حكم "العدل الدَّوليَّة" بشأن غزَّة... انتصار قانونيّ وإنسانيّ للقضيَّة الفلسطينيَّة
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
ابو مازن يكلف نائبه بمهام رئيس السلطة في حال شغور المنصبفي خطوة قانونية ودبلوماسية بالغة الأهمية، أصدرت محكمة العدل الدولية حكمًا جديدًا يؤكد أن (إسرائيل) ملزمة قانونيًا بقبول وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بما في ذلك تمكين وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) من تنفيذ مهامها دون قيود أو عراقيل.
وجاء القرار الذي لاقى ترحيباً من الأوساط الحقوقية والدولية، في وقت يعيش فيه قطاع غزة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخه، بعد عامين من الحرب المدمرة خلفت مئات الشهداء وآلاف الجرحى، ودماراً شمل نحو 85% من البنية التحتية، وسط حصار خانق يمنع وصول الغذاء والدواء والوقود إلى أكثر من مليوني إنسان.
وقالت محكمة العدل الدولية: إن (إسرائيل) ملزمة بقبول وتسهيل إيصال المساعدات إلى قطاع غزة والتي تقدمها الأمم المتحدة وكياناتها ومنها الأونروا، مشيرةً إلى أنها لم تثبت ادعاءاتها بشأن الوكالة ومزاعم انتماء موظفيها إلى حركة حماس.
من جانبه، رحب فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأونروا، بالحكم "الواضح والشجاع" الصادر عن المحكمة، قائلاً: "إن (إسرائيل) ملزمة بالموافقة على خطط الإغاثة التي تقدمها الأمم المتحدة ووكالاتها، ولا سيما الأونروا، وتسهيل تنفيذها دون تأخير".
وأضاف لازاريني أن الادعاء الإسرائيلي بأن الأونروا "مخترقة من حركة حماس" لم يُثبت أمام المحكمة، كما لم تُقدم أي أدلة على أن الوكالة ليست جهة محايدة. وشدد على أن "تقديم كل مساعدة ممكنة لعمليات وأنشطة الأونروا هو التزام قانوني وأخلاقي على إسرائيل بصفتها دولة عضو في الأمم المتحدة".
وأشار المفوض العام إلى أن الوكالة تمتلك "موارد ضخمة وخبرة ميدانية واسعة"، وهي جاهزة لتوسيع نطاق الاستجابة الإنسانية فوراً، خاصة أن كميات كبيرة من المواد الغذائية والإمدادات المنقذة للحياة موجودة حالياً في مصر والأردن بانتظار موافقة إسرائيل على إدخالها.
انتصار قانوني
يصف أستاذ القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي محمد مهران الحكم بأنه "انتصار قانوني وإنساني مهم للقضية الفلسطينية"، مؤكداً أن المحكمة فضحت الأكاذيب الإسرائيلية التي استندت إليها (تل أبيب) في تبرير قيودها على عمل الأونروا.
وقال مهران لصحيفة "فلسطين": "المحكمة أكدت أن (إسرائيل) فشلت في تقديم أي أدلة حقيقية على مزاعمها بانتماء موظفي الأونروا إلى حركة حماس، وهو ما يُظهر أن حملتها ضد الوكالة كانت محاولة متعمدة لتجويع الشعب الفلسطيني وتصفية مؤسسة دولية تمثل شاهداً حياً على قضية اللاجئين".
وأوضح أن الحكم يلزم (إسرائيل) قانونياً بفتح المعابر وتسهيل دخول المساعدات إلى غزة، ورفع أي قيود أو إجراءات تعسفية تستهدف الأونروا أو وكالات الإغاثة الأخرى، مشيراً إلى أن أي تعطيل متعمد للمساعدات يعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف.
وأكد مهران أن قرارات محكمة العدل الدولية تحمل "قوة قانونية وأخلاقية كبرى"، حتى وإن لم تتوافر لها آلية تنفيذ مباشرة، موضحاً أن المحكمة هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وأحكامها ملزمة قانونياً للدول الأطراف وفق المادة (94) من ميثاق المنظمة.
وأضاف: "هذه الأحكام تشكل مرجعية دولية رسمية، وتوثق الانتهاكات الإسرائيلية أمام العالم، وتُعزل (إسرائيل) سياسياً وقانونياً، كما يمكن الاستناد إليها في المحاكم الجنائية الدولية ومجلس الأمن والمحاكم الوطنية لمحاسبة القادة الإسرائيليين".
غير أن المشكلة الكبرى – بحسب مهران – تكمن في الحماية الأمريكية المطلقة لـ(إسرائيل)، حيث تستخدم واشنطن حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن لمنع أي تحرك يلزم (إسرائيل) بتنفيذ الأحكام الدولية.
ويشرح أستاذ القانون الدولي أن المادة (94) من ميثاق الأمم المتحدة تمنح مجلس الأمن صلاحية اتخاذ تدابير لتنفيذ أحكام المحكمة، لكن الولايات المتحدة "تعطل هذه الصلاحية بشكل دائم"، مما يجعل "إسرائيل" تتصرف فوق القانون، مطمئنة إلى أن لا عقاب سيطالها.
ودعا مهران السلطة والدول العربية إلى استثمار هذا القرار عبر "استراتيجية شاملة" تقوم على نشره دولياً، ورفع شكاوى متكررة لمجلس الأمن لتوثيق الفيتو الأمريكي وفضح التواطؤ الغربي، إضافة إلى استخدام القرار كدليل قانوني أمام المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة القادة الإسرائيليين المتورطين في جرائم الحرب والحصار.
وقال: "قرارات محكمة العدل الدولية تمثل سلاحاً قانونياً قوياً، لكنها تحتاج إلى إرادة سياسية ودبلوماسية صلبة لتتحول إلى أداة محاسبة فعلية تكبح العدوان وتعيد الاعتبار للقانون الدولي".
بهذا الحكم، تكون المحكمة قد وجهت صفعة قانونية جديدة لـ(إسرائيل)، مؤكدة أن الحصار على غزة غير شرعي، وأن حق المدنيين في الغذاء والدواء والكرامة الإنسانية ليس منّة من أحد، بل التزام دولي لا يمكن التهرب منه.