الشعب الكوري .. بين معجزة التنمية وثمن الضغوط
klyoum.com
حين يُذكر الشعب الكوري، تقفز إلى الذهن صورة مجتمع منضبط، متماسك، وناجح في تحويل بلاده من ركام حرب مدمرة إلى قوة اقتصادية وصناعية بارزة. غير أن الوجه الآخر للقصة يكشف عن ضغوط حياتية ونفسية تلقي بظلالها على الأفراد وتطرح أسئلة حول ثمن هذه النهضة السريعة.
من الفقر إلى الريادة
77.235.62.132
بعد الحرب الكورية (1950–1953)، كانت كوريا الجنوبية من أفقر دول العالم، تعتمد على المساعدات الدولية. لكن بفضل روح العمل الجماعي والاستثمار المكثف في التعليم والصناعة، انتقلت البلاد خلال عقود قليلة إلى مصافّ الاقتصادات الكبرى. شركات مثل سامسونغ وهيونداي وإل جي صارت أيقونات عالمية، فيما أصبحت سيول مدينة عصرية تضاهي كبريات العواصم.
التعليم.. بوابة الصعود
يولي الكوريون قيمة قصوى للتعليم، إذ يقضي الطلاب ساعات طويلة في المدارس والمراكز الخاصة، في سباق محموم نحو الجامعات المرموقة. هذه العقلية جعلت نسبة حملة الشهادات الجامعية من الأعلى عالميًا، لكنها بالمقابل أفرزت مستويات غير مسبوقة من الضغط النفسي على المراهقين والشباب.
القوة الناعمة الكورية
لم يقتصر الحضور الكوري على الاقتصاد والتكنولوجيا، بل امتد إلى الثقافة. فالموسيقى الكورية (K-pop)، والدراما التلفزيونية، والأفلام، تحولت إلى أدوات “قوة ناعمة” غزت العالم، ورسخت صورة مبهرة عن كوريا كدولة شابة وحيوية.
ضعف الحضور الديني
على الرغم من التقدم الاقتصادي والثقافي، يظهر المجتمع الكوري أقل تدينًا مقارنة بكثير من الشعوب الأخرى. تشير الإحصاءات إلى أن نسبة كبيرة من الكوريين تُصنّف نفسها بأنها “بلا دين”، بينما يتوزع الباقون بين المسيحية والبوذية. هذا الطابع العلماني المتزايد جعل الدين أقل تأثيرًا في حياة الأفراد وتوجهاتهم، وهو ما يراه بعض المراقبين سببًا في فراغ روحي يفاقم من حدة الضغوط النفسية والاجتماعية التي يعيشها الشباب، ويزيد من عزلة الفرد وسط زخم الحياة المادية.
ضريبة النجاح
ورغم هذه النجاحات، يعاني المجتمع الكوري من مشكلات متنامية:
•ضغط العمل والدراسة: ساعات العمل الطويلة والدروس الخصوصية المكثفة خلقت أجواء من التوتر، ورفعت معدلات الانتحار خصوصًا بين الشباب.
•المظاهر والتجميل: الاهتمام المبالغ فيه بالشكل الخارجي أدى إلى انتشار واسع لعمليات التجميل، حتى باتت سيول تُعرف بأنها عاصمة الجراحة التجميلية.
•العنصرية والانعزال: المجتمع شديد التجانس، مما يثير صعوبات أمام الأجانب أو حتى الزيجات المختلطة.
•الضغوط الاقتصادية: ارتفاع تكاليف المعيشة، خاصة في العاصمة، جعل شراء المنازل وتكوين الأسر حلمًا بعيد المنال، وأسهم في انخفاض معدلات الزواج والإنجاب.
معادلة صعبة
خبراء علم الاجتماع يرون أن كوريا الجنوبية تقف أمام معادلة صعبة: كيف تحافظ على زخمها الاقتصادي والثقافي، وفي الوقت نفسه تتعامل مع الضغوط النفسية والاجتماعية التي تهدد نسيجها الداخلي؟
صورة مزدوجة
في النهاية، يبدو الشعب الكوري في نظر المراقبين تجسيدًا لصورة مزدوجة: أمة نجحت في كتابة واحدة من أسرع قصص التحول الاقتصادي في العصر الحديث، لكنها في الوقت ذاته تواجه تحديات إنسانية عميقة. بين الانضباط والإنهاك، وبين الريادة والمعاناة، تستمر التجربة الكورية في تقديم دروس للعالم عن كلفة التقدم وسقف الطموح البشري.