ميلينا عيسى: قصيدة النثر فكر حر وخيال منفلت
klyoum.com
أخر اخبار الكويت:
بنك أسترالي يعتزم توظيف 350 مصرفيا للسيطرة على الإقراض• طفولتك في بلدة كفربهم كانت حاضنة لأول نصوصك الشعرية، كيف تشكَّلت هويتك الإبداعية في أحضان هذه البلدة التي تفيء بالحنين دائماً؟- طفولتي نَمَت في بلدة ترابها أحمر ومجتمع حموي طيب القلب، في عائلةٍ كان الدفء يعرش فوق أذرعهم. في الإعدادية كتبت أول بيتَي شِعر. وبعد أن كبرت قليلاً، ابتعدت عن إخوتي. سرقتني العُزلة، وبتُّ أدوِّن الخواطر فوق صفحات كُتبي المدرسية، وأقرأها لأصدقائي. كتبت أول نصٍ مع أول خفقة اعترت قلب مراهقة تذوَّقت الحُب بنظرة وابتسامة وألم لذيذ في الحواس، والذي سحرني عندما عرفت فيما بعد أنه الوجد. هذه كانت خطواتي الأولى إلى عالم النثر، لأعتلي منبر المركز الثقافي في البلدة عن عُمر يناهز الستة عشر عاماً، مُحاطة بدعمٍ وتشجيع الأصدقاء والأهل.• من قصيدة التفعيلة إلى النثر رحلة من البحث عن الشكل الأمثل، لماذا استقر بكِ المطاف عند قصيدة النثر تحديداً رغم تحدياتها؟ - ربما كان لجبران خليل جبران، الذي قرأته في سنٍ صغيرة جداً، دور في تحديد هويتي في الشعر، قبل أن أعرف ماهية قصيدة النثر أو تعريفها، ثم كانت قراءتي للشعر المترجم، مثل: بودلير، وبوشكين، ورامبو، ولوتريامون، وغيرهم. وكان لقراءتي كتاب «طبيعة الشعر» لهربرت ريد دور مهم في معرفة البنية الداخلية لقصيدة النثر، والشعر الحديث عموماً. يُضاف إلى ذلك دراستي للأدب الإنكليزي في الجامعة، الذي فتح أمامي أفقاً واسعاً، لأجد نفسي ملتصقةً بقصيدة النثر دائماً. فقصيدة النثر شائكة، تُوهمك بأنها سهلة التعاطي والمنال، لكن لها قوانينها ولعبتها ومغامراتها، كمن يمشي على الحبل. هي فِكر حُر، وخيال منفلت. هي النوع الأدبي الوحيد الذي احتواني وعبَّر عنَّي بكل مصداقية.• في مجموعتك «وإن تكسرت العناوين» ثمة مزجٌ جريء بين الحسي والمقدَّس، كيف تُوفقين بين لغة الجسد والرموز الدينية من دون تناقض؟- أنا لا أرى فصلاً بين الحسي والمقدَّس، فاللاهوت ليس روحياً بالمعنى المُطلق، بل هو ترميز لحياة واقعية بحتة، رغم عجز رجالات الدِّين عن توضيح ذلك. فمرجعي الوحيد والأهم هو الدِّين والأسطورة، كما أن طقوس الجسد من أكثر الطقوس تمجيداً وقداسة. لكن محاولة تجرُّد البشري مع ادعائه الفصل أسوأ ما يحدث. فحادثة المجدلية وانتهاكات داود وألم يوسف، أو جنون الكماسوترا، جميعها كيان لا يتجزأ. أنا أكتب عن الجسد تماماً كما أقرأ في كتابٍ مقدَّس، كلاهما عالم متناقض، لكن لهما الثيمة ذاتها، لأن كلاهما يقود إلى عرش إله.
• طفولتك في بلدة كفربهم كانت حاضنة لأول نصوصك الشعرية، كيف تشكَّلت هويتك الإبداعية في أحضان هذه البلدة التي تفيء بالحنين دائماً؟
- طفولتي نَمَت في بلدة ترابها أحمر ومجتمع حموي طيب القلب، في عائلةٍ كان الدفء يعرش فوق أذرعهم. في الإعدادية كتبت أول بيتَي شِعر. وبعد أن كبرت قليلاً، ابتعدت عن إخوتي. سرقتني العُزلة، وبتُّ أدوِّن الخواطر فوق صفحات كُتبي المدرسية، وأقرأها لأصدقائي. كتبت أول نصٍ مع أول خفقة اعترت قلب مراهقة تذوَّقت الحُب بنظرة وابتسامة وألم لذيذ في الحواس، والذي سحرني عندما عرفت فيما بعد أنه الوجد. هذه كانت خطواتي الأولى إلى عالم النثر، لأعتلي منبر المركز الثقافي في البلدة عن عُمر يناهز الستة عشر عاماً، مُحاطة بدعمٍ وتشجيع الأصدقاء والأهل.
• من قصيدة التفعيلة إلى النثر رحلة من البحث عن الشكل الأمثل، لماذا استقر بكِ المطاف عند قصيدة النثر تحديداً رغم تحدياتها؟
- ربما كان لجبران خليل جبران، الذي قرأته في سنٍ صغيرة جداً، دور في تحديد هويتي في الشعر، قبل أن أعرف ماهية قصيدة النثر أو تعريفها، ثم كانت قراءتي للشعر المترجم، مثل: بودلير، وبوشكين، ورامبو، ولوتريامون، وغيرهم. وكان لقراءتي كتاب «طبيعة الشعر» لهربرت ريد دور مهم في معرفة البنية الداخلية لقصيدة النثر، والشعر الحديث عموماً. يُضاف إلى ذلك دراستي للأدب الإنكليزي في الجامعة، الذي فتح أمامي أفقاً واسعاً، لأجد نفسي ملتصقةً بقصيدة النثر دائماً. فقصيدة النثر شائكة، تُوهمك بأنها سهلة التعاطي والمنال، لكن لها قوانينها ولعبتها ومغامراتها، كمن يمشي على الحبل. هي فِكر حُر، وخيال منفلت. هي النوع الأدبي الوحيد الذي احتواني وعبَّر عنَّي بكل مصداقية.
• في مجموعتك «وإن تكسرت العناوين» ثمة مزجٌ جريء بين الحسي والمقدَّس، كيف تُوفقين بين لغة الجسد والرموز الدينية من دون تناقض؟
- أنا لا أرى فصلاً بين الحسي والمقدَّس، فاللاهوت ليس روحياً بالمعنى المُطلق، بل هو ترميز لحياة واقعية بحتة، رغم عجز رجالات الدِّين عن توضيح ذلك. فمرجعي الوحيد والأهم هو الدِّين والأسطورة، كما أن طقوس الجسد من أكثر الطقوس تمجيداً وقداسة. لكن محاولة تجرُّد البشري مع ادعائه الفصل أسوأ ما يحدث. فحادثة المجدلية وانتهاكات داود وألم يوسف، أو جنون الكماسوترا، جميعها كيان لا يتجزأ. أنا أكتب عن الجسد تماماً كما أقرأ في كتابٍ مقدَّس، كلاهما عالم متناقض، لكن لهما الثيمة ذاتها، لأن كلاهما يقود إلى عرش إله.
• كشاعرةٍ عاصرت الحرب السورية... كيف استطاعت قصيدتكِ تحويل جراح الوطن إلى فنٍ لا يخون الواقع ولا يستسلم للبكائيات؟
- كُنت قد غادرت الشعر لسنوات عديدة، لأعود إليه بقرع طبول الحرب السورية، فيهدِّئ من ألمي والصدمات المتكررة إزاء ما يحدث، وأنا أشاهد بلدي يتمزق قتلاً ودماراً. لم يكن يستهويني الندب في الشعر، ففي قلبي عشق لسورية فاق كل الشجن الذي يعتري الشاعر. فكان العتب لديَّ في قصيدة الحرب كبيراً، تفوَّق على لثم الجرح أو تضميده.
أنا يا رفاق
أمزّقُ التاريخَ... لا أوثّقُه
عن أيِّ أمرٍ تريدونني أنْ أتحدّثَ؟
عن سنينَ سبعٍ عجافٍ
أو عن كاهنٍ أعلنَ موتي
وعشائرَ أحالتْ بكارةَ القدّيساتِ
إلى فُتات
......
نذورُها ترجمُني
نذورُكَ ترجمُني
تأنَّوا في كسرِ جناحي
لا ضمانةَ لوثيقةٍ تمتصُّ وطني
وعبيرَ الآخرة
• تتحدثين عن «الغموض الإيجابي» في شعرك. ألا يمثل ذلك تحدياً أمام القارئ الذي قد يبحث عن الوضوح في زمن السرعة؟
- لا يقصد الشاعر حث الغموض على غمر قصائده، لكن لقصيدة النثر عالماً خاصاً يعبِّر عن أسوأ ما يعتريك، لكن بطريقته. سبق أن قلت في مقابلات سابقة إنني أنفصل عن نفسي، تشْرد روحي خارج المكان وأنا أكتب، فيتحتم الغموض أحياناً، بالقدر الذي أخشى فضحي. فأنا لا أحب التعري المباشر أمام القارئ.
تمنحنا قصيدة النثر نوعاً من الترميز أو القناع لقول الأمور المسكوت عنها عبر تاريخنا وفي مجتمعنا.
• بين أحمد يوسف داود الذي رأى في نصوصك «الرسوخ الغني»، وبين واقع الأدب النسوي الذي تصفينه بالمتواضع... أين تقف ميلينا اليوم؟
- أحمد داود قدَّمني اكتشافاً جديداً لنفسي، انطلق من أول مجموعة شعرية لي. شعرت معه بالخصوصية الشديدة لما أكتب، وبحجم المسؤولية تجاه الكلمة. وعرفت ميلينا الشاعرة بعُمقها الكُلي، لتبدأ رحلة مُضنية مع قصيدة النثر، كانت تعيث إرهاقاً كل مرة في مساحةٍ من روحي.
أما عن واقع الأدب النسوي، فأنا لا أقلل من شأنه عندما أصفه بالمتواضع، لأنه لم يتعدَّ مرحلة الشعور، وما زال مُحتجزاً في الأنا، وفي كون المرأة مخلوقاً لا يتعدَّى حدود القلب والسرير.
• في نص «مطب مجاني» ثمة لعبة ذكية بين الأسئلة الفلسفية والصور الحياتية. هل الشعر عندكِ شكلٌ من أشكال البحث عن إجابات أم طرح أسئلة جديدة؟
- هي أسئلة تتكرَّر، ولكن بصيغة جديدة، تبحث عن حُب شتتته الحرب والقسوة، والبحث عن اليقين.
في «مطب مجاني» وبمعظم نصوصي ليس هناك تفلسف ولا أسئلة فلسفية، بل شعر خام ومجرَّد قد يرتدي ثياب اللاهوت أحياناً، لكنها ثياب لا يرتديها إلا الإنسان المتألم والحائر والشارد في قلقه وأوجاع أمام عالم صامت لا يقول شيئاً، ولا يُعطينا أدنى شعور بالطمأنينة واليقين.
• بعد رصيدٍ من المجموعات الشعرية والترجمات... ما الحلم الإبداعي الذي لم يتحقق لميلينا الشاعرة بعد؟
- هي ليست أحلاماً، لأنني أخطو في طريقها تلقائياً، لكن هناك طموحات أتمنى أن تساعدني الظروف لأحققها، لأستطيع تجنيد الكلمة في سبيلها. فالعالم يطفو على بحارٍ من الموت والجثث. أما الشعر فهو موقف وجودي وأخلاقي من هذا العالم البائس والمتناقض. فالشعر يبني هذه العوالم المادية الفانية، ويُقيم على أنقاضها فردوسه الأبدي. بدأت شاعرة، ولا أطمح إلا أن أبقى شاعرة.