أبو لبدة يكشف معوقات الطاقة المتجددة في فلسطين… غياب الرقابة وتضارب المصالح
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
وزارة الصحة : 42 شهيدا و190 إصابة خلال 24 ساعةالخليل-معا- حذّر د. حسن أبو لبدة، مؤسس ورئيس اتحاد صناعات الطاقة المتجددة في فلسطين، من أن هذا القطاع يواجه عراقيل متعمدة من جهات رسمية وغير رسمية، تعيق استفادة المواطنين والمستثمرين من الطاقة المتجددة، رغم كونها الخيار الاستراتيجي لتعزيز الاستقلال الطاقي الفلسطيني.
وقال أبو لبدة في تصريحات خاصة لمعا: "هناك جهات ترى نفسها فوق القانون، أبرزها شركات توزيع الكهرباء، وبعض البلديات والمجالس القروية، التي تعتبر أن انتشار الإستثمار في توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية يهدد أرباحها المباشرة. هذا السلوك يعرقل حق المواطن والمستثمر المحلي وخاصة القطاع الصناعي، والأجنبي في الاستثمار ويقوض مستقبل هذا القطاع الحيوي.."
في هذا التقرير نسلّط الضوء على تصريحات حسن أبو لبدة، والذي يرى في عضوية اتحاد صناعة الطاقة في الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية، أنها تتيح المجال لتعزيز مكانة قطاع الطاقة البديلة. كما تناول أبو لبدة أبرز التحديات التي تواجه هذا القطاع، من بينها القوانين والتشريعات الناظمة لعمل محطات الطاقة المتجددة، إلى جانب حديثه عن المشاريع المستقبلية في قطاع غزة، ودعوته الحكومة إلى تمكين وزارة الصناعة للمساهمة الجادة والإستراتيجية في توفير البيئة المحفزة والممكنة لنمو القطاع الصناعي، وحسم الخلاف القائم بما يتعلق بفصل صلاحيات الغرف التجارية عن القطاع الصناعي بما يضمن تطوير الصناعة الفلسطينية وحمايتها، والمخل في ذلك هو مراجعة القوانين الناظمة للقطاعين التجاري والصناعي، بحيث تقوم المؤسسات الممثلة لكل قطاع بعملها المتوقع منها في توفير البيئة الحاضنة للإستثمار.
وقال أبو لبدة: "أنه ليس من المعقول أن يتذرع البعض بمقولة "صونا للسلم الأهلي" ليتجنب اتخاذ القرارات المناسبة أو إصدار القرارات والتشريعات المطلوبة، في أي قطاع".
غياب الرقابة وضعف الإرادة السياسية
وأشار أبو لبدة إلى أن "الفساد" وضعف "الحوكمة" يزيدان من حجم المشكلة، لكن الأخطر -بحسب تعبيره- هو غياب أداة رقابية فاعلة تُلزم موزعي الكهرباء بتطبيق القوانين.
وأضاف: "المطلوب جهاز رقابي قوي يلزم الموزعين بإنفاذ القانون، ويمنعهم من عرقلة جهود المستهلكين والمستثمرين الراغبين في الاستثمار في الطاقة المتجددة، لأن هذه معركة استقلال طاقي عن إسرائيل".
وتحدث أبو لبدة عن المعيقات التي تحول دون الاستثمار في الطاقة المتجددة، مشيرًا إلى أن بعض موزعي الكهرباء ارتكبوا مخالفات قانونية جسيمة، سواء بمجال منح التراخيص اللازمة في وقتها أو عدم الإنصياع للتعليمات السارية بما يتعلق بشراء الطاقة من المنتجين، وفي المقابل هناك صمت من الجهة الرقابية على القطاع، وهو ما يعيق جهود المواطنين والمستثمرين، ويقوض أي تقدم في تحقيق الاستقلال الطاقي الوطني.
وتابع: "لو كانت هناك إرادة سياسية حقيقية، لكانت السلطة الفلسطينية أصدرت قانونًا يمنع وجود سطح منزل أو عمارة أو ساحة بلا محطة طاقة شمسية مهما كانت صغيرة ، مع توفير الدعم المالي لمن لا يملك القدرة. حينها يمكن تحقيق أهداف طموحة كتلك التي أعلنت عنها سلطة الطاقة والحكومة بالعمل على تنفيذ برنامج طموح لزيادة القدرة المحلية في إنتاج الطاقة من الشمس الى 1430 ميغا وط بالمقارنة مع حوالي 300 ميغا حاليا، بحلول 2030."
تشريعات غائبة وترخيص معقد
وشكّك أبو لبدة في إمكانية تحقيق هذه الأهداف في ظل الممارسات الحالية، مشيرًا إلى أن القوانين القائمة ما زالت بحاجة إلى تحديث لتواكب سرعة نمو القطاع. وقال: "قطاع الطاقة المتجددة ينمو بسرعة متزايدة، وعلى الحكومة أن تواكب ذلك بالتشريعات العصرية الناظمة، وإلزام الجهات المرخصة لتوزيع الكهرباء بتنفيذ القانون".
وأضاف: "من خلال تحديث الأنظمة وتسهيل إجراءات ترخيص محطات توليد الكهرباء، يمكن تشجيع المستثمرين وضمان دخول رؤوس أموال جديدة إلى القطاع. أما في ظل الممارسات الحالية، فلن يكون هناك مستقبل آمن للطاقة المتجددة في فلسطين".
وأكد أبو لبدة أن الاستثمار في الطاقة المتجددة لا يقتصر على كونه خيارا بيئيا فقط، بل يمثل أيضًا فرصة اقتصادية حقيقية لخلق وظائف جديدة وتعزيز النمو الصناعي المحلي. وأضاف: "إذا وفرت الحكومة بيئة قانونية مستقرة وشفافة، يمكن للقطاع أن يجذب استثمارات محلية وخارجية بمئات ملايين الدولارات، الأمر الذي سيقلل من فاتورة الاستيراد ويدعم الميزان التجاري الفلسطيني".
وأشار أبو لبدة إلى أن القطاع الصناعي الفلسطيني يعدّ من أكثر المتضررين من ارتفاع أسعار الكهرباء، إذ تتحمل المصانع كلفة مرتفعة للطاقة تُضاف إلى تكاليف الإنتاج، ما يضعف قدرتها التنافسية. وشدد على أن اعتماد المصانع على محطات توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية أو مصادر متجددة أخرى من شأنه أن يخفض تكاليف الإنتاج ويعزز القدرة على المنافسة ويمنح الصناعة الفلسطينية فرصة أكبر للنمو والاستمرار.
غزة في قلب الأزمة
ويرى أبو لبدة أن قطاع غزة بات في حاجة ماسّة لمشاريع الطاقة المتجددة، في ظل الدمار الشامل الذي ألحقه العدوان السافر بشبكات الكهرباء وصعوبة إعادة التيار في وقت قياسي. وأوضح أن الحل يكمن في انتشار محطات لتوليد الكهرباء باستخدام مصادر متجددة، مشيرا إلى أن إنشاء هذه المحطات سيسهم بشكل فاعل في تزويد المواطنين والمؤسسات والمستشفيات، وحتى المصانع، بالكهرباء بشكل مستدام.
كما أكد أبو لبدة أن اتحاد صناعات الطاقة المتجددة، الذي مضى على تأسيسه 12 عامًا، يمتلك خططًا طموحة للمساهمة في توفير بيئة إستثمارية لإنشاء محطات لتوليد الكهرباء باستخدام مصادر بديلة وبإدارة فلسطينية بالكامل. وأوضح أن الاتحاد يركز على إعداد برامج تدريب وتأهيل للفنيين من قطاع غزة، لتمكينهم من بناء وصيانة المحطات وضمان استدامتها واستقلاليتها على المدى الطويل.
وحذر أبو لبدة من الانجرار وراء شركات قد تعمل وفق مصالح إسرائيلية، مؤكدًا أن المشاريع الوطنية يجب أن تبقى في يد فلسطينية لضمان تحقيق أهداف الاستقلال الطاقي.
وشدد أبو لبدة، على أن بعض الشركات العاملة في مجال الطاقة البديلة بحاجة إلى إعادة تأهيل في التعامل مع المعدات المستخدمة، مشيرًا إلى خطورة قيام بعض الشركات المحلية والمقاولين في قطاع الطاقة المتجددة بتوريد بطاريات سيارات لتخزين الطاقة، والتي صنعت لأغراض أخرى. مستشهدا بعدد من الحوادث الخطيرة التي وقعت مؤخرا بما فيها حدوث حرائق ببعض محطات الطاقة الشمسية والمنازل والمنشآت التجارية والصناعية نتيجة لاستخدام هذه البطاريات وعدم التحقق من مواصفات البطاريات ومصادرها، وهل هي مجددة أم جديدة، والأهم مدى مطابقتها للمواصفات الفلسطينية. وشدد على أن الالتزام بالمعايير الفنية والتدريب المستمر للفنيين أمر أساسي لضمان سلامة المشاريع واستدامتها.
دور الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية
وأعلن أبو لبدة أن اتحاد صناعات الطاقة المتجددة في فلسطين، يتطلع لأن يكون قطاعاً مثابرا في الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية، مؤكدًا أن ذلك سيسهم في تنمية الصناعة ككل، ناهيك عن صناعة الطاقة البديلة. وأوضح أن عضوية اتحاد صناعات الطاقة المتجددة في الإتحاد العام سيسهّل التواصل والتنسيق مع الاتحادات الصناعية الفلسطينية المختلفة، بما يتيح تبادل الخبرات وتوحيد الجهود لدعم المشاريع الوطنية، وتعزيز قدرة القطاع على الاستفادة من المبادرات والدعم الحكومي والخارجي.
وطالب أبو لبدة الحكومة بـ العمل على طي صفحة الخلاف المؤسف بشأن مسألة تكريس الصلاحيات والمسؤوليات المتعلقة بالقطاع الصناعي في مؤسسة خاصة بذلك، وهي اتحاد الصناعات وفقا للقانون، وخاصة وأن رئاسة السلطة الفلسطينية قامت بإنشاء وزارة صناعة لأهمية أن يحظى القطاع الصناعي بالأهمية المطلوبة والدور المحوري في التنمية الإقتصادية، ولا ينتقص ذلك من دور أو أهمية أي جهات تمثيلية أخرى، بما فيها الغرف التجارية، وهي المؤسسة الأكبر تمثيلا لمصالح التجار والشركات التجارية وشركات الخدمات وغيرها، مشددًا على ان الجهود يجب أن تنصب على التكامل والتحالف بين كافة الأطراف لتعزيز دور وحصة القطاع الصناعي في التنمية المحلية والدخل القومي الإجمالي، واستيعاب المزيد من الأيدي العاملة وتوظيفها بشكل فعال، ويبعدهم عن المشكلات المحتملة، ويسهم في حماية السلم الأهلي من خلال خلق الإستقرار الوظيفي والحد من الفقر. وأضاف: "على الحكومة أن تضمن استقلالية الصناعة وتمكين القطاع الصناعي من لعب دور فعال وريادي بما يخدم المصلحة الوطنية."
وشدد أبو لبدة على أن اتحاد صناعات الطاقة المتجددة قادر على قيادة دفة القطاع بفضل الخبراء والفنيين المنضوين في إطاره، مما يعزز من قدرته على دفع مشاريع الطاقة المتجددة نحو الاستدامة وتحقيق الاستقلال الطاقي الوطني.
بين القوانين والواقع
وبينما ينصّ قانون الكهرباء العام على أن مجلس تنظيم قطاع الكهرباء (PERC) هو الجهة المخوّلة بإصدار تراخيص التوليد والتوزيع، مع دور تنفيذي لهيئة الطاقة والثروة المعدنية (PENRA)، يبقى دور وزارة المالية محصورا في البُعد المالي والضمانات الحكومية للمشاريع الكبيرة. لكن وفق أبو لبدة، فإن التعطيل يحدث أساسا على مستوى الجهات المرخصة لتوزيع الكهرباء وتشمل شركات وبلديات ومجالس قروية، وهو ما يتطلب تدخلًا سياسيًا وتشريعيا عاجلا.
قطاع الطاقة المتجددة في فلسطين يواجه تحديات كبيرة على صعيد التشريعات، الرقابة، والتطبيق العملي، رغم الإمكانات الهائلة التي يوفرها من حيث المساهمة في الاستقلال الطاقي وفرص الاستثمار. وأكد أبو لبدة أن وجود إرادة سياسية حقيقية، ودعم قانوني ومالي واضح، هو المفتاح لتمكين المواطنين والشركات والمصانع الفلسطينية من الانخراط في هذا القطاع الحيوي.
ويبقى السؤال: إلى أين ستذهب الحكومة؟ وهل ستتخذ قرارات جريئة تنحاز لهذا القطاع، أم ستبقى رهينة الضغوط والمصالح الضيقة لدى البعض؟ في إشارة إلى الحاجة الملحة لاتخاذ خطوات عملية وحقيقية لإنهاء الممارسات التي تعرقل نمو القطاع، وضمان أن تكون المشاريع الوطنية بيد فلسطينية، وتخدم المصلحة العامة بعيدا عن المصالح الضيقة.
وذكَّر في نهاية حديثه أن الرئيس أبو مازن، أعلن مرارا وتكرارا أن قطاع الطاقة المتجددة ذو أولوية وطنية ويتوجب الإستثمار بالحد الأقصى فيه، وعلى الرغم من ذلك ينطبق علينا القول "لا تندهي ..."، ويعني ذلك أن الجهات المعرقلة لنمو هذا القطاع إنما تقوم به خلافا لتوجهات وتوجيهات الرئيس والحكومة.