لا للنزوح.. أسرة قنوع تختار الصمود وسط القبور بدل الرحيل جنوبًا
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
45 سفينة تبحر من تركيا ردا على اعتراض إسرائيل لأسطول الصمود (فيديو)من يقترب من المقبرة الواقعة بالقرب "ميدان فلسطين" وسط مدينة غزة، لا يظن أنه سيجد حياة بين شواهد القبور، لكن المفاجأة التي تقبض على القلب أن خيمة مهترئة نُصبت بين القبور لتصبح مأوىً لعائلة كاملة.
وسط هذا المكان الذي يدفن فيه الناس موتاهم، اختارت أم أنس قنوع أن تجعل المقبرة مأوى لها ولأطفالها التسعة، بعدما دمر جيش الاحتلال الإسرائيلي منزلها في حي الشجاعية، وحول حياتها إلى ركام من الألم والخوف.
صبر وصمود
تقول بصوت متماسك يخفي وراءه بحرًا من الألم لـ "فلسطين أون لاين": "النزوح فكرة بعيدة عن بالي. إحنا قاعدين هون أكثر من خمس شهور. صابرين ومتحملين… الطيران فوقنا، الصواريخ حوالينا، بس ما إلنا مكان غير هان".
الخيمة التي أقامتها أم أنس لم تُبن من شوادر بلاستكية، بل من قطع قماش قديمة جمعتها من هنا وهناك، ربطتها ببعضها لتشكل سقفًا هشًا يحاول أن يحمي أطفالها أشعة الشمس الحارقة.
تتذكر أم أنس موقف مرعب حين سقط صاروخ بجوار خيمتها: "مرة وقع صاروخ ورا الخيمة، الشرايط كلها راحت، رجعنا ربطناها وضلينا قاعدين… وين بدنا نروح؟ ما إلنا دار ولا حتى جدار نستند عليه".
اختيارها المقبرة لم يكن بدافع التحدي، بل لأنه لم يتبق لها أي خيار آخر، إذ لا تملك ثمن خيمة جديدة، ولا قطعة أرض تنصبها عليها، ولا مالاً تستأجر به مكانًا. تقول: "هنا بنعيش. بين القبور. مش غريبة علينا، أهم شي نضل عايشين".
رعب الطائرات المسيرة
الليل في المقبرة يختلف عن أي مكان آخر. تصف الأم ساعات الرعب الطويلة: "عايشين بخوف. طول الليل "الكوادكابتر" رايحة جايه فوق الخيمة. مش وحدة ولا اثنين، كذا شكل وكذا لون. كل شوي بنفكر إنها شايلة قنبلة. وإحنا قاعدين تحتها بنعد الدقائق".
لكن حتى لو أرادت العائلة النزوح إلى الجنوب الذي يدعي الاحتلال أنه "آمنًا"، فإن الطريق مسدود إذ لا توجد مواصلات متاحة، ولا مكان يستقبلهم، ولا قدرة مالية على التنقل. تقول أم أنس: "إذا بدك نروح على الجنوب، وفر مواصلات، وفر مكان. إحنا مش لاقيين نأكل. جوزي مشي على رجليه آخر الدنيا عشان يجيب كابونة، بس عشان يطعم أولاده".
مجاعة وأمراض
المجاعة لم تكن حدثًا عابرًا بالنسبة لهذه الأسرة، بل أصبحت جزءًا من يومياتها. تروي الأم بأسى: "مرة ورا مرة، كل ما نطلع من الجوع برجع. إحنا ماشيين بالحامض والحلو، شو ما ربنا بيسر".
أما الأمراض الجلدية، فهي الرفيق الدائم لأطفالها، بعد أن غزت وجوههم وأجسادهم، في غياب الدواء. ترفع أم أنس قنينة دواء فارغة بيدها وتقول: "بناشد العالم يجيب لي برهم. ابني مريض جلدي، مش لاقية دواء، بروح على الصيدلية بقولوا مش موجود. ولا مضاد حيوي، ولا شي. لمين أروح؟"
كما ينهش البعوض والذباب أجساد الأطفال، في مشهد يومي لا يرحم، فيما بات الرشح والإنفلونزا والالتهابات أمراضًا دائمة في الخيمة، وسط بيئة ملوثة وظروف غير صحية.
رغم كل هذه المعاناة، تتمسك أم أنس بالصمود كخيار وحيد. تقول وهي تنظر إلى أطفالها بعينين دامعتين: "أنا أم لستة أولاد، اليوم إحنا ناقصنا كل شيء. ناقصنا الأكل، الدواء، حتى الحليب. بقوم بحط ميه للطفلة بدل الحليب عشان تسكت. كوز الحليب بسبعين شيكل! من وين أجيب؟"
ثم ترفع صوتها بنداء إلى العالم: "أنا بناشد كل الناس تطلع في أولادنا بعين الرحمة. إحنا مش عايشين، إحنا في وضع سيء جدًا. مش طالبين إلا توقف الحرب، ونعيش بكرامة".
أم أنس لا تدري ماذا سيأتي به الغد. كل ما تعرفه أنها لن تغادر غزة، ولن تنزح جنوبًا، حتى لو كان بيتها خيمة وسط المقبرة. تختم حديثها قائلة: "أنا راضية، بس تخلص الحرب. لو عشت مية سنة على هالحال، المهم الحرب تخلص".