(القيد)... امتداد لأنسنة الصحراء في السينما السعودية
klyoum.com
لا يمكن تناول الفيلم السعودي «القيد» بمعزل عن تجارب الأفلام المحلية، التي بدأت تفرض نفسها باعتبارها لوناً سينمائياً محلياً يتشكل الآن. فأهمية الفيلم الذي بدأ عرضه قبل أسبوع في صالات السينما السعودية، ووصل سريعاً إلى قائمة الأفلام الخمس الأوائل في شباك التذاكر المحلية، تكمن في موقعه داخل مسار بدأ يتبلور بين الأفلام السعودية، وهو سينما الصحراء، بحسب الشرق الأوسط.
هذا الفيلم يستكمل تجارب صُناع الأفلام في أنسنة الصحراء، ويظهر ذلك بوضوح في العمل، الذي يتعامل مع الصحراء بوصفها كائناً حياً وشخصية سينمائية، تختبر صبر الشخصيات ومدى تحمّلهم للظروف الصعبة، وفي أحيان كثيرة تكشف شجاعتهم أو خوفهم، كما جاء توظيف لقطاته الواسعة لخلق حالة من الضياع والوحدة، وهي دلالات تتفرد فيها الصحراء؛ على نقيض المدينة التي تعكس وجه الحداثة والتكنولوجيا والتحديات المعاصرة.
هويّة الصحراء
ويبرز في كل فيلم سعودي أسلوب المخرج الخاص في التعامل مع الصحراء؛ ففي «القيد» نجح تعاون الكاتب أحمد الحقيل مع المخرج حسام الحلو في إظهار قسوة الصحراء وجعلها ساحة للانتقام والأخذ بالثأر. بينما اعتمد عبد العزيز الشلاحي على اللقطات البانورامية في «هوبال» لتعزيز شعور العزلة، فيما ركز توفيق الزايدي على الفراغ في «نوره» للتعبير عن الاغتراب، واعتمد أبو بكر شوقي على الجموع والحشود في «هجان» ليلامس شعور البطل بالتنافس والرغبة بالفوز، أما مشعل الجاسر فاختار اللقطات الضيقة في «ناقة» لخلق حالة من التوتر النفسي التي رافقت البطلة طيلة الأحداث.
كل فيلم يتخذ جزءاً من أهميته بسبب موقع تصويره، وكثير من هذه الأفلام تم تصويرها في صحراء بجدة الواقعة في نيوم (شمال السعودية)، وقد صرح بعض المخرجين في أحاديث سابقة لـ«الشرق الأوسط» بأن الصحراء لم تكن مجرد مكان، بل هي جزء رئيسي في القصة، مع حرص كل مخرج على تكوين هوية بصرية خالصة للصحراء السعودية، مختلفة عن الصحاري القاحلة التي تظهر كثيراً في الأفلام الأميركية.
«القيد» ينتصر للصورة
في هذا الإطار، برزت قوة فيلم «القيد»، الذي حضرت «الشرق الأوسط» إحدى عروضه، وقدم لقطات استثنائية للصحراء، لم يألفها الجمهور المحلي في الأفلام السابقة، مثل مشاهد الثلج المتساقط فوق كثبان الرمال، وزخّات المطر التي روت عطش الصحراء، والعاصفة القوية التي غطت الشاشة وأحاطت بالشخصيات، فالصحراء لم تكن هنا إطاراً لحكاية متكاملة، بل هي المشهد ذاته، في موت يتكرر، ومطاردة لا تنتهي، وقدر يبتلع الجميع.
الفيلم الذي يأتي من إنتاج «تلفاز 11»، استغرق تصويره أكثر من 60 يوماً في نيوم، وسط تضاريس وعرة وبرد قارس وصلت درجات حرارته إلى 4 درجات مئوية تحت الصفر، كما ظهر أبطال العمل بملابس شتوية ثقيلة تُظهر صعوبة الطقس، وهو ما يجعل «القيد» حالة سينمائية مختلفة عما شاهده الجمهور، في العمل الذي شارك في بطولته يعقوب الفرحان وسعد الشطي وخالد عبد العزيز، ونخبة من الوجوه البارزة.
وفور صدوره، لفت «القيد» الانتباه سريعاً، خاصة أن قصته تتناول رحلة ثأر وانتقام محفوفة بالمخاطر، حيث يشق البطل طريقه عبر صحراء لا ترحم، ساعياً وراء غريمه وأعوانه، فيترصد الموت الجميع، وتكثر المشاهد الدموية في الفيلم ما يرفع تصنيف الفئة العمرية للمشاهدة إلى 18 عاماً، على عكس الكثير من الأفلام السعودية الأخرى.
علاقة سينمائية وثيقة
اليوم، مع حضور «القيد» إلى جانب «هوبال» و«نوره» و«هجان» و«بين الرمال» و«ناقة»، تتضح ملامح تيار فني سعودي يضع الصحراء في قلب الحكاية السينمائية، في أفلام لا تعكس فقط ملامح المكان، بل تستثمره لإنتاج سرديات إنسانية متشابكة تتناول العزلة والاغتراب والثأر والتحدي. إلا أن علاقة صانع الفيلم السعودي بالصحراء ليست جديدة، حيث سبقت هذه الأفلام الروائية الطويلة كثيراً من الأفلام القصيرة التي تناولت الصحراء، وكانت نقطة انطلاقة معظم المخرجين السعوديين. كما أن «سينما الصحراء» هي محور الدورة السابعة من مهرجان أفلام السعودية؛ التي أقيمت عام 2021 بمدينة الظهران، وحققت أصداء واسعة حينها، مع توفير الجهات المعنية في البلاد جميع الإمكانات لدعم صُناع الأفلام الذين يحاولون تقديم أعمال من قلب الصحراء وإليها.