تصميم البيت العائلي وعلاقته بتربية الأبناء
klyoum.com
قد لا ننتبه في البداية لتأثير تصميم البيت في سلوكيات الأبناء ونموهم النفسي والاجتماعي، لكن مع مرور الوقت يتضح أن البيت ليس مجرد جدران وسقف، بل هو البيئة الأولى التي يتشكل فيها وعي الطفل وعلاقاته.
كثير من البيوت اليوم تصمم بمنظور هندسي يركز على الجماليات والراحة كما يراها الكبار، بينما يتم إغفال أن هذا المكان هو المدرسة الأولى التي يتعلم فيها الطفل معنى المشاركة والاحترام والحوار.
عندما يحصل الطفل منذ سن صغيرة على غرفة منفصلة بعيدة عن والديه وإخوته وتتوفر له كل احتياجاته داخلها، قد يبدو ذلك نوعا من الرفاهية، لكنه أحيانا يقلل من تفاعله مع أسرته ويضعف اكتسابه لمهارات مهمة مثل التعاون وضبط الانفعال.
أما وجود غرفة مشتركة بين الإخوة، خاصة إذا كانوا من نفس الجنس وأعمارهم متقاربة، فهو يخلق ذكريات جميلة ويقوي علاقتهم. حتى الخلافات البسيطة بينهم تعتبر جزءا من التربية، يتعلمون من خلالها الغضب والاعتذار والتفاوض والتنازل، بل وحتى أسلوب التعامل مع الآخرين.
كذلك الحال مع الحمام المشترك، فبدل أن يكون لكل غرفة حمام خاص، خاصة في مراحله الأولى كطفل، فإن وجود حمام مشترك يعزز روح الأسرة ويقلل شعور الفردية المفرطة. حتى الخلافات في مشاركة الحمام قد تكون مفيدة فهي تعلم الأبناء الصبر وانتظار الدور واحترام الآخرين.
كما أن قرب غرف الأبناء من غرفة الوالدين يبعث الطمأنينة، ويسهل على الوالدين المتابعة والملاحظة بشكل طبيعي ودون تدخل مباشر.
أما الصالة، فمن الأفضل أن تكون في وسط البيت كممر يمر به جميع أفراد الأسرة، مثل ردهة الفندق، بحيث يتيح تواصلا يوميا عابرا يكسر العزلة، ولو كان سريعا، ورقابة غير مباشرة من الوالدين. وكذلك المطبخ، عندما يكون في مكان ظاهر أو قريب من الحركة اليومية يشعر الأبناء أنه قلب البيت فيرون فيه الطبخ والتحضير، وقد يشجعهم ذلك على المشاركة وحب المعرفة بدل أن يكون مجرد مكان لتجهيز الطعام.
وقد يتساءل البعض: ماذا عندما يكبر الأبناء؟ الحل بسيط؛ يمكن تجهيز بعض الغرف منذ البداية ببنية تحتية لحمامات خاصة دون استخدامها مباشرة، بحيث تتم إضافة الخصوصية عند الحاجة، أو تصميم غرفة كبيرة للأطفال لتوفير مساحة أوسع للحركة والحرية لهم، ثم تقسيمها لاحقًا بحائط ثابت لتصبح غرفتين مستقلتين، كل منهما مزودة بحمام خاص، مع مراعاة تصميم الممرات وغيرها، دون الحاجة إلى تغييرات جذرية في المنزل. ويتطلب ذلك مهندسًا ماهرًا يدرك هذا التوازن.
مع الوقت، ومن خلال نقاشاتي مع مختصين وملاحظاتي للتجارب الواقعية، أدركت أن تصميم البيت يمكن أن يزرع قيما في نفوس الأبناء، وأن كل زاوية فيه إما أن تبني علاقة أو تضيع فرصة. فالتصميم ليس مجرد مسألة شكل أو راحة، بل جزء من التربية وجزء من صناعة ذكريات عائلية تدوم.
أحمد اللهيب