الشتاء يطل بهموم ثقيلة على خيام النازحين
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
الصحة في غزة: ارتفاع نسبة الإصابة بالأنيميا بين الأطفالتتسلل نسمات البرد باكرا إلى خيام النازحين في قطاع غزة، فيوقظ الصقيع أطفالًا يتكورون تحت أغطية رقيقة بالكاد تقيهم قسوة الليل. تلوح السماء محمّلة بالمطر، بينما تتسرب الرياح عبر ثقوب الخيام المهترئة التي لم تعد تصلح لمواجهة شتاء جديد.
وبينما يستعد قطاع غزة لواحد من أقسى فصولها، لا تصل إلى المخيمات سوى كميات ضئيلة من لوازم الإيواء، تسمح بها سلطات الاحتلال ببطء مقصود، لتغطي بالكاد جزء من الاحتياجات الهائلة لمئات آلاف النازحين الذين أنهكتهم الحرب والتهجير.
في خيام تتناثر فوق الرمال وفي أزقة الطرق، يحاول الأهالي ترميم ما تبقّى من أغطية ممزقة ونايلون باهت، في انتظار شاحنة مساعدات قد تأتي وقد لا تأتي. ومع كل ليلة باردة، يتحول البرد إلى كابوسٍ جديد يهدد الأطفال والمرضى وكبار السن، فيما تقف المنظمات الدولية عاجزة أمام سياسة "القطارة" التي تنتهجها (إسرائيل) في إدخال مواد الإغاثة.
بحسب وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فإن ما يُسمح بإدخاله من مواد الإيواء إلى قطاع غزة لا يغطي سوى نسبة ضئيلة جدًا من الاحتياجات الفعلية للنازحين، الذين تجاوز عددهم المليون ونصف المليون شخص.
وأوضحت الوكالة أن الاحتلال يفرض قيودا معقدة على دخول الخيام والأغطية والفرشات ومواد البناء المؤقتة، الأمر الذي يعيق جهودها في تجهيز الملاجئ وتحسين أوضاع المخيمات التي تحولت إلى تجمعات مكتظة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة.
ومع اقتراب فصل الشتاء، تحذر الأونروا من تفاقم المعاناة، خاصة في ظل النقص الحاد في الوقود والبطانيات ووسائل التدفئة، ما يجعل آلاف العائلات عرضة للأمراض والأوبئة والانهيار النفسي.
كومة ركام
منذ اغسطس الماضي، يعيش محمد لافي (45 عامًا) مع زوجته وأطفاله الخمسة في خيمة صغيرة داخل مخيم النصيرات، بعد أن نزح من حيّ الشجاعية شرق مدينة غزة مع اشتداد القصف.
ومع أن الحرب انتهت قبل أسابيع، فإن عائلة لافي لم تتمكن من العودة إلى منزلها الذي تحول إلى كومة ركام، في منطقة باتت خالية من الخدمات والمياه والكهرباء، كما يقول.
يجلس لافي أمام خيمته المصنوعة من قماش مهترئ، يحدّق في السماء الرمادية، بينما تحاول زوجته سدّ فتحة في طرف الخيمة بقطعة نايلون قديمة. يقول بصوتٍ يختنق بين التعب واليأس لـ "فلسطين أون لاين": "كل ليلة، أشعر أن المطر سيقتحم خيمتنا. نحاول تغطية الأطفال ببطانية واحدة نتناوب عليها، لكن البرد أقوى منا جميعًا".
يتنقل أولاده الخمسة حفاة بين الرمل المبلول، يلتقطون بقايا خشب أو كرتون لإشعال نار صغيرة تقاوم البرد. يضيف محمد: "لم نُمنح خيمة جديدة رغم أننا سجلنا أسماءنا أكثر من مرة لدى المؤسسات الدولية. يقولون إن الكميات قليلة جدا، وإن الدور طويل. لا ألومهم، أعرف أنهم لا يملكون ما يكفي لكل الناس".
تتذكر زوجته، أم محمود، بيتها في غزة الذي كان يؤوي العائلة الكبيرة ويضم مطبخا وحديقة صغيرة. تقول وهي تمسح دمعة سقطت على خدها: "لم نعد نملك سوى هذه الخيمة، كلما نظرت إليها أشعر أنها ستنهار في أول عاصفة. لكن إلى أين نذهب؟ بيتنا مهدوم، وغزة بلا حياة".
يروي محمد كيف حاول العودة إلى منطقته بعد وقف إطلاق النار، لكنه فوجئ بحجم الدمار الهائل "وجدت الحي كأنه مدينة أشباح. لا ماء، لا كهرباء، لا مستشفيات ولا مدارس. حتى الشوارع مليئة بالركام. عدت إلى النصيرات، لأن على الأقل هنا أستطيع أن أجد خيمة ونقطة مياه".
يشير إلى خيمته التي بالكاد تتسع لعائلته، ويقول: "ما نحتاجه بسيط جدا، خيمة جديدة، بطانيات، وشيء نغطي به أطفالنا من المطر. لكن ما يدخل إلى غزة لا يكفي حتى لواحد في المئة من المحتاجين".
خيمة على أرض رملية
منذ نزوحه من بلدة خزاعة شرق خان يونس قبل نحو عام، لم يعرف ناجي أبو طه (52 عامًا) معنى الاستقرار. ترك منزله الذي بناه بجهد عشرين عامًا بعد أن تحول الحي إلى ساحة دمار، واتجه مع أسرته المكونة من تسعة أفراد نحو منطقة المواصي الساحلية غرب خان يونس، حيث أقام خيمة صغيرة على أرضٍ رملية قاحلة قريبة من البحر.
يتحدث أبو طه لـ"فلسطين أون لاين": "هربنا من القصف إلى المجهول. ظننا أننا سنبقى هنا أيامًا قليلة، لكننا نكمل اليوم عامنا الأول في هذه الخيمة التي لا تقي من الحر صيفًا ولا من المطر شتاءً".
تتوزع داخل الخيمة فرشات رقيقة وأغطية ممزقة، بينما تُعلق على أطرافها أكياس بلاستيكية تحاول زوجته من خلالها سدّ الثقوب. تجلس أم نادر، زوجته، إلى جوار موقد صغير من الحطب، تغلي الماء في قدر صدئ لتعد الشاي.
تقول: "الرياح تشتد مع قدوم الليل، والبحر قريب، يجعل البرد أقسى. في الليل نسمع صرير الخيمة وهي تكاد تقلع من مكانها. عندما تمطر، نغطي الأطفال بالنايلون وننتظر الصباح لننشر الأغطية لتجف".
يحاول أبو طه الحصول على خيمة جديدة منذ أشهر عبر تسجيل اسمه في منظمات الإغاثة المختلفة، لكن دون جدوى "يقولون إن الخيام التي تدخل إلى غزة قليلة جدًا، وإن الأولوية لمن ليس لديهم مأوى على الإطلاق. لكننا أيضًا بلا مأوى حقيقي، هذه الخيمة لم تعد صالحة. أحيانًا أستخدم الحبال والإسفنج لأسدّ الثقوب، لكن المطر يتسلل رغم كل شيء".
أطفاله الذين تتراوح أعمارهم بين الرابعة والثالثة عشرة يلعبون أمام الخيمة بأقدام حافية، يكدسون الرمال لصنع جدار صغير.
يقول ابنه نادر (13 عامًا): "نفكر كل يوم في بيتنا في خزاعة. كان لدينا جدار وسقف ونافذة، الآن كل ما لدينا قماش يطير في الهواء".
تتذكر الأم الليالي الأولى بعد النزوح حين افترشوا الرمل دون غطاء، وتقول: "في البداية لم نصدق أننا سنعيش هنا كل هذا الوقت. كنا نظن أن الحرب ستنتهي سريعا وأننا سنعود. الآن لا نعرف متى نعود، ولا إلى ماذا سنعود".