اخبار الكويت

جريدة الجريدة الكويتية

أقتصاد

تقرير اقتصادي: «تيك توك»... من الاستثمار في التأثير إلى التحكم بالخوارزميات

تقرير اقتصادي: «تيك توك»... من الاستثمار في التأثير إلى التحكم بالخوارزميات

klyoum.com

ربما تمثّل صفقة بيع تطبيق تيك توك في الولايات المتحدة الأميركية تحولاً يحمل العديد من الدورس وإشارات التغيير، في عالم بات فيه لوسائل التواصل دور محوري في صياغة الرأي العام تجاه العديد من القضايا والملفات السياسية والأخلاقية والدينية والاجتماعية، فضلا عن الاقتصادية والتجارية.فتحليل صفقة بيع تطبيق تيك توك في الولايات المتحدة الأميركية التي مثّلت أولوية أمن قومي لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ إعادة انتخابه العام الماضي، لا تتوقف فقط عند السعر المنخفض لقيمة التطبيق البالغ 14 مليار دولار، وهو أدنى بكثير من تقديرات المحللين لسعره بما بين 30 و40 مليار دولار، وسط توقعات بأن تكون القيمة المخفضة قد مثلت خصماً مالياً من الصين عبر شركتها بايت دانس - الشركة الأم لـ «تيك توك» - مقابل امتيازات لمصلحة بكين في مفاوضاتها المستمرة والصعبة مع الولايات المتحدة بشأن معركة الرسوم الجمركية، مما يعكس أهمية التطبيق الاستراتيجية والمستقبلية لدى ترامب مقابل حربه التجارية.«اليمين» وترامب

ربما تمثّل صفقة بيع تطبيق تيك توك في الولايات المتحدة الأميركية تحولاً يحمل العديد من الدورس وإشارات التغيير، في عالم بات فيه لوسائل التواصل دور محوري في صياغة الرأي العام تجاه العديد من القضايا والملفات السياسية والأخلاقية والدينية والاجتماعية، فضلا عن الاقتصادية والتجارية.

فتحليل صفقة بيع تطبيق تيك توك في الولايات المتحدة الأميركية التي مثّلت أولوية أمن قومي لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ إعادة انتخابه العام الماضي، لا تتوقف فقط عند السعر المنخفض لقيمة التطبيق البالغ 14 مليار دولار، وهو أدنى بكثير من تقديرات المحللين لسعره بما بين 30 و40 مليار دولار، وسط توقعات بأن تكون القيمة المخفضة قد مثلت خصماً مالياً من الصين عبر شركتها بايت دانس - الشركة الأم لـ «تيك توك» - مقابل امتيازات لمصلحة بكين في مفاوضاتها المستمرة والصعبة مع الولايات المتحدة بشأن معركة الرسوم الجمركية، مما يعكس أهمية التطبيق الاستراتيجية والمستقبلية لدى ترامب مقابل حربه التجارية.

«اليمين» وترامب

فتصريحات البيت الأبيض بشأن الصفقة تشير إلى أنها تتجاوز مخاوف الأمن القومي في الولايات المتحدة من التدخل الصيني في صياغة الرأي العام الأميركي إلى التحكم في الخوارزميات، حيث أكد البيت الأبيض أن اتفاق بيع تطبيق تيك توك للكونسورتيوم الاستثماري الأميركي بقيادة «أوراكل» والشركة الاستثمارية «أندريسن هورويتز» و«سليفر ليك» لإدارة الأصول، إلى جانب قناة «فوكس نيوز» الحليف اليميني الأبرز للرئيس ترامب سيمكّنها من السيطرة على نسبة تؤهلها للتمثيل في 6 من أصل 7 من مجلس إدارة التطبيق، مع احتفاظ «بايت دانس» الصينية بـ 20 في المئة من الملكية، بالتالي سيضمن هذا الإجراء أن يتكون تحالف الشركات الأميركية الذي يميل للخط اليميني لترامب هو المتحكم في الخوارزمية التي توجه محتويات النشر في التطبيق!

دور محوري

وبالنظر إلى السنوات القليلة الماضية نجد أن وسائل التواصل الاجتماعي وتحديداً منصات «إكس» و»إنستغرام» و»تيك توك» قد أدت دوراً محورياً لافتاً في صياغة الرأي العام العالمي وتوجيه المعلومات، خصوصاً خلال خلال جائحة كورونا والحرب الروسية - الأوكرانية ومتابعة مونديال قطر 2022 وانتخابات الولايات المتحدة عامي 2020 و2024، فضلاً عن الحدث الأبرز عالمياً، وهو العدوان المستمر على غزة منذ عامين، مما دفع رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى الاجتماع مع مؤثري التواصل في الولايات المتحدة، وتحديداً «تيك توك» و«إكس»، والقول صراحة إن «الأسلحة تتغير بمرور الوقت... علينا أن نقاتل بالأسلحة المناسبة لساحات المعارك التي نشارك بها، وأهمها وسائل التواصل»، خصوصاً بعد انتقادات قادتها وسائل الاحتلال الإعلامية بشأن تدهور قبول الرواية الصهيونية بشأن فلسطين في الغرب، خصوصاً بين الأجيال الأصغر سناً.

تحكُّم وتوجيه

وتشير تصريحات ترامب ونتنياهو حول وسائل التواصل إلى أن مسألة بيع تطبيق تيك توك في الولايات المتحدة لم تعد مجرد استثمارات لزيادة التأثير، كشراء إيلون ماسك منصة تويتر، وتحويلها إلى «إكس» لتسويق السيارات الكهربائية أو العملات المشفرة أو إدراج منصة سناب شات في بورصة نيويورك لزيادة شعبية التطبيق أو طرح «فيسبوك» للاكتتاب بغرض التوسع في بيع المنتجات، إنما يبيّن بوضوح أن الغرض هو التحكم في الخوارزميات وتوجيه المعلومات أو حجبها أو التدليس والتلاعب في البيانات، وهو ما يتسق بالأصل مع سلوكيهما السياسي، أي ترامب ونتنياهو.

حملات مضللة

وهنا تبرز التساؤلات حول مدى تأثر الدول العربية، وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي، ومعها الكويت، من مخاطر توجيه خوارزميات معيّنة لترويج حملات اقتصادية مضللة كأن يسمح بترويج تصورات متطرفة تجاه دول الخليج كأنها مجرد آبار نفط وليست دولاً حقيقية، أو أنها تقود من خلال منظمة «أوبك» أعمالاً احتكارية في السوق النفطية، أو أن يتم تحميلها فاتورة التغيّر المناخي، أو أن تتحول مساعي ترامب في إثارة فتيل الأزمة الخليجية قبل 8 سنوات إلى خوارزميات نشطة تثير الخلافات، بل ربما الحروب بين أبناء الإقليم بشكل خفيّ ومحترف، أو أن تتحول بعض الحملات اليمينية المتطرفة، التي تتماهى مع جمهور ترامب حالياً تجاه الطبيعة الدينية أو الاجتماعية أو الأخلاقية في منطقتنا إلى مطالبات بعقوبات تمس استثمارات الخليج السيادية في العالم، وأهمها الولايات المتحدة.

للكويت نصيب

وربما يكون للكويت نصيب من القلق في هذا السياق، لكونها تعرضت قبل أشهر قليلة لسهام تصريحات مغلوطة أوردها وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك بشأن التكلفة التي تحمّلتها الولايات المتحدة لتحرير الكويت من الغزو العراقي، أو مشاركتها في إطفاء الآبار، وبالتالي إمكانية أن تحمل لنا منصات التواصل وخوارزمياتها الموجهة حملات أخرى مستقبلية متنوعة الأهداف وتحجب معلومات أو تتلاعب بالأحداث، خصوصاً أن تصريحات الوزير الأميركي بشأن أن الكويت لم تقدم للولايات المتحدة أي منفعة تذكر جاءت في سياق تدليس حقائق كتكاليف حرب تحرير الكويت أو مساهمة أميركا في إطفاء الآبار، فضلاً عن إخفاء أخرى مثبتة، منها أن نصف استثمارات صندوق الكويت السيادي أي ما يعادل 500 مليار دولار، إلى جانب استثمارات أخرى لمؤسستَي «التأمينات» و»البترول» مستقرة منذ عقود في أميركا.

وفي الحقيقة، لا يمكن استبعاد أي سلوك أو سياسات من ترامب وإدارته مهما كانت العلاقة جيدة مع دول الخليج أو الكويت، فمن كان يتوقع أن يلوّح أي رئيس أميركي يوماً بالخروج من حلف ناتو، أو يفرض رسوماً جمركية على الاتحاد الأوروبي، أو أن يصطدم مع أكبر حليف لأميركا في آسيا وهي الهند، فضلاً عن الشطحات المعلنة في الرغبة بالاستيلاء على قناة بنما أو ضم كندا وغرينلاند؟!

وقد يتساءل البعض عن كيفية التعاطي مع أوضاع مستجدة في عالم التواصل الاجتماعي، الذي بات يستهدف إحداث تحولات في السياسة والاقتصاد والتجارة في العالم كله؟

العلاقات العامة

يرى البعض أن التعامل مع مستجدات عالم التواصل يكون بمنع التطبيقات في الدول التي تخشى التأثر بحملات توجه الرأي العام الخارجية، وهذا مقترح خارج عن سياق زمن الفضاء المفتوح، ويغلق أي بلد عن العالم بكل ما يلحق به من تدهور في السمعة الدولية، وثمّة من يرى أن الحل في إيجاد البدائل، أي خلق تطبيقات محلية أو إقليمية تكون بديلة للتطبيقات العالمية، وهذا أيضاً غير عملي، لأنها لن توفر الأساس الذي يقوم عليه أي تطبيق ناجح، وهو الحرية والشفافية والخصوصية، التي يفترض أن تكون مرتكزاً في حملة العلاقات العامة لتسويق أي دولة أو مشروع إقليمي أو توضيح حملات تحمل معلومات غير دقيقة أو مغلوطة.

فوات الأوان

لذلك إن توفرت الحرية والشفافية والخصوصية فيمكن التعامل مع خوارزميات التطبيقات الحالية بشكل جيد من خلال إبراز العديد من المسائل الإيجابية كقوة ناعمة قد تحدّ من أي خوارزميات مفترضة تستهدف الإقليم الخليجي من خلال تعميق دوره كمنطقة مصالح استراتيجية للعالم أو أهمية ما يقدمه من أدوار في المحافظة على أمن الطاقة العالمي، أو أهمية الخليج في أداء دور جغرافي وتجاري في منتصف العالم، مع تأكيد أهمية معالجة أي ملف يحتوي على ملاحظات جادة في قضايا العمالة أو حقوق الإنسان أو الحريات... فصفقة «تيك توك» التي يعتبرها ترامب مسألة أمن قومي ويراها نتنياهو كأسلحة العصر الحديث، تبيّن لنا أن وسائل التواصل لم تعد أداة للترفيه أو منصة إعلامية فقط، بل باتت مشروعاً سيادياً يمثل مصالح دولية يجب فهمها والتعامل معها قبل فوات الأوان.

*المصدر: جريدة الجريدة الكويتية | aljarida.com
اخبار الكويت على مدار الساعة