اخبار الاردن

جو٢٤

سياسة

نتنياهو وخطة مارشال

نتنياهو وخطة مارشال

klyoum.com

نتنياهو وخطة مارشال

د. هاني العدوان

في تسجيل مسرب يتحدث نتنياهو الى ايلون ماسك كاشفا دون مواربة عن مشروع بالغ الخطورة ، مشروع لا يتوقف عند دمار غزة ولا ينتهي باسكات صوت المقاومة ، بل يبدأ بعد الصمت مباشرة بخطة مارشال جديدة ، خطة ظاهرها اعادة الاعمار وباطنها اعادة تشكيل الانسان العربي ، دينه ، لغته ، ذاكرته ، مفاهيمه ، رؤيته للعالم

يريد الكيان هذه المرة نصرا بلا طلقة ، نصر يمر عبر المدارس لا المتاريس ، عبر المسرح لا المدفع ، عبر المؤتمرات لا الخنادق ، نصر يبدل الكلمات في الكتب ويغسل المفاهيم في العقول ، وينحت هوية جديدة على مقاسه ، هوية تكره المقاومة وتخجل من دم الشهداء

نتنياهو قالها بوضوح ، لقد بدأنا فعليا بتنفيذ الخطة في ثلاث دول عربية دون ان يسميها ، لكنه ترك وراءه ادلة لا تقبل الانكار ، دول كانت ترفض التطبيع باتت تتسابق في الاحتفاء به ، انظمة حذفت كلمة العدو من المناهج واستبدلت رموز التحرير بعبارات عن الاستقرار والازدهار والتسامح المعلب على الطريقة الصهيونية

في هذه الدول تغيرت ملامح الوعي الشعبي ، خضع الاعلام وتسلل المستشارون الى وزارات التربية والثقافة ، تم تبييض وجه المحتل وتحويله الى جار يجب احتضانه ، صارت الشهادة عبثا ، وصار الجهاد تطرقا ، والدم العربي مادة باردة في نشرات الاخبار لا تحرك ساكنا

الخطة تنفذ بذكاء قاتل ، لا معسكرات ، لا دبابات ، فقط حفلات ومؤتمرات واعلانات عن الشراكة والسلام ، مراكز لحوار الاديان بادارة صهيونية ، ومهرجانات موسيقية على انقاض البيوت المهدمة في غزة ، ومقالات عن بناء الانسان الجديد

انها خطة مارشال بنسختها العبرية ، الخدعة ذاتها التي استخدمتها واشنطن مع المانيا واليابان بعد الحرب ، اذ اعادت بناء الحجر وازالت الهوية ، محوا للنازية هناك وتبديلا لعقيدة الساموراي هناك وترويضا للوعي الجمعي في الحالتين ، والان جاء دور العرب

يريد نتنياهو انسانا عربيا جديدا بلا ذاكرة ، لا يعرف النكبة ولا يحفظ اسماء الشهداء ، يرى القدس زقاقا سياحيا ، ويرى العدو شريكا في التنمية لا كائنا دمويا متغولا على الارض والتاريخ والانسان

حين يقول ان حماس تقف حجر عثرة امام هذه الخطة ، فانه لا يمدحها بل يقر بحقيقة ان وجودها يفسد مشروعا كاملا ، مشروع سحق الذاكرة قبل سحق الحجر ، لان المقاومة هنا ليست سلاحا فحسب ، بل معنى وهوية وعقدة في حلق كل خائن

لذلك ما يجري في غزة ليس حربا فقط ، بل تمهيد لمعركة الوعي ، معركة الانسان العربي مع ذاته ، مع تاريخه ، مع لغته ، مع ايمانه ، مع خريطته التي يراد طمسها كي تولد خريطة جديدة بلا فلسطين وبلا عدو وبلا شرف

وقد قالها بن غوريون سنقضي على العربي كهوية لا كجسد ، واعلنتها غولدا مائير بثقة حين ينسى العرب اطفالهم فلسطين ننتصر ، واليوم بعد ان نضجت الثمار الخبيثة يخرج نتنياهو ليعلن بدء الحصاد

لكن ما زال في الامة ما يفسد هذا الحصاد ، غزة تقف كالصخرة ، تقاتل بكل ما تبقى من شرف ، وتعيد تعريف العدو ، وتوقظ البوصلة ، وتفضح كل خائن وكل مثقف مأجور يكتب عن وهم السلام

المعركة المقبلة ليست معركة سلاح بل معركة معنى ، وان هزمت غزة هزمنا جميعا ، ليس فقط امام العدو بل امام انفسنا ، وان صمدت صمد معها اخر جدار بيننا وبين الاستسلام الثقافي الكامل

ما قاله نتنياهو هو بيان نوايا وخارطة طريق لاحتلال العقول ، فان لم نستعد لمعركة ما بعد الحرب ، سنستيقظ ذات يوم لنجد اولادنا يمجدون قاتلهم ويرددون نشيده ويكتبون اسمه على جدران الذاكرة كأنه محرر لا غاصب

*المصدر: جو٢٤ | jo24.net
اخبار الاردن على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com