، يجلس محمد أبو الشعر (35 عاماً) يحدّق في وجوهٍ غابت، وصورةٍ لطفلته الوحيدة "نعيمة" التي بقيت على قيد الحياة، بعد أن خسر كلّ أبنائه في قصفٍ إسرائيليّ لم يُبقِ من العائلة سوى جرحٍ مفتوح في القلب وطفلةٍ واحدة تقاوم الألم والظلام.
في صباح الرابع عشر من يناير/كانون الثاني 2025، انقصف منزل عائلة أبو الشعر دون أيّ إنذار مسبق. كان محمد خارج المنزل في ذلك الوقت، فهرع مذعوراً إلى مكان الانفجار ليجد أن بيته قد لحق به أضراراً جسيمة، وأصوات الجيران تتعالى من بين الغبار والأنقاض. هناك، اكتشف الكارثة الكبرى، "استُشهد أبنائي عزمي وشهد ومحمود… ونعيمة الوحيدة اللي ضلّت عايشة"، يقول الأب بصوتٍ متهدّج وهو يحاول كتم دموعه.
زوجته أيضاً كانت من بين المصابين إصاباتٍ بالغة، إذ فقدت عينها اليمنى وأصيبت بكسورٍ في الحوض وشظايا في وجهها وبطنها، نُقلت على إثرها إلى المستشفى المعمداني وخضعت لعدة عمليات جراحية، أما نعيمة التي لم تتجاوز من عمرها الحادية عشر ربيعاً، فقد نجت من الموت، لكنها حملت ندبةً عميقة في وجهها وإصابةً خطيرة في عينها اليمنى.
يصف والدها لحظة رؤيته لها بعد القصف قائلاً: "كانت مغطاة بالغبار والدم، وما صدّقت إنها بتتنفّس. وجدت في وجهها حرق، وبعدما توجهنا إلى المستشفى، شخّص الأطباء حالتها بأنها مصابة بانفصال في شبكية العين اليمنى، ومع مرور الوقت بدأت العين تتحول ويضعف البصر أكثر".
الأطباء في غزة أخبروهم أن علاجها يحتاج إلى عملية دقيقة خارج القطاع، إذ لا تتوفر الأجهزة والإمكانيات اللازمة في ظل الحصار وتدمير المستشفيات. "حولونا على مستشفى العيون، وهناك أكدوا ضرورة إجراء العملية في الخارج بأقصى سرعة"، يضيف أبو الشعر لـصحيفة "فلسطين".
ورغم مرور أكثر من شهر ونصف على تقديم أوراق التحويل، لم يُسمح حتى الآن بسفر نعيمة للعلاج، ويروي بصوت يكسوه الألم "منظمة الصحة العالمية اتصلت قبل فترة لتحديث البيانات، لكن ما في أي تطور… والوقت عم يمشي، وحالة بنتي بتسوء يوم بعد يوم".
الطفلة نعيمة اليوم لا تغادر المنزل إلا نادراً. تنظر بعينها اليسرى إلى الجدران التي كانت يوماً تملؤها ضحكات إخوتها، وتهمس لأبيها كل ليلة: "بابا، وين راحوا عزمي وشهد ومحمود؟".
يقول الأب المكلوم عن حالة طفلته النفسية عقب إصابتها: "نفسيتها مدمّرة، دايماً قاعدة لحالها، بتحكي عن إخوتها وتبكي، وأنا بكتم الدمع عشانها… ما بدي تشوفني ضعيف".
وسط هذا الألم، يتمسّك الأب بإيمانه وصبره، لكنه يرفع نداءً عاجلاً إلى العالم: "ما بطلب الدنيا، بس بطلب حق بنتي في العلاج… هي آخر ما تبقّى لي. بعد ما فقدت أولادي الثلاثة وزوجتي المصابة، ما بدي أفقد نورها كمان".
يقول محمد وهو يضم يد نعيمة الصغيرة بين يديه: "قدمت نموذج رقم (1) من وزارة الصحة، وانتظرنا وعود السفر بعد اتفاق وقف النار وفتح المعبر… لكن ما في جديد. مش فاهم هل المشكلة من منظمة الصحة ولا من المعبر. المهم إن البنت عم تفقد نظرها يوم بعد يوم".
ويختتم الأب رسالته بصوتٍ مخنوق: "أنا راضٍ بقضاء الله وقدره… لكن بترجاكم، لا تحرموا طفلتي من حقها في العلاج. هي آخر أمل في حياتي بعد ما راحوا إخوتها شهداء. أرجو أن يسمع أحد هذا النداء، ويساعدنا نسافر قبل فوات الأوان".
في زاوية الغرفة، تضع نعيمة دميتها القديمة قرب النافذة، تحدّق بها بعينٍ واحدة، ثم تهمس بصوتٍ واهن: "بابا، بدّي أتعالج عشان أشوفك منيح".
كلماتها البسيطة تختصر مأساة مئات الأطفال في غزة الذين ينتظرون فتح المعابر بعد وقف النار، لعلّهم يجدون في السفر بصيص أملٍ في الشفاء، أو فرصةً لمداواة جراحٍ لم تُغلق بعد.
لكن بالنسبة لمحمد أبو الشعر، فإن السفر لا يعني مجرد علاجٍ طبي — بل إنقاذٌ لنورٍ أخير في ظلمة الفقد.
وفي مايو/ أيار 2024، احتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري الحدودي مع مصر. ويطبق الاحتلال حصاره على جميع المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، بما يشمل منع تنقل الأفراد وتقييد إدخال البضائع والمساعدات الإنسانية.
ومنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ارتكب الاحتلال إبادة جماعية، أدت إلى استشهاد وفقد أكثر من 73 ألف مواطن، بينهم أكثر من 20 ألف طفل و12500 امرأة، إضافة إلى إبادة ما يزيد عن 2700 أسرة بالكامل من السجل المدني، كما أصيب أكثر من 170 ألف غزي، بينهم آلاف حالات البتر والشلل وفقدان البصر، بحسب معطيات رسمية.
ويحتاج أكثر من 22 ألف مريض في غزة للعلاج في الخارج، فيما أنهى أكثر من 17 ألف مريض إجراءات التحويل وينتظرون سماح الاحتلال لهم بالسفر، وفق بيان سابق للمكتب الإعلامي الحكومي.
ويُحذّر خبراء الأمم المتحدة من أن استمرار القيود على حركة المرضى وعدم انتظام فتح معبر رفح بعد وقف إطلاق النار، يُهدد بفقدان مزيد من الأرواح، خصوصاً بين الأطفال المصابين الذين يحتاجون لعلاج عاجل خارج غزة.