طحن الحمص انتهى بمجزرة.. هكذا اغتال الاحتلال براءة هيا وحور
klyoum.com
أخر اخبار فلسطين:
جمعة دامية في غزة: الاحتلال يحول المربعات السكنية إلى ساحات مجازرفي صباح من صباحات الحرب الثقيلة، قررت عائلة أبو صبحة أن يكون طعامها لذلك اليوم "فلافل"، فأرسلت طفلتيها هيا وحور إلى محل طحن الحمص.
كانت الطفلتان تمسكان بكيس الحمص الصغير بأيديهما الغضّة، وتخطوان بخفة في الحيّ، كما اعتادتا أن تفعلا برفقة والدتهما كلما قررت الأسرة إعداد الفلافل، تلك الوجبة التي كانت توضع على موائد الغزيين كجزء من محاولة لتطبيع الحياة وسط كل ما هو ليس طبيعيا: المجاعة، والدمار، والانتظار الطويل للمجهول.
هيا، ذات السنوات الست، كانت تحمل كيس الحمص بفخر، وكأنها تحمل كنزًا صغيرًا.
أما حور، التي لم تتجاوز الرابعة، فكانت تتبعها بخطى متعثرة، تتعلّق بظل شقيقتها، لا تعرف من الدنيا سوى أن طحن الحمص يعني إفطارًا شهيًّا، وضحكات، وربما خبزًا ساخنًا على الطاولة.
لكن في غزة، حتى طحن الحمص قد يصبح جريمة… عقوبتها الموت.
في لحظة خاطفة، وقبل أن تصل الطفلتان إلى آلة الطحن الصغيرة، وقبل أن يتحول الحمص إلى عجينة تُطهى، تحول الحيّ بأكمله إلى ركام.
سقط صاروخ إسرائيلي فوق رؤوس الجميع، لم يُفرّق بين ضحكات الأطفال وأنفاس الكبار، لم يُمهل الحمص ليتحوّل إلى فلافل، ولا الخبز ليُخبز، ولا القلوب لتنبض.
هرع ياسر، والد الطفلتين، إلى مكان القصف وهو يعرف تمامًا أن صغيرتيه هناك. لكن كثافة الغبار والدخان منعته من رؤية شيء لنصف ساعة.
ظلّ يصرخ ويبحث وسط الأنقاض، لا مستجيب، ولا جثامين، لا صوت سوى رائحة الموت التي ملأت المكان.
هناك، أدرك ياسر أن حور وهيا قد استشهدتا.
هيّا وحور، الطفلتان اللتان خرجتا في رحلة بريئة من أجل الحياة، عادتا محمولتين على أكفّ النكبة، ملفوفتين بتراب غزة المبلل بالدّم.
في تلك اللحظة، لم يتبقَّ شيء من ملامح الطفلتين، فقط بقايا ألعاب صغيرة متناثرة بين الركام، كيس حمص ممزق، ووجع لا يُحتمل يسكن صدري أمهما وأبيهما، يحاولان جمع بقايا الذاكرة من تحت الأنقاض.
الأم التي كانت تنتظر الفلافل، تنتظر الآن فتات طفولتَيهما.
والأب الذي كان يستعد لطحن الحمص… طحن الاحتلال قلبه بلا رحمة.
وهكذا، غابت هيا وحور.
تركَتا الحمص دون طحن، والفلافل دون طهي، والعالم دون وداع.
وغدَتا شاهدتين صامتتين على أن في غزة… حتى أبسط تفاصيل الحياة قد تتحوّل إلى موت.