لهذه الأسباب.. الذهب يسجّل مستويات قياسية تاريخية
klyoum.com
وليد منصور -
أفاد تقرير حديث لصحيفة الغارديان، أن الذهب يعيش واحداً من أفضل أعوامه منذ عقود، إذ قفز إلى مستويات قياسية متتالية خلال 2025، ليقترب من تحقيق أقوى أداء سنوي منذ عام 1979، حين أحدثت الثورة الإيرانية صدمة عنيفة في الاقتصاد العالمي.
أوضح التقرير أن الإقبال المتزايد على الذهب يعود إلى كونه «ملاذاً آمناً» و«مخزناً للقيمة»، وهو الدور الذي يؤديه منذ آلاف السنين، منذ أن بدأ ملوك ليديا سكّ العملات الذهبية في القرن السادس قبل الميلاد. ومع تصاعد المخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي، وتزايد التوترات الجيوسياسية بين روسيا وحلف الناتو، يلجأ المستثمرون إلى الذهب، باعتباره خياراً أكثر أماناً مقارنة بالأصول العالية المخاطر.
إلى جانب ذلك، فإن العوامل التقليدية المؤثرة في أسعار الذهب، مثل أسعار الفائدة، وقوة الدولار، ومعدلات التضخم، تضافرت مع عناصر جديدة مرتبطة بالسياسات الأمريكية، مثل هجمات الرئيس دونالد ترامب على البنك المركزي الأمريكي، وتصعيده في الحرب التجارية، وخططه الضريبية والإنفاقية، وهو ما عزّز الطلب على المعدن النفيس.
ندرة لا يمكن تكرارها
تقرير «الغارديان» أشار إلى أن تفرّد الذهب في لعب دور مخزن للقيمة يرجع إلى ندرته. فوفقاً لمجلس الذهب العالمي، لو جُمعت كل كميات الذهب المستخرجة تاريخياً في مكعب واحد، فلن يزيد طول ضلعه على 22 متراً فقط.
الإمدادات العالمية من الذهب ترتفع بنسبة محدودة لا تتجاوز %1.7 سنوياً، وهو ما يجعل الذهب محصناً ضد «التوسّع الكمي الجيولوجي» – كما وصفه ستيفن إينيس، الشريك الإداري في شركة SPI Asset Management – فلا سياسات ولا اكتشافات ولا أدوات مالية قادرة على إضعاف قيمته الجوهرية.
أما المعادن الأخرى، مثل النحاس الذي يستهلك بكميات هائلة سنوياً بحسب حالة الاقتصاد العالمي، أو البلاتين والبلاديوم اللذين تلتهمهما الصناعات سريعاً، فلا يمكنها لعب الدور نفسه.
صعود تاريخي
منذ بداية العام وحتى نهاية سبتمبر، ارتفع سعر الذهب الفوري بنسبة %43 ليصل إلى 3760 دولاراً للأونصة، متفوقاً على جميع فئات الأصول الاستثمارية الأخرى. ولم يشهد المعدن النفيس عاماً بهذه القوة منذ 1979، حين قفز بنسبة %126 نتيجة الثورة الإيرانية وارتفاع أسعار النفط.
بيانات بنك أوف أمريكا أظهرت أن المستثمرين ضخوا 5.6 مليارات دولار في صناديق الذهب خلال أسبوع واحد فقط، فيما بلغت التدفقات خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة مستوى قياسياً عند 17.6 مليار دولار. ورغم تحذير البنك من أن الذهب «مُبالغ في شرائه» تكتيكياً، فإنه يؤكد أنه لا يزال «منخفض الملكية» هيكلياً، إذ لا يمثل سوى %0.4 من الأصول الخاصة المدارة، مما يدفع البنك إلى الإبقاء على مركز استثماري طويل الأجل في الذهب.
مَنْ يشتري الذهب؟
بحسب مجلس الذهب العالمي، فإن المستثمرين الغربيين كانوا المحرك الأساسي للمكاسب الأخيرة، مدفوعين بعاملين رئيسيين:
1 - تباطؤ الاقتصاد الأمريكي، الذي قد يفتح الباب أمام مجلس الاحتياطي الفدرالي لمزيد من خفض الفائدة، وهو ما يجعل الاحتفاظ بالنقد أقل جاذبية مقارنة بالذهب الذي لا يدر عائداً.
2 - تصاعد الهجوم السياسي على البنك المركزي الأمريكي، وما يثيره من مخاوف بشأن استقرار الدولار وسوق السندات الأمريكية.
3 - إلى جانب ذلك، تواصل البنوك المركزية حول العالم، وخاصة في الصين، تعزيز احتياطياتها من الذهب. وكشفت وكالة بلومبيرغ أن بكين تسعى لتصبح حارساً لاحتياطيات الذهب السيادية الأجنبية، في محاولة للحد من هيمنة الدولار، وتقليص الاعتماد على المراكز المالية الغربية، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وسويسرا.
أثر ترامب وحربه التجارية
أشار التقرير إلى أن الأسواق لم يتم انهيارها رغم رفع الرسوم الجمركية الأمريكية إلى أعلى مستوياتها منذ ثلاثينيات القرن الماضي. لكن التأثير الأبرز ظهر على الدولار، الذي تراجع بأكثر من %9 منذ بداية 2025، مع تنامي المخاوف حول استقلالية «الفدرالي» والحرب التجارية.
مديرة الصناديق في M&G، إيفا صن-واي، قالت في منتدى Bond Vigilantes إن هذه التطورات «عزّزت اتجاه نزع الدولرة الأوسع»، مما جعل الذهب الوجهة المفضلة للمستثمرين الباحثين عن ملاذ آمن بعيداً عن العملة الخضراء وتقلبات أسعار الفائدة.
هل نقترب من «ذروة الذهب»؟
رغم المكاسب الاستثنائية، يرى العديد من المحللين أن أمام الذهب مزيداً من الارتفاع. أرناب داس، الخبير الإستراتيجي في «إنفيسكو»، أكد أن موجة صعود الذهب «ما زالت مستمرة»، مشيراً إلى أن البنوك المركزية لا تجد بديلاً حقيقياً له للتحوط من المخاطر الأمريكية.
بالمثل، رفع «دويتشه بنك» مؤخراً توقعاته لسعر الذهب في 2026 بمقدار 300 دولار ليصل إلى 4000 دولار للأونصة، مما يعكس قناعة متزايدة بأن المعدن النفيس سيظل مستفيداً من حالة عدم اليقين العالمية.
الاستثمار في الذهب: خيارات ومخاطر
يوضح التقرير أن المستثمر الفردي أمامه طرق عدة لشراء الذهب:
1 - الذهب المادي: عبر عملات أو سبائك من الجهات التي تبيع السبائك الذهبية، لكن هذا الخيار يتطلب تكاليف إضافية للتأمين والتخزين.
2 - الصناديق المتداولة (ETF): تعكس حركة السعر مباشرة، وتوفر سيولة وسهولة في التداول.
3 - أسهم شركات التعدين.
لكن مع هذه المكاسب الكبيرة، يحذّر الخبراء من احتمال حدوث تصحيح سعري، إذا تراجعت معدلات التضخم إلى مستويات مستهدفة من البنوك المركزية، أو إذا هدأت الأزمات الجيوسياسية.
مرآة لمخاوف العالم
تخلص «الغارديان» إلى أن الذهب يظل مرآة لمخاوف العالم: كلما تصاعدت الاضطرابات السياسية والاقتصادية، ازداد بريق المعدن الأصفر. وبينما يترقب المستثمرون ما ستسفر عنه سياسات ترامب والحروب التجارية ومستقبل الدولار، يبقى الذهب الوجهة الأكثر أماناً في زمن اللا يقين، وإن لم يخلُ الاستثمار فيه من المخاطر.