اخبار الكويت

جريدة القبس الإلكتروني

أقتصاد

البنوك الخليجية تنقل بوصلتها التمويلية شرقاً

البنوك الخليجية تنقل بوصلتها التمويلية شرقاً

klyoum.com

وليد منصور - 

لطالما كانت الولايات المتحدة وأوروبا الوجهتين الدوليتين الافتراضيتين للبنوك الخليجية عند جمع الديون. فقد كانت تلك الأسواق توفّر سيولة عميقة، ومعرفة واسعة من المستثمرين، وأطر إصدار راسخة. لكن الديناميكيات الجيوسياسية والمالية التي شكّلت منذ فترة طويلة هذا التدفق الرأسمالي من الغرب إلى الشرق بدأت تتغيّر.

أفاد تقرير حديث على «يوروموني» بأن البنوك الخليجية تتجه اليوم بشكل متزايد نحو الشرق، إلى أسواق مثل سنغافورة وهونغ كونغ وتايبيه، كبدائل إستراتيجية لجمع رأس المال. فقد أصبحت أدوات مثل الإصدارات الخاصة، وسندات فورموزا، واهتمام متزايد بسندات باندا، توفّر قنوات جديدة للاستفادة من أسواق رأس المال الآسيوية.

يقول كليفورد لي، رئيس الخدمات المصرفية الاستثمارية عالمياً في «دي بي إس»، أكبر بنك في سنغافورة وجنوب شرق آسيا من حيث الأصول،: «لم نعد في المرحلة التمهيدية – هناك اهتمام متزايد منذ سنوات. نحن الآن عند نقطة، إذا استمرت الأسواق العالمية في التشرذم، فإن تدفقات رأس المال الإقليمية بين مجلس التعاون الخليجي وآسيا ستشهد نمواً ملحوظاً».

الاهتمام العام

تقليدياً، لم يبدِ المستثمرون الآسيويون اهتماماً يُذكر بسندات الخليج، ويرجع ذلك إلى ضعف الرؤية حول الإصدارات المحلية. إلا أن ذلك بدأ يتغيّر تدريجياً.

ويعلّق لي: «تُعدّ الإصدارات الخاصة بمنزلة إثبات للمفهوم. فالمُصدرون يرغبون في اختبار وجود طلب حقيقي من المستثمرين قبل الانتقال إلى صفقات عامة وأكبر».

ميزة سنغافورة

رغم أن هونغ كونغ لا تزال مركزاً مالياً رئيسياً، إلا أن سنغافورة تبرز كنقطة انطلاق جذابة للمُصدرين الخليجيين الساعين للوصول إلى جمهور أوسع في آسيا.

يقول لي: «هونغ كونغ تميل لأن تكون أكثر تركيزاً على الصين، خصوصاً في إصدارات اليوان الخارجي، بينما سنغافورة أكثر حيادية – لا نميل لأي تكتل معين، وهذا ما يجذب جهات الإصدار في الشرق الأوسط».

تتميّز سنغافورة بقدرتها على إصدار سندات بعملات متعددة – الدولار الأمريكي، الدولار السنغافوري، اليوان الصيني الخارجي، الدولار التايواني، والدولار الهونغ كونغي – ما يجعلها جذابة بشكل خاص. ويمكن للبنوك الخليجية إصدار سنداتها من خلال سنغافورة عبر اكتتاب عام أو إصدار خاص، مع مرونة التبديل بين الأسواق بحسب التسعير، والآجال، والاعتبارات التنظيمية، وشهية المستثمرين.

وفي ظل سعي بنوك الخليج لتنويع مصادر تمويلها وتزايد تشرذم النظام المالي العالمي، فإن هذه الخيارات تصبح ذات أهمية متزايدة.

تعزيز المعرفة والعمق

ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات قائمة، أبرزها ضعف إلمام المستثمرين الآسيويين بالجهات المُصدرة الخليجية، وفق التقرير.

يقول لي: «لم يكن لدى المستثمرين الآسيويين تاريخياً اهتمام بالديون الخليجية، ليس لسوء في الجودة، بل لغياب المعروض. ومع غياب المعروض، لا يمكن للمستثمرين إجراء تقييم ائتماني أو بدء علاقة».

ويضيف: «لكن مع تزايد الإصدارات، بدأ هذا النمط يتغير. نرى الآن شهية متزايدة من البنوك الصينية، ومديري الصناديق، وشركات التأمين، والبنوك الخاصة في آسيا. لكن الإمداد المنتظم هو المفتاح».

كذلك بدأت سيولة السوق الثانوية تتحسن، مع دخول المزيد من المؤسسات الآسيوية إلى تداول أسماء خليجية، ما يعزز الاستقرار السعري وثقة المستثمرين.

ويلاحظ ريتيش أغاروال، رئيس أسواق الدين في «الإمارات دبي الوطني كابيتال»، تحوّلاً إيجابياً: «شهدنا عودة واضحة للمستثمرين الآسيويين من أصحاب الأموال الحقيقية إلى الصفقات الخليجية خلال الأشهر الستة إلى التسعة الماضية، خصوصاً مع جاذبية التسعير مقارنة بنظرائهم الآسيويين ذوي التصنيف المماثل. لم يعد الأمر مقتصراً على صناديق التحوط – المؤسسات الاستثمارية الطويلة الأجل تعود الآن».

تنويع أعمق

ومع سعيها لتوسيع مصادر التمويل، تستكشف البنوك الخليجية بشكل متزايد أدوات مثل سندات فورموزا – وهي سندات بالعملات الأجنبية تصدرها جهات غير تايوانية في السوق التايوانية – وسندات باندا، وهي سندات مقومة بالرنمينبي تصدر في الصين من قبل جهات خارجية.

لكن «أغاروال» يبدي حذراً أكبر بشأن المدى القريب: «هناك اهتمام من المُصدرين الخليجيين بسندات باندا، لكن معظمهم يجد العملية مرهقة وقد يتغيّر التسعير قبل أن يكونوا مستعدين للإصدار. ما لم يكن هناك فائدة واضحة من حيث التنويع أو التسعير، يصعب تبرير هذا التعقيد. لكن إذا نجح مُصدر أو اثنان، فستتبعهما البقية بلا شك».

في الوقت نفسه، أصبحت سندات فورموزا قناة راسخة لإصدارات البنوك الخليجية، إذ توفر سيولة مؤسسية طويلة الأجل، لا سيما من شركات التأمين التايوانية، مع أن معظم الإصدارات الخليجية حتى الآن ركزت على آجال خمس سنوات، لتحقيق توازن بين تنويع التمويل واحتياجات التزامات الأصول.

التمويل المستدام

قد يُسرّع بروز سنغافورة كمركز مالي للحوكمة البيئية والاجتماعية (ESG) من الروابط الائتمانية بين الخليج وآسيا. فمع تطوير سلطة النقد في سنغافورة لإطار تمويل انتقالي، وإطلاق الحكومة أول إصدار سندات خضراء في عام 2022، رسّخت سنغافورة مكانتها كمركز هيكلي للديون المستدامة.

يقول لي: «توفر سنغافورة الخبرة الفنية، ومزوّدي الرأي المستقل، والحياد اللازم لجذب المُصدرين الخليجيين إلى الأسواق الأنسب لهم. لقد بنينا البنية التحتية اللازمة لتقييم وهيكلة سندات ESG ذات مصداقية، وهذا يتماشى مع زخم خطط التحول إلى صافي الانبعاثات الصفرية في الخليج».

ويُعدّ التمويل المستدام رافعة نمو رئيسية في الخليج، إذ بلغ إجمالي الإصدارات في الشرق الأوسط 16.7 مليار دولار خلال أول تسعة أشهر من 2024، بقيادة المؤسسات المالية، ويتوقع أن يتراوح بين 18 إلى 23 مليار دولار في 2025، وفق «ستاندرد آند بورز غلوبل».

لكن حتى الآن، لا يزال الطلب الأكبر على السندات الخليجية ذات التصنيف البيئي والاجتماعي والحوكمي متركزاً في أوروبا.

عوامل جاذبة

أشار التقرير الى أن جاذبية الاسواق الآسيوية للبنوك الخليجية تكمن في مجموعة من العوامل:

1 - التسعير التنافسي.

2 - الطلب المتنامي من المستثمرين المؤسسيين الآسيويين.

3 - الوصول إلى آجال استحقاق أطول.

4 - إمكانية التنويع بعيداً عن قاعدة المستثمرين التقليديين.

5 - بالنسبة للمُصدرين الخليجيين الكبار والذين يزدادون تعقيداً، يعزّز هذا التوجّه شرقاً من الصلابة المالية، ويوسّع نطاق الوصول إلى السيولة، ويدعم استقرار التمويل الطويل الأجل.

تحول طويل الأجل

بالنظر إلى المستقبل، يرى لي أن المشاركة المؤسسية ستزداد من كلا الجانبين: «توقّعوا المزيد من الجولات العكسية، حيث يزور المستثمرون الآسيويون منطقة الخليج، والمزيد من البنوك الخليجية تبني حضوراً في آسيا».

في عالم مالي مجزأ، تصبح الروابط الإقليمية أكثر قيمة. الحياد السنغافوري، السيولة المتزايدة في آسيا، والمنطق الإستراتيجي للتنويع، كلها عوامل تتقاطع لتخلق مسارات إصدار جديدة للبنوك الخليجية.

*المصدر: جريدة القبس الإلكتروني | alqabas.com
اخبار الكويت على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com