اخبار فلسطين

فلسطين أون لاين

سياسة

خطة ترامب.. إنقاذ لـ(إسرائيل) وتصفية للقضية الفلسطينية بغطاء "السلام"

خطة ترامب.. إنقاذ لـ(إسرائيل) وتصفية للقضية الفلسطينية بغطاء "السلام"

klyoum.com

بينما رُوج لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في قطاع غزة على أنها مخرج من المأساة الإنسانية المستمرة، يرى مراقبون سياسيون أنهاء جاء مفصلة على مقاس رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بحيث تحولت إلى خطة إنقاذ لـ(إسرائيل) من عزلتها الدولية وملاحقة قادتها جنائيًا، بدل أن تكون مدخلًا لتسوية عادلة.

ويرى هؤلاء أن الخطة بصيغتها المعدلة ليست سوى نسخة مطوّرة من "صفقة القرن"، إذ تُكرس السيطرة الأمنية على غزة، وتربط أي انسحاب بنزع سلاح المقاومة، وتتجاهل جوهر القضية الفلسطينية بما فيها القدس والاستيطان وحق تقرير المصير، فيما تبقى البنود الإيجابية مثل وقف الحرب ومنع التهجير بلا ضمانات حقيقية.

وكشف ترامب خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نتنياهو، مساء أول من أمس، عن خطة تتضمن نزع سلاح المقاومة من القطاع وآلية لإدارته وإعادة إعماره، فضلاً عن إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين، مقابل إفراج (إسرائيل) عن 250 فلسطينيا محكوما بالمؤبد و1700 من غزة اعتقلوا بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مع إدخال المساعدات الإنسانية.

تعديلات جوهرية

الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري قال إن ترامب أجرى تعديلات جوهرية على الخطة التي عرضها على القادة العرب والمسلمين في نيويورك، لتصبح أقرب إلى ما يريده نتنياهو منها إلى أي تسوية متوازنة.

وأوضح المصري لـ "فلسطين أون لاين"، أن أولى هذه التعديلات تتعلق بمسألة الانسحاب؛ فبينما كان يجري الحديث سابقًا عن انسحاب خلال أشهر قليلة، لم يرد الآن أي موعد محدد، بل تُرك الأمر بالكامل بيد (إسرائيل) لتقرر متى تنسحب وفق تقديرها لمدى التزام حماس و"مجلس السلام" بتنفيذ نزع السلاح، وهو ما يعني أن السيطرة الأمنية على غزة ستبقى بيدها، وهذه نقطة بالغة الخطورة لأنها عمليًا لا تعني انسحابًا.

وأضاف أن نتنياهو تمكن من استبعاد السلطة الفلسطينية عمليًا، إذ نصت الوثيقة على أن عودة السلطة مشروطة بإصلاحات على مقاس الخطة الأميركية لعام 2020، وهو ما اعتبره المصري إقصاءً واضحاً لدور السلطة التي باتت تمثل "العجز واليأس" في هذه المعادلة.

وأشار إلى أن الكرة اليوم ليست فقط في ملعب حماس، وإنما أيضًا في ملعب الدول العربية والإسلامية التي اجتمعت مع ترامب، متسائلًا: هل هذا ما وافقوا عليه فعلًا؟ وبرأيه فإن حماس لا تستطيع أن ترفض كليًا ولا أن تقبل بالكامل؛ فهناك بنود لا يمكن رفضها مثل وقف الحرب ومنع التهجير، لكن بنودًا أخرى تبدو شبه مستحيلة، مثل شرط الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين خلال 72 ساعة، وهو شرط تعجيزي قد يتحول إلى ذريعة بيد (إسرائيل) لاستئناف الحرب بتوافق داخلي واسع.

وشدد على أن المطلوب اليوم موقف فلسطيني موحد، يقوم على تشكيل وفد وطني يتولى التفاوض باسم الشعب الفلسطيني، بدلًا من أن تترك حماس في مواجهة منفردة، أو أن تستمر السلطة في موقع العاجز الذي يكتفي بالترحيب بينما هو مستبعد فعليًا.

وخلص المصري إلى أن الخطة المعدلة أشبه بوثيقة استسلام، فهي تمنح (إسرائيل) اليد الطولى في الأمن وتؤجل أي انسحاب إلى أجل غير مسمى، بل وتفتح الباب أمام تدخلات عربية في غزة على نحو يضعها في موقع الحارس للاحتلال، وهو ما سبق أن رفضته معظم العواصم العربية. لذلك من الضروري التريث وانتظار المواقف الرسمية للدول العربية والإسلامية التي اجتمعت مع ترامب، لمعرفة إن كانت وافقت فعلًا على هذه الصياغة المعدلة، محذرًا من أن إقرارها بهذه الصورة سيضع الفلسطينيين، في مأزق لا يُحسدون عليه.

نقاط غائبة

مدير مركز يابوس للدراسات الاستراتيجية، سليمان بشارات، رأى أن خطة ترامب بدت وكأنها خضعت لتأثير مباشر من نتنياهو في اللحظات الأخيرة، حيث غابت عنها نقاط كان ترامب يكررها في الأيام السابقة، مثل الحديث عن منع ضم الضفة الغربية أو طبيعة الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.

وبين بشارات لـ "فلسطين أون لاين"، أن ربط الانسحاب الإسرائيلي من القطاع بمسألة نزع سلاح المقاومة يمثل واحدة من أبرز "الفخاخ" المزروعة داخل بنود الخطة، وهو ما يجعلها ـ بحسب تعبيره ـ خطة إنقاذ لـ(إسرائيل) وليست خطة لإنهاء الحرب.

وأوضح أن الولايات المتحدة، عبر هذه المبادرة، تسعى إلى إنقاذ (إسرائيل) من حالة العزلة الدولية والانتقادات الواسعة التي تواجهها جراء حرب الإبادة والتجويع والتدمير في غزة، فضلًا عن الملاحقة الجنائية الدولية التي تلاحق نتنياهو وكبار القادة العسكريين.

كما شدد على أن الخطة تحمل "مساحات رمادية" واسعة يمكن لـ(إسرائيل) استغلالها في لحظة التطبيق، إذ تمنحها القدرة على فرض تفسيرات وتأويلات تخدم رؤيتها، سواء فيما يخص نهاية الحرب على غزة أو في مسألة الانسحاب من القطاع.

وأضاف أن حركة حماس، من جانبها، ستسعى للحصول على ضمانات في ملفات متعددة، سواء ما يتعلق بشكل الانسحاب الإسرائيلي من غزة أو بدور ما يسمى "مجلس السلام" الذي وصفه بأنه ليس سوى "مجلس وصاية على القضية الفلسطينية".

وربط بشارات بين هذه الخطة و"صفقة القرن" التي طرحها ترامب في ولايته الأولى، معتبرًا أن المبادئ الـ21 تمثل نسخة مطورة منها، تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية تحت عنوان "خطة سلام"، بينما جوهرها هو تفكيك الحقوق الوطنية وإعطاء (إسرائيل) شرعية كاملة.

ولم يستبعد بشارات أن تكون هذه الخطة شبيهة بالاتفاق البحري الذي وُقع بين لبنان و(إسرائيل)، حيث لم تلتزم الأخيرة ببنوده، فيما استغلت الولايات المتحدة الاتفاق لابتزاز سياسي مرتبط بسلاح حزب الله مقابل إعادة الإعمار. وقال: "اليوم قد نكون أمام نسخة مطورة من ذلك النموذج، تُستخدم فيها التفسيرات والتأويلات الأميركية والإسرائيلية لفرض وقائع جديدة على الفلسطينيين".

إرادة أمريكية إسرائيلية

من جانبه، قال المحلل السياسي طلال عوكل إن خطة ترامب لوقف إطلاق النار في غزة، والتي طُرحت مؤخرًا كخارطة طريق من 20 بندًا، "تعكس إرادة أمريكية إسرائيلية لإعادة تشكيل الواقع الفلسطيني وفق شروط الاحتلال، دون أي اعتبار للرؤية أو المشاركة الفلسطينية".

وأوضح عوكل لـ"فلسطين أون لاين" أن "أكبر إشكالية في هذه الخطة أنها وُضعت دون أن يُستشار الفلسطينيون أو يُمنحوا حق المشاركة في صياغتها"، مضيفًا أن "هذا يعني أنها ليست خطة سلام، بل خطة إملاء تهدف لفرض وصاية خارجية على غزة".

وأشار إلى أن أبرز بنود الخطة المتعلقة بـ"نزع سلاح حماس والمقاومة" هي "محاولة واضحة لتجريد الفلسطينيين من حقهم المشروع في الدفاع عن أنفسهم"، مؤكداً أن "المقاومة بالنسبة للشعب الفلسطيني ليست خيارًا عابرًا، بل جزء من هويته الوطنية ومن نضاله التحرري الممتد منذ عقود".

وحول بند الإدارة المؤقتة لقطاع غزة عبر "مجلس سلام" دولي برئاسة ترامب، قال عوكل: "هذا أخطر ما في الخطة، لأنه يعني وضع غزة تحت وصاية أمريكية ودولية مباشرة، وتحويل الفلسطينيين إلى مجرد متلقين للقرارات بدل أن يكونوا شركاء فيها. الشعب الفلسطيني يريد سيادته على أرضه، لا إدارة وصاية جديدة تعيد إنتاج الاحتلال بأدوات مختلفة".

وعن الوعود المتعلقة بإعادة إعمار غزة، اعتبر عوكل أن "الإعمار في هذه الخطة مشروط بالقبول السياسي، وهذا استخدام لمعاناة الناس وأوجاعهم كأداة ابتزاز وضغط"، مضيفًا: "الغزيّون يريدون إعادة بناء بيوتهم المدمرة وبيئة حياتهم الممزقة، لكن ليس على حساب كرامتهم أو حقوقهم الوطنية".

وأكد عوكل أن الخطة "تركز على تحقيق الأمن لإسرائيل قبل أن تحقق العدالة للفلسطينيين"، لافتًا إلى أنها لم تتطرق بوضوح إلى قضايا أساسية مثل حق العودة، التعويضات، وحدة الأرض الفلسطينية بين غزة والضفة، أو المساءلة عن الجرائم التي ارتكبت في الحرب.

وختم بالقول: "ما يريده الفلسطينيون ببساطة هو وقف فوري لإطلاق النار، عودة النازحين إلى بيوتهم، سيادة وطنية حقيقية، وتعويض عادل عن الخسائر، مع إشراك فعلي للفلسطينيين في أي صياغة لمستقبلهم. أما أن تُصاغ الخطط من واشنطن وتل أبيب ثم تُفرض على غزة، فهذا لا يمكن أن يكون سلامًا".

"لا تلبي تطلعات شعبنا"

قال المحلل السياسي أحمد رفيق عوض إن خطة ترامب الأخيرة لوقف إطلاق النار في غزة "بعيدة تمامًا عن تلبية تطلعات الفلسطينيين"، مشددًا على أن "ما يريده الشعب الفلسطيني هو العدالة والحرية والسيادة، لا وصاية خارجية أو حلول مفروضة".

وأوضح عوض أن "الفلسطينيين يطالبون أولا بوقف فوري ونهائي لإطلاق النار، بعيدا عن أي شروط مسبقة أو معادلات سياسية تحاول فرضها (إسرائيل) أو الولايات المتحدة"، مضيفًا أن "الناس في غزة نزفوا دمًا كثيرًا وفقدوا بيوتهم وأحباءهم، وكل ما يبحثون عنه هو الأمان والكرامة".

وتابع عوض: "الفلسطينيون يريدون سيادة حقيقية على أرضهم، وهذا يعني أن تُدار غزة والضفة معًا ضمن مشروع وطني موحد، لا أن تُعزل غزة وتُدار عبر مجالس دولية أو إدارات مؤقتة تُعيد إنتاج الاحتلال بشكل جديد".

كما انتقد عوض تجاهل الخطة لمسألة المساءلة والعدالة، موضحًا أن "الفلسطينيين يريدون رؤية محاكمات ومحاسبة على الجرائم التي ارتُكبت بحق المدنيين. السلام الذي يقوم على طيّ صفحة الدم دون عدالة هو سلام هش ومؤقت".

وختم بالقول: "الفلسطينيون لا يرفضون السلام، لكنهم يرفضون الاستسلام. هم يريدون اتفاقًا حقيقيًا يحفظ كرامتهم، يوقف نزيف الدم فورًا، يضمن حقوقهم التاريخية، ويمنحهم السيادة على أرضهم. أي خطة تتجاهل هذه المطالب لن تُكتب لها الحياة، لأنها ببساطة لا تعبّر عن تطلعات الشعب الفلسطيني".

*المصدر: فلسطين أون لاين | felesteen.ps
اخبار فلسطين على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com