اخبار فلسطين

فلسطين أون لاين

سياسة

تقرير قوارب مدمرة.. قصة صياد حطمت الحرب مصدر رزقه الوحيد

تقرير قوارب مدمرة.. قصة صياد حطمت الحرب مصدر رزقه الوحيد

klyoum.com

عند شروق الشمس، يقف أمجد الشرافي على شاطئ بحر غزة، يحدّق في الأفق البعيد كمن يبحث عن شيء ضاع إلى الأبد. في حوض ميناء الصيادين، غرب المدينة المنكوبة، كان قاربه يرسو بعد كل رحلة صيد يجلب من خلالها قوت عائلته، لكن هذا القارب والمئات غيره أيضًا؛ أصبحوا أثرًا بعد عين بفعل استهداف قطاع الصيد منذ بدء الاحتلال حرب الإبادة يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

يمضي الشرافي وقتًا طويلاً وهو يتأمل ما خلفته آلة الحرب من دمار كبير في قطاع الصيد. وبينما يقف في وجه الرياح الصباحية المحملة برائحة البحر، تأتيه وهي تحمل أيضًا وجع الخسارة؛ فالمكان الذي كان يرسو فيه قاربه لم يعد يُرى فيه الآن سوى قوارب غارقة وحطام محترق وذكريات معلقة على بقايا الحبال والمجاذيف.

الشرافي المكني بأبو إسماعيل، صياد يبلغ من العمر (51 عامًا)، من سكان مخيم الشاطئ للاجئين، غرب مدينة غزة. ولأنه ورث مهنة الصيد عن أبيه وجده، فقد تعلق قلبه بها منذ أن ركب على متن قوارب الصيد وأبحر بها قبل أكثر من 30 عامًا.

 

عالم حطمته الحرب

"البحر والصيد كل شيء في حياتي." قال لصحيفة "فلسطين" وهو يشير إلى صورة قديمة يحتفظ بها، تظهره واقفًا على قاربه مع أحد أبنائه: "كان لدي قارب صغير (حسكة تعمل بمحرك). كانت مصدر دخلي الوحيد، أجلب من خلالها قوت عائلتي."

لكن الحرب المدمرة على غزة لم تترك له شيئًا بعدما طالت الغارات والضربات الجوية الإسرائيلية رصيف ميناء الصيادين وقسمته إلى نصفين، واستهدفت أيضًا القوارب الراسية في حوضه الواسع، وأحرقتها وأغرقتها.

"كنت أظن أن ميناء الصيادين آخر مكان ممكن يستهدفوه. ما ذنب قوارب الصيد؟" يسأل بنبرة يمتزج فيها الحزن بالغضب.

بالنسبة للشرافي، لم يكن القارب مجرد وسيلة للصيد بل كان عالمه، وأمان أسرته. يعيل أبو حسن أسرة من 8 أفراد، أكبرهم يبلغ (27 عامًا) وأصغرهم لا تتجاوز التاسعة.

ولم يقتصر الدمار على قارب الشرافي لوحده، بل إن 3 قوارب يملكها أشقائه الثمانية أيضًا دمرها جيش الاحتلال وأغرقها في أعماق البحر.

وبفعل ذلك أصبح هذا الصياد عاجزًا عن ركوب البحر والخروج في رحلات الصيد مجددًا. "كل صباح، أستيقظ على صوت الموج، لكن لا يوجد مكان أذهب إليه. البحر يناديني وأنا لا أستطيع الرد عليه".

يضيف: حاولت البحث عن عمل بديل لكن في بلد محاصر أبوابه مغلقة بقرار من الاحتلال يصعب العثور على عمل آخر. وقد أصبح يعتمد بشكل أساسي على المساعدات الإغاثية مثل الغالبية العظمى من سكان قطاع غزة البالغ تعدادهم أكثر من مليوني ومئتي ألف نسمة.

لكن هذه المساعدات لم تكفِ لسد رمق عائلة بأكملها، وقد حال الحصار المطبق دون وصولها إلى المواطنين منذ بداية مارس/ آذار 2025.

بدائل اضطرارية

يحاول الشرافي اختراع بديل لقاربه الذي دمره الاحتلال من أجل العودة لممارسة الصيد، حتى أنه قرر بناء قارب على نفقته الخاصة باستخدام قضبان حديدية من المفترض أن يكسوها بقطع من البلاستيك بتكلفة مالية تزيد عن ألف دولار، بينما يعتقد أن هذا القارب سيمخر عُباب البحر ويطفو على سطحه.

يفسر سبب لجوئه إلى ذلك، بأن "الفيبرجلاس" المادة الأساسية اللازمة لبناء قوارب جديدة مفقودة من أسواق غزة بسبب الحصار، ويمنع الاحتلال إدخالها حتى قبل الحرب.

يشير أيضًا إلى أن بناء قارب مماثل لقاربه المدمر، تزيد تكلفة حاليًا عن 13 ألف دولار حاليًا. "ليس بإمكاني تحمل هذه التكلفة العالية، ولا أملك المال الكافي لذلك." قال الشرافي.

ميناء غزة الذي كان يعج بمئات القوارب مختلفة الأحجام، تحول إلى مقبرة لها بفعل الحرب الإسرائيلية. وفقًا لمعطيات رسمية أوردتها وزارة الزراعة ولجان الصيادين في اتحاد لجان العمل الزراعي، فإن الحرب دمرت قرابة 95 بالمئة من قطاع الصيد، من قوارب وشباك ومعدات.

وفقًا لنفس المعطيات، فإن جيش الاحتلال قتل خلال حربه أكثر من 200 صياد، بينهم العشرات خلال ممارسة الصيد في المناطق الشاطئية لبحر غزة.

يقول الشرافي، إن "القصف لا يفرق بين السلاح وقوارب الصيادين. مؤسف جدًا أن يكون الصيادين من ضمن أهدافه."

في نهاية اليوم يجلس الشرافي على صخرة قرب الميناء، يهيمن عليه الاشتياق لصوت المحرك، وإلقاء الشباك، ورائحة السمك الطازج، وضحكات الصيادين عاليًا وهم يوزعون الحصاد على الشاطئ. يراقب الغروب بلحظة صمت ثقيلة، وهو يعرف جيدًا أن البحر أمامه واسع لكن طريق العودة إليه ما زال طويلاً.

*المصدر: فلسطين أون لاين | felesteen.ps
اخبار فلسطين على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com