لماذا انقلب اليمين الأميركي على إسرائيل؟
klyoum.com
أخر اخبار الكويت:
بنك أسترالي يعتزم توظيف 350 مصرفيا للسيطرة على الإقراضشهدت السياسة الأميركية، منذ تولي دونالد ترامب الرئاسة، تحولات عميقة جعلت من السهل نسيان جذورها. فصعوده قد لا يكون نتيجة قوى تاريخية جديدة بقدر ما هو نتاج ضعف خصومه، إذ نفرت قطاعات واسعة من الخطاب «الواوكي»، وتعثّر جو بايدن، ودخلت كامالا هاريس السباق متأخرة. وبالمثل، قد يفوز زهران ممداني برئاسة بلدية نيويورك لا بسبب صعود اليسار الشعبوي، بل لضعف منافسيه.هذا المنطق ينطبق أيضاً على التحول في موقف اليمين من إسرائيل. لعقود، كان اليمين حليفاً ثابتاً لها. اليوم، يتزايد نفور الديموقراطيين بسبب جرائم حرب غزة، وفي تلاقٍ غير متوقع، يشاركهم اليمين هذا الموقف. فقد أعلن عالم السياسة جون ميرشايمر، في بودكاست تاكر كارلسون، أن المشروع الصهيوني كان عنصرياً وقائماً على التطهير العرقي منذ البداية. ورغم أن المشروع لم يكن كذلك في بداياته، فإن تصريح ميرشايمر ليس جديداً، فهو إعادة لطرح كتابه المثير للجدل اللوبي الإسرائيلي (2007) مع ستيفن والت، الذي انتقد نفوذ اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، متهماً المحافظين الجدد بتغليب مصالح إسرائيل على مصالح أميركا.لكن المحافظين الجدد لم يكونوا سوى جناح واحد من الحركة المحافظة، هيمن حينها على السلطة. إلى جانبهم كان هناك «المحافظون القدامى» على أقصى يمين السياسة الأميركية، الذين أصبحوا اليوم التيار السائد. وعلى عكس المحافظين الجدد (معظمهم يهود)، رحّب القدامى بكتاب اللوبي الإسرائيلي، وهو ما يعكس جذوراً أعمق من النقد السياسي، تمتد إلى عداء لليهود يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي مع الكاهن الكاثوليكي المعادي للسامية تشارلز كافلن، ثم السيناتور جوزيف مكارثي الذي استهدف يهوداً في جلسات مكافحة الشيوعية. مكارثي وضع نموذج الجمع بين مغازلة معاداة السامية وادعاء الدفاع عن اليهود، وهو ما يفعله ترامب اليوم. وظل اليمين الكاثوليكي المتطرف معادياً لليهود، حتى أن وليام ف. باكلي، «أب المحافظة الحديثة»، ارتبط طويلاً بمعادين شرسين لليهود قبل أن يتبرأ منهم علناً عام 1991 ويصبح مؤيداً لإسرائيل بفعل الحرب الباردة. واليوم، لا تزال مشاعر اليمين تجاه اليهود متناقضة: تاكر كارلسون يستضيف مروّجين للنازية، لورا لومر تهاجم المسلمين باسم اليهود، كانديس أوينز تصف إسرائيل بـ«الأمة الشيطانية»، ناشيونال ريفيو تدافع عن حرب غزة، جو روغان يهاجم إسرائيل ويصف اليهود بـ«الجشعين». وفي نيوجيرسي، يدافع المرشح الجمهوري جاك شيتاريلي عن إسرائيل بشراسة، فيما وصفت منافسته الديموقراطية ما تفعله إسرائيل في غزة بـ«الإبادة الجماعية» ثم تراجعت.
شهدت السياسة الأميركية، منذ تولي دونالد ترامب الرئاسة، تحولات عميقة جعلت من السهل نسيان جذورها. فصعوده قد لا يكون نتيجة قوى تاريخية جديدة بقدر ما هو نتاج ضعف خصومه، إذ نفرت قطاعات واسعة من الخطاب «الواوكي»، وتعثّر جو بايدن، ودخلت كامالا هاريس السباق متأخرة. وبالمثل، قد يفوز زهران ممداني برئاسة بلدية نيويورك لا بسبب صعود اليسار الشعبوي، بل لضعف منافسيه.
هذا المنطق ينطبق أيضاً على التحول في موقف اليمين من إسرائيل. لعقود، كان اليمين حليفاً ثابتاً لها. اليوم، يتزايد نفور الديموقراطيين بسبب جرائم حرب غزة، وفي تلاقٍ غير متوقع، يشاركهم اليمين هذا الموقف. فقد أعلن عالم السياسة جون ميرشايمر، في بودكاست تاكر كارلسون، أن المشروع الصهيوني كان عنصرياً وقائماً على التطهير العرقي منذ البداية. ورغم أن المشروع لم يكن كذلك في بداياته، فإن تصريح ميرشايمر ليس جديداً، فهو إعادة لطرح كتابه المثير للجدل اللوبي الإسرائيلي (2007) مع ستيفن والت، الذي انتقد نفوذ اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، متهماً المحافظين الجدد بتغليب مصالح إسرائيل على مصالح أميركا.
لكن المحافظين الجدد لم يكونوا سوى جناح واحد من الحركة المحافظة، هيمن حينها على السلطة. إلى جانبهم كان هناك «المحافظون القدامى» على أقصى يمين السياسة الأميركية، الذين أصبحوا اليوم التيار السائد. وعلى عكس المحافظين الجدد (معظمهم يهود)، رحّب القدامى بكتاب اللوبي الإسرائيلي، وهو ما يعكس جذوراً أعمق من النقد السياسي، تمتد إلى عداء لليهود يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي مع الكاهن الكاثوليكي المعادي للسامية تشارلز كافلن، ثم السيناتور جوزيف مكارثي الذي استهدف يهوداً في جلسات مكافحة الشيوعية. مكارثي وضع نموذج الجمع بين مغازلة معاداة السامية وادعاء الدفاع عن اليهود، وهو ما يفعله ترامب اليوم.
وظل اليمين الكاثوليكي المتطرف معادياً لليهود، حتى أن وليام ف. باكلي، «أب المحافظة الحديثة»، ارتبط طويلاً بمعادين شرسين لليهود قبل أن يتبرأ منهم علناً عام 1991 ويصبح مؤيداً لإسرائيل بفعل الحرب الباردة. واليوم، لا تزال مشاعر اليمين تجاه اليهود متناقضة: تاكر كارلسون يستضيف مروّجين للنازية، لورا لومر تهاجم المسلمين باسم اليهود، كانديس أوينز تصف إسرائيل بـ«الأمة الشيطانية»، ناشيونال ريفيو تدافع عن حرب غزة، جو روغان يهاجم إسرائيل ويصف اليهود بـ«الجشعين». وفي نيوجيرسي، يدافع المرشح الجمهوري جاك شيتاريلي عن إسرائيل بشراسة، فيما وصفت منافسته الديموقراطية ما تفعله إسرائيل في غزة بـ«الإبادة الجماعية» ثم تراجعت.
اندماج اليمين المتطرف في التيار المحافظ وهيمنته على جناحه المعتدل جعل من الطبيعي تطبيع معاداة السامية المتأصلة فيه. في هذا السياق، سيبقي ترامب دعم أميركا لنتنياهو مهما فعل في غزة، مكتفياً أحياناً بدعوته إلى إظهار الاعتدال لتهدئة الانتقادات. وانتقاداته المحدودة لإسرائيل تخدم في الوقت ذاته معاديي السامية الذين يخلطون بين العداء للصهيونية ومعاداة اليهود.
كما يوظف اليمين ما يصفه بالحماس المؤيد لفلسطين على اليسار كأداة سياسية، رغم أن مأساة غزة لا تحتل موقعاً مركزياً في الوعي الأميركي كما فعلت فيتنام في الستينيات. هذا الادعاء يخدم هدفين: إلصاق تهمة معاداة السامية باليسار، وتغذية جناح «ماغا» المعادي لليهود عبر تصويرهم في قلب كل اضطراب داخلي وخارجي.
هكذا، يُعاد تقديم اليهود من قبل اليمين كمحفّز لاستثارة ردود أفعال انتخابية. الأخطر على اليهود وإسرائيل في نهج ترامب هو ما يبدو أنه «حب لليهود»، إذ لن يتخلى عن نتنياهو، بل سيستخدمه لتغذية كراهية اليهود على اليمين، مع الادعاء بحبهم. ويجسد مايك هاكابي، السفير الأميركي لدى إسرائيل، هذا التناقض، بصفته إنجيلياً يؤمن بـ«المسيانية التدبيرية» التي تنص على أن اليهود الذين لا يقبلون المسيح في آخر الزمان سيبادون خلال «الضيقة العظيمة». كتاب جديد بعنوان معاداة السامية في آخر الزمان يروّج لهذه الفكرة، معتبراً أن مكافحة معاداة السامية ضرورية لتمهيد إما لتحويل اليهود جماعياً أو إبادتهم، كشرط لمجيء المسيح.
بهذا المعنى، يصبح كل من التعلق بإسرائيل والعداء للصهيونية على اليمين متكاملين مع صعود معاداة السامية فيه. هذه القبضة المزدوجة المعقدة تجاه إسرائيل تختلف عن الاحتضان البراغماتي للمحافظين الجدد. وكما في كثير من الملفات، لا يخترع ترامب جديداً، بل يحيي ما كان لا يُقال، كما في دعمه العلني لرئيس بولندا المراجع للتاريخ، ويلقيه في فوضاه السياسية، ليجعله محورياً.