اخبار اليمن

المشهد اليمني

منوعات

مسار السلام اليمني على مفترق طرق: جهود أممية متصاعدة وتعقيدات إقليمية تحول دون تحقيق اختراق

مسار السلام اليمني على مفترق طرق: جهود أممية متصاعدة وتعقيدات إقليمية تحول دون تحقيق اختراق

klyoum.com

في ظل جهود دولية مكثفة لإعادة إحياء العملية السياسية في اليمن، تتصاعد التحديات التي تعترض طريق السلام، مدفوعة بتعقيدات محلية وإقليمية متشابكة. فبينما تحاول الأمم المتحدة جمع الأطراف اليمنية على طاولة جديدة من المفاوضات، تبرز شروط جماعة الحوثي المتناقضة، وانخراطها المستمر في التصعيد العابر للحدود، كعقبة أساسية. وفي الوقت نفسه، تتمسك الحكومة الشرعية بمرجعيات ثابتة تركز على نزع سلاح الميليشيا وانسحابها من المدن، فيما يحذر محللون من أن الأزمة لم تعد يمنية صرفة، بل باتت جزءاً لا يتجزأ من معادلة الأمن الإقليمي الشائكة.

مواقف متباينة واشتراطات تعقّد المهمة

كشفت مصادر دبلوماسية عن تحركات أممية حثيثة لاستئناف المسار السياسي، وهو ما لقيت ترحيباً ظاهرياً من ميليشيا الحوثي. إلا أن هذا الترحيب سرعان ما تبخر بإطلاق الجماعة لشروط جديدة تعيد تعريف معالم أي اتفاق محتمل. أبرز هذه الشروط هو المطالبة بـ"عدم التدخل في الشؤون الداخلية"، وهي صيغة غامضة يُنظر إليها على أنها محاولة لتقليص دور المجتمع الدولي في ضمان أي اتفاق، إلى جانب إصرارها على تنفيذ البنود الاقتصادية في "خريطة الطريق" التي كانت قد رفضتها في وقت سابق، وذلك بالتوازي مع استمرار هجماتها على الملاحة الدولية ودول الجوار.

على النقيض تماماً، تبدو الحكومة اليمنية الشرعية وحكومتها متمسكة بـ"المرجعيات الثلاث"، وعلى رأسها القرار الأممي رقم 2216، الذي يرى فيه المجتمع الدولي ضمانة لسلام مستدام. وتؤكد الحكومة أن أي تسوية لا تشمل انسحاب الحوثيين من المدن المحتلة وتسليم أسلحتهم لن تكون سوى هدنة مؤقتة تتيح للميليشيا إعادة ترتيب صفوفها، مما يبقي اليمن ساحة مفتوحة للتصعيد في ظل هشاشة التهدئة الإقليمية الراهنة.

عوامل الفشل: منظور الحكومة اليمنية

من وجهة نظر صنعاء، يرى وكيل وزارة الإعلام اليمنية، أسامة الشرمي، أن فرص نجاح الجهود الدولية الحالية ضئيلة للغاية. ويوضح في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن "ترسانة الحوثي العسكرية الضخمة تمثل التهديد الأكبر"، مشيراً إلى أن "ما لم يتم نزع هذا السلاح وتطبيق القرار 2216، سيبقى اليمن بؤرة توتر ومصدراً للتهديد الإقليمي".

ويضيف الشرمي أن التصعيد الحوثي القادم لن يقتصر على الداخل اليمني، بل سيستهدف ممرات الملاحة والدول المجاورة "تنفيذاً للأجندة الإيرانية ومشروعهم المذهبي". ويربط المسؤول الحكومي فشل المبادرات السلمية بعاملين رئيسيين: أولهما، ربط طهران لمفاوضاتها النووية بسلوك أذرعها في المنطقة، مما يمنع أي حلول منفصلة في اليمن أو لبنان. وثانيهما، التصنيف الأمريكي للحوثيين كجماعة إرهابية، "ما يجعل التعامل معهم معقداً ويتطلب عزلهم لتحمل تبعات هذا التصنيف دون أن ينعكس سلباً على اليمن ككل".

من الصراع الداخلي إلى البعد الإقليمي

أدى عامان من التصعيد الحوثي المنظم ضد مصالح دولية وإقليمية إلى نقل الصراع اليمني من نطاقه المحلي إلى ساحة صراع إقليمية أوسع. ويشير مدير مركز "سوث 24" للدراسات، يعقوب السفياني، إلى أن "الأزمة اليمنية لم تعد شأناً داخلياً"، فمع استمرار التهديدات الإسرائيلية باستهداف الحوثيين، وارتباط الجماعة بـ"محور المقاومة" وتطورات ملف غزة ولبنان، بات أي حل سياسي مرهوناً بهذه المتغيرات.

ويؤكد السفياني أن "خريطة الطريق" الأممية باتت قديمة وغير صالحة للتطبيق. ويقترح "ضرورة تعديلها لتشمل وقفاً لإطلاق النار على المستويين الداخلي والخارجي"، محذراً من أن فصل ملف التصعيد الخارجي عن الداخلي هو "اللعبة التي يمارسها الحوثيون لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية محلية، بينما يواصلون توسعهم الإقليمي". ويعتبر أن أي اتفاق لا يأخذ هذا البعد في الحسبان "سيكون مكافأة على أعمالهم المخالفة للقانون الدولي".

طوق النجاة أم مناورة تكتيكية؟

فيما يتعلق بدوافع الميليشيا المفاجئة للعودة إلى طاولة المفاوضات، يرى الباحث السياسي، أحمد الشميري، أن هذا التحرك يأتي كـ"طوق نجاة" يبحث عنه الحوثيون للخروج من أزمتهم المتفاقمة. ويوضح أن الضربات الإسرائيلية والأزمة الاقتصادية الخانقة، بالإضافة إلى توقف الحرب في غزة الذي أزال ذريعتهم الرئيسية، "وضعهم في مواجهة مباشرة مع شعب يطالب بحقوقه".

ويخلص الشميري إلى أن رغبة الحوثيين في تنفيذ البنود الاقتصادية لخريطة الطريق يهدف بالأساس إلى "تغطية عجزهم المالي"، بينما يتمسكون بقدراتهم العسكرية كورقة رابحة للمراحل القادمة، مما يؤكد أن نظرتهم للسلام لا تزال تكتيكية وليست استراتيجية.

في المحصلة، تبدو الجهود الدولية لإحياء السلام في اليمن وكأنها تسير في حقل ألغام. فالتباين الشاسع في المواقف، وتداخل الأزمة اليمنية مع الصراعات الإقليمية الكبرى، وانعدام الثقة في نوايا الميليشيا الحوثية، يجعل تحقيق اختراق حقيقي يبدو بعيد المنال. ويبقى السؤال الأهم: هل يمكن لأي مسار سياسي أن ينجح في ظل رفض أحد أطرافه الرئيسيين التخلي عن أدوات العنف والانخراط الجاد في بناء سلام شامل ومستدام؟

*المصدر: المشهد اليمني | almashhad-alyemeni.com
اخبار اليمن على مدار الساعة