الإنفاق المحلي.. في قبضة المواقع الصينية
klyoum.com
أخر اخبار الكويت:
الكويت تدين بأشد العبارات الهجمات الإسرائيلية على غزةحصة المطيري-
منذ سنوات قليلة، تغير سلوك المستهلك الكويتي بشكل لافت، مع صعود التسوق الإلكتروني وتحديداً عبر المنصات الصينية التي غزت البيوت بأسعارها المغرية وشعاراتها الجذابة.
بدأ الأمر بموقع واحد قدم كل شيء، من الملابس إلى أدوات المطبخ والأثاث، إلى السيارات وغيرها من السلع، ونجح في كسب ثقة المستهلكين عبر الأسعار المنخفضة والتجارب الإيجابية التي انتشرت بسرعة لافتة.
لكن بعد نجاحه، دخل «الموقع البرتقالي» – المنافس الصيني الآخر – إلى الساحة، بخطة مختلفة، أسعار أعلى بقليل، لكنها ما زالت أقل من المتاجر المحلية، استخدم أسلوب الخصومات المزدوجة، يعرض سعراً مرتفعاً بجانبه تخفيض ضخم، ليخلق إحساساً لدى المشتري بأنه يقتنص صفقة رابحة.
إلا أن الحقيقة أبعد من ذلك، فخلف واجهة «العروض»، تتراجع الجودة وتختلف المواد، لتتحول جاذبية السعر إلى فخ تسويقي ذكي.
ومع الوقت، ارتفعت الأسعار تدريجياً، حتى باتت – رغم التخفيضات – لا تتناسب مع جودة السلع.
إنها قصة تحول في السوق الاستهلاكي الكويتي، من الثقة المطلقة في الأسعار الرخيصة إلى اندفاع أكبر وراء العروض والخصومات، وسط منافسة إلكترونية تغير قواعد اللعبة كل يوم.
الشراء الرقمي
التحول في سلوك المستهلك الكويتي نحو الشراء من المواقع الصينية يعكس ديناميكية جديدة في الاقتصاد الاستهلاكي المحلي، فالتجارة الإلكترونية أصبحت قناة رئيسية لتصريف الإنفاق، خصوصاً مع تراجع الأسعار العالمية وارتفاع الوعي بالخيارات الرقمية.
لكن هذه الظاهرة تحمل وجهين اقتصاديين: من جهة، هي تفتح السوق أمام المنافسة العالمية وتضغط على الأسعار في المتاجر المحلية، ما يدفع التجار الكويتيين إلى إعادة التفكير في تكاليفهم وهوامش أرباحهم.
ومن جهة أخرى، تخرج جزءاً من الإنفاق خارج الاقتصاد الوطني، لأن عمليات الشراء تتم عبر منصات أجنبية لا تُولد دورة اقتصادية داخلية.
أما من منظور المستهلك، فظاهرة «الخصومات الوهمية» تعكس سلوكاً استهلاكياً عاطفياً أكثر منه عقلانياً، إذ يجذب السعر المنخفض دون النظر إلى الجودة أو القيمة الفعلية، وهذا يشير إلى غياب نضج في الوعي الشرائي، ما قد يؤدي إلى تآكل الثقة في التجارة الإلكترونية لاحقاً إذا استمرت الفروقات بين السعر والجودة.
اقتصادياً، ما يحدث اليوم هو إعادة توزيع للإنفاق الاستهلاكي، من السوق المحلي إلى السوق الرقمي العالمي، في مشهد يختبر قدرة الشركات الكويتية على منافسة الكفاءة والسعر والتجربة، لا الموقع الجغرافي فقط.
نقود رقمية
في السنوات الأخيرة، تغير مشهد الإنفاق في الكويت جذرياً، فالمحفظة لم تعد ممتلئة بالنقود الورقية، بل بهاتف ذكي يكفي لإتمام كل معاملة.
في غضون ست سنوات فقط، تراجع التعامل النقدي بهدوء، بينما تصدرت المدفوعات الإلكترونية واجهة الاقتصاد.
الأرقام توضح الصورة، المدفوعات عبر المواقع الإلكترونية قفزت بنسبة %838.2 منذ عام 2019، لتبلغ 13.1 مليار دينار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، بعدما كانت 1.3 مليار دينار فقط. وفي المقابل، انخفضت التعاملات النقدية بنسبة %26.7، من 9.34 مليارات إلى 6.83 مليارات دينار.
هذا التحول لا يُقاس بالأرقام فحسب، بل يُعبر عن تغير عميق في مفهوم الثقة الاقتصادية، فالمستهلك الكويتي بات يثق بالأنظمة الرقمية أكثر من النقود التي يحملها بيده.
المال أصبح حركة بيانات لا أوراقاً، والتداول يتم في ثوان عبر تطبيقات ذكية، مما خلق اقتصاداً أكثر سرعة وشفافية، وأعاد تعريف السيولة والإنفاق في زمن صارت فيه «النقرة» بديلاً عن «الورقة».
السوق المحلي تحت الضغط
الأسواق التجارية في الكويت لم تعد تعج بالمتسوقين كما قبل، فجزء كبير من الحركة انتقل إلى الشاشات، ومع كل نقرة شراء من موقع صيني، يفقد التاجر المحلي فرصة بيع كانت تُحيي متجره.
خلال السنوات الأخيرة، بدأ بعض أصحاب المحال بإغلاق فروعهم أو تقليص العمالة، بعدما أصبح الزبون يقارن السعر المحلي بما يراه في هاتفه، وغالباً ما يختار الأرخص حتى لو جاءه من وراء البحار.
هذا التحول خلق واقعاً جديداً في السوق: انخفاض في المبيعات التقليدية، وتزايد في الطلب على خدمات التوصيل والتخزين والشحن. المتاجر التي لم تواكب التحول الرقمي وجدت نفسها خارج اللعبة، فيما بدأت أخرى بالتحول إلى التجارة الإلكترونية لإنقاذ وجودها.
ومع غياب تنظيم واضح للسوق الرقمي، تتسع الفجوة يوماً بعد يوم بين المنصات العالمية الضخمة والتاجر الكويتي الذي يواجهها بإمكانات محدودة، في معركة غير متكافئة عنوانها «من يربح ثقة المستهلك أولاً؟».
تراجع جماعي في عدد الشراء
رغم التراجع الطفيف في زخم الشراء الإلكتروني، فلا يزال حضوره طاغياً في المشهد الاقتصادي الكويتي، فقد بلغت قيمة المشتريات عبر المواقع الإلكترونية نحو 13.1 مليار دينار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، بانخفاض بنسبة %8.6 عن العام الماضي حين سجلت 14.3 ملياراً، لكنها ما زالت تمثل نحو %38.1 من إجمالي الإنفاق المحلي البالغ 34.3 مليار دينار.
أما من حيث عدد العمليات، فقد تراجع أيضاً بنسبة %5.6 إلى 246 مليون معاملة مقارنة بـ 260.6 مليوناً في الفترة نفسها من العام السابق، في إشارة إلى أن المستهلك الكويتي ما زال منجذباً إلى التسوق الرقمي، لكن ليس بدافع الوعي أو التقييم، بل تحت تأثير العروض المتكررة وسهولة الوصول، إذ لا يزال القرار الشرائي في معظمه عاطفياً، تحركه الأسعار المغرية أكثر مما توجهه القيمة أو الحاجة الفعلية.
المعاملات الإلكترونية
وتفصيلياً، بلغ عدد المعاملات المنفذة عبر المواقع الإلكترونية داخل الكويت نحو 207.47 ملايين معاملة، بقيمة إجمالية تقدّر بـ 12.07 مليون دينار، لتشكل بذلك ما نسبته %84.3 من إجمالي عدد المعاملات الإلكترونية.
في المقابل، بلغ عدد المعاملات من المواقع خارج الكويت 38.59 مليون عملية فقط، بقيمة تقارب مليون دينار، وهو ما يمثل %15.7 من إجمالي العمليات عبر المنصات الإلكترونية.
تمثل المعاملات الخارجية %15.7 فقط، وهي نسبة تعكس أن المستهلك يلجأ للمواقع الدولية عندما يبحث عن أسعار أقل أو تنوع أكبر، لكن حجم العمليات يظل محدوداً مقارنة بالمحلي.
رغم أن المعاملات من المواقع خارج الكويت لا تتجاوز 38.59 مليون عملية، فإن هذا الرقم يكشف عن كتلة شرائية ثابتة تجاه المنصات الدولية، هذا يعني أن المستهلك الكويتي يجد في هذه المواقع ما لا توفره السوق المحلية: تنوع أكبر في السلع، أسعار منخفضة جداً، عروض يومية مغرية، منتجات جديدة وغير متوفرة محلياً، هذه المزايا تجعل الشراء الخارجي خياراً دائماً، حتى لو لم يكن الأكبر حجماً.
الذكاء الصيني
لم يحتج الصينيون إلى بناء متاجر ضخمة ليكسبوا السوق، فقد فهموا اللعبة باكراً، حين أدركوا أن المستقبل ليس في الشوارع بل في الشاشات، فالشركتان لم تضعا حجراً واحداً في أي سوق، ومع ذلك أصبحا ضيفين دائمين في كل بيت، اختصرا المسافة بين المصنع والمستهلك، واعتمدا على شبكات توريد ضخمة قادرة على تصنيع وتسليم أي سلعة بسرعة مذهلة، لتجعل من مفهوم «من المصنع إلى الباب» واقعاً يومياً.
بذكاء تجاري لافت، بنيا اقتصاداً بلا أبواب ولا واجهات زجاجية، يعتمد على البيانات بدلاً من الرفوف، وعلى خوارزميات تعرف ذوق المشتري أكثر مما يعرفه هو نفسه، لم يبيعوا المكان، بل التجربة، ولم يفتتحوا فرعاً واحداً لأن العالم كله صار متجرهم، هكذا فهمت الصين المعادلة مبكراً، الربح في السرعة، والثقة تُبنى بالنقرة لا بالباب المفتوح.
5 أسباب وراء إدمان المستهلك للمواقع الصينية
لم تكتفِ المواقع الصينية ببيع المنتجات فحسب، بل باعت تجربة كاملة تقوم على الإحساس بالمكسب والسهولة، في زمن يبحث فيه المستهلك عن الراحة، والسعر الأقل، والوصول الأسرع إلى كل ما يريد..
بالتالي يعود سبب ولع الناس بالمواقع الصينية لمجموعة عوامل نفسية وتسويقية واقتصادية اجتمعت معاً:
1- السعر أولاً
المنصتان تقدمان منتجات بأسعار منخفضة جداً مقارنة بالأسواق المحلية، وهذا يلعب على وتر «الصفقة الرابحة»، خصوصاً في وقت الناس فيه تحسب مصروفها أكثر.
2- الإحساس بالمكسب
فكرة «السعر قبل وبعد الخصم» تخلق شعوراً بالإنجاز، حتى لو لم يكن الخصم حقيقياً بالكامل، المستهلك يشعر أنه فاز بشيء، وهذه لعبة نفسية تسويقية ناجحة.
3- سهولة الشراء والتنوع
تطبيق بسيط، آلاف المنتجات، وكل شيء متوفر في مكان واحد «من الإبرة إلى الأثاث» يجعل التجربة ممتعة وسريعة.
4- العروض المستمرة
الإشعارات، القسائم اليومية، والشحن المجاني المؤقت تبقي المستخدم في حالة تفاعل دائم، فيشعر أن «الفرصة لا تتكرر».
5- العامل الاجتماعي
انتشار التجارب على مواقع التواصل الاجتماعي خلق موجة ثقة جماعية، فأصبح الناس يشترون لأن «الكل جرب»، ليس لأنهم فعلاً يحتاجون السلعة.