ضبط العمل الخيري الكويتي.. مرحلة جديدة من الحوكمة والمساءلة
klyoum.com
أخر اخبار الكويت:
اليد يكسر جمود الاجتماعات ويعتمد انطلاقة الموسم في سبتمبركامل جميل - الخليج أونلاين
ستبدأ وزارة الشؤون الاجتماعية الكويتية هذا الشهر تصنيف الجمعيات إلى ثلاث فئات: ملتزمة، وملتزمة جزئياً، وغير ملتزمة.
لن يُسمح للفئة الأخيرة بجمع التبرعات حتى تصحيح أوضاعها، فيما ستنفذ فرق تفتيش ميدانية جولات رقابية للتأكد من مدى الالتزام.
شددت الوزارة على حظر إنشاء روابط تبرعات لصالح وسطاء أو شركات دعاية أو فرق تطوعية.
سعياً منها إلى ترسيخ معايير الشفافية والحوكمة،فرضت وزارة الشؤون الاجتماعية الكويتية سلسلة من الضوابط التنظيمية الصارمة على قطاع العمل الخيري، في خطوة تعيد ثقة الجمهور في هذا القطاع الحيوي، الذي طالما شكّل أحد أبرز أوجه العمل الإنساني للدولة الخليجية.
والأحد (6 يوليو الجاري)، كشفت وزارة الشؤون الاجتماعية عن بدء استقبال طلبات التراخيص للمشاريع الخيرية داخل الكويت وخارجها، وذلك في إطار جهودها لتنظيم العمل الخيري وتعزيز الشفافية في إجراءات جمع التبرعات وتنفيذ المشاريع الإنسانية.
جاء هذا عقب الكشف عن عمليات احتيال إلكترونية استهدفت المواطنين عبر مواقع وروابط مشبوهة، تدّعي ارتباطها بجمعيات خيرية معروفة، ما ألحق أضراراً مالية بالأفراد، وهدد سمعة الكويت بصفتها مركزاً إقليمياً للعمل الخيري.
وفي يونيو، أعادت الوزارة السماح بجمع التبرعات داخل وخارج البلاد، لكنها اشترطت التزام الجمعيات بقواعد تفصيلية تشمل توثيق التعاقدات، ووقف التعامل مع وسطاء ومؤثرين دون موافقة رسمية.
ويُمنع بموجب التعميم الجديد، الصادر عن وكيل الوزارة بالتكليف خالد العجمي، التعاقد مع الدعاة أو المشاهير أو مؤثري التواصل الاجتماعي إلا بإذن مسبق يرفق معه مسودة العقد، تتضمن تفاصيل المشروع وقيمته وطبيعة الخدمة.
الإصلاحات جاءت بعد توجيهات مباشرة من وزيرة الشؤون الاجتماعية أمثال الحويلة، التي خاطبت مسؤولي الجمعيات الخيرية بلهجة حازمة مشددة على أن "سمعة الكويت خط أحمر، ولن نسمح لأي ممارسات فردية أو تجاوزات أن تسيء لهذا الإرث الإنساني العريق".
وحذّرت الوزيرة من تلقي التبرعات عبر روابط إلكترونية أو مواقع التواصل الاجتماعي دون إذن، مشيرة إلى أن بعض التبرعات الموجهة للخارج ألحقت ضرراً.
بسمعة البلاد دولياً، وتتعارض مع توجه الدولة لتوطين العمل الخيري.
ضوابط وإجراءات رقابية
التعميم الجديد ألزم الجمعيات الخيرية بعدد من البنود الدقيقة، من بينها:
توضيح النسبة الإدارية المقتطعة من التبرعات في جميع الإعلانات.
إدراج بيانات التحصيل يومياً في نظام إلكتروني يربط مباشرة بالوزارة.
طُلب من الجمعيات تقديم تقارير مالية شهرية تفصيلية تتضمن بيانات التحويلات البنكية والشيكات ونفقات المشاريع.
وستبدأ الوزارة هذا الشهر تصنيف الجمعيات إلى ثلاث فئات: ملتزمة، وملتزمة جزئياً، وغير ملتزمة.
ولن يُسمح للفئة الأخيرة بجمع التبرعات حتى تصحيح أوضاعها، فيما ستنفذ فرق تفتيش ميدانية جولات رقابية للتأكد من مدى الالتزام.
وشددت الوزارة على حظر إنشاء روابط تبرعات لصالح وسطاء أو شركات دعاية أو فرق تطوعية، وهو إجراء يهدف، بحسب الوزارة، إلى "تنقية القطاع من المخالفات وضمان الامتثال".
إعادة تنظيم القطاع
بحسب تصريحات مراقب إدارة الجمعيات الخيرية بوزارة الشؤون الاجتماعية عاصم الفيلكاوي، يُعد القطاع الخيري في الكويت أحد أبرز أوجه العمل المدني في البلاد، إذ تحتضن الدولة نحو 84 جمعية خيرية و79 مبرة.
وأضاف الفيلكاوي لموقع "ايكونيوز" أن حجم التبرعات في رمضان الماضي وحده تجاوز 55 مليون دينار كويتي، خُصص منها ثلاثة ملايين دينار لمشاريع داخل الدولة، فيما بلغ إجمالي تبرعات عام 2024 نحو 113 مليون دينار.
ومع ذلك فإن التحديات التي تواجه العمل الخيري لم تعد مالية أو لوجستية فحسب، بل باتت ترتبط بشكل متزايد بالرقابة والحوكمة.
ومنذ عام 2016، بدأت الكويت تنفيذ خطة تدريجية لإعادة تنظيم هذا القطاع، شملت إطلاق منصة إلكترونية موحدة لجمع التبرعات وربط الجمعيات برقابة يومية، فضلاً عن حظر جمع التبرعات النقدية في المساجد والأسواق، في توجه نحو رقمنة العملية الخيرية بالكامل.
بين الرقابة والمرونة
ورغم ترحيب كثير من المراقبين بالإجراءات الجديدة، لكن يبقى التوازن بين ضمان الشفافية ومنح الجمعيات حرية كافية للعمل الإنساني تحدياً قائماً.
لكن المسؤولين في الوزارة يصرون على أن "الرقابة ليست هدفاً بحد ذاتها، بل وسيلة لضمان أن يصل كل تبرع إلى مستحقه الحقيقي"، كما ورد في تصريحات سابقة للوزيرة الحويلة، التي أكدت أن "العمل الخيري الكويتي يجب أن يظل مرآة مشرقة لالتزام البلاد بالمسؤولية الإنسانية".
وبينما تخطو الكويت نحو مرحلة جديدة في تنظيم عملها الخيري، فإن الأنظار تتجه إلى مدى قدرة الجمعيات على التكيّف مع التحولات التنظيمية، وإلى ما إذا كانت الإجراءات الحالية كفيلة بتحقيق التوازن المنشود بين الشفافية والثقة من جهة، والمرونة والاستجابة السريعة من جهة أخرى.
في مقاله بصحيفة "القبس" تحت عنوان "الجمعيات الخيرية تحت المجهر"، شدد الكاتب سلطان مساعد الجزاف على أهمية الجمعيات الخيرية كمكوّن أساسي في النسيج الإنساني الكويتي، لكنها –رأيه– ليست بمنأى عن الأخطاء وسوء الإدارة.
وأشار إلى حالات جمع تبرعات لمشاريع لم تُنفذ، أو تأخرت دون إعلام المتبرعين.
ودعا الجزاف إلى تشريع خاص ينظم عملية جمع التبرعات من خلال نظام رقمي موحد، يربط التبرعات بمعدلات التنفيذ الفعلي، ويتيح سجلاً إلكترونياً شفافاً يضمن حقوق المتبرعين ويعزز المساءلة.
أما الكاتب أحمد الصراف، وفي مقال بعنوان "دواشق الجمعيات الخيرية وحقيقة التضييق" نشرته "القبس"، فذهب في نقده إلى أبعد من ذلك، مؤكداً أن بعض الجمعيات –خصوصاً الدينية منها– قاومت الإصلاح بشراسة فور اتخاذ الحكومة قرارات تقضي بوقف التحويلات المالية للخارج وإغلاق مقار غير مرخصة.
ورأى الصراف أن هذه الإجراءات "تأخرت عقوداً" قائلاً: إنها "خطوة مستحقة لكبح إثراء غير مشروع دام سنوات"، مشدداً على أنه يدعم القرار الحكومي رغم كونه مؤسساً ورئيساً لجمعية خيرية.
وفي منحى أكثر توازناً، أكد الكاتب مرزوق الحربي في مقال بصحيفة "الأنباء"، حمل عنوان "عودة العمل الخيري الكويتي حصانة وشفافية ومسؤولية اجتماعية" أن العمل الخيري في الكويت يتجاوز إطار الجمعيات، ويمثل جزءاً من الحياة اليومية للمواطنين.
لكنه أشار إلى أن المؤسسات الخيرية استشعرت المسؤولية ولم تعارض قرارات الوزارة، بل تعاونت مع الجهات الرسمية وقدمت بياناتها، وشاركت في مراجعة اللوائح بهدف تطوير القطاع.
ويلفت الحربي إلى أن أزمة توقف مشروع الأضاحي في عيد الأضحى الماضي كانت مثالاً حياً على أهمية استمرار العمل الخيري بشكل منظم، مشيداً بتدخل "بيت الزكاة" لسد الفراغ.