«إسرائيل الكبرى» من جابوتنسكي إلى نتنياهو
klyoum.com
أخر اخبار اليمن:
الإنتاج الصناعي في منطقة اليورو يرتفع وثقة المستثمرين الألمان تتحسنتحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخراً عن أنه في «مهمة روحية وتاريخية من أجل إسرائيل الكبرى»، كما تحدث في مناسبات عدة عن تقديره العالي لمفكر صهيوني متطرف، اسمه زئيف جابوتنسكي، مفكر تسيطر أفكاره – رغم موته قبل ميلاد دولة الاحتلال الإسرائيلي – على توجهات الصهيونية الدينية والقومية الحاكمة اليوم في إسرائيل.
77.235.62.132
ما الحكاية؟
ينبغي – أولاً – الإشارة إلى أن لمصطلح «إسرائيل الكبرى» تفسيرات مختلفة لدى مستويات سياسية وآيديولوحية متعددة في إسرائيل، فهناك من يراها تشمل حدود فلسطين التاريخية، وآخرون يرونها تشمل إسرائيل التوراتية بحدود أرض الميعاد، «حدودك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات»، وتلك تشمل فلسطين الانتدابية كلها، بالإضافة إلى شرق الأردن والصحراء السورية إلى الفرات، وهناك من يضم لها أجزاء من سيناء، ويذهب بعض اليهود المتطرفين إلى جعل بعض المستوطنات اليهودية العربية القديمة جزءاً من تلك الدولة الموعودة.
وعلى الرغم من اختلاف الإسرائيليين حول حدود إسرائيل، إلا أن الثابت أن أضيق حدود هذه الدولة، في تصور الصهيونية الدينية والقومية الحاكمة اليوم، أضيق هذه الحدود هي تلك التي تشمل «فلسطين الانتدابية»، من النهر إلى البحر، حسبما يصرح وزراء في حكومة نتنياهو، مثل: بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير. هذا – بالطبع – يعني إلغاء حل الدولتين، بما يتضمنه الإلغاء من تهجير قسري، وتطهير عرقي، عدا عن أن التوجهات الصهيونية اليوم لا تكتفي بمجرد الحدود الجغرافية، ولكنها تريد توسيع مفهوم «الوطن الجيوسياسي»، ليشمل كل «الشرق الأوسط الجديد» الذي تكون فيه الريادة لإسرائيل.
وهذا الخلاف حول حدود «الوطن القومي» كان بين مؤسسي الحركة الصهيونية أنفسهم الذين اتحدوا في الهدف، واختلفوا في وسائل تحقيقه. بالنسبة لمنظري «الصهيونية السياسية» التي تزعمها تيودور هرتزل فإنهم كانوا يرون أن إقامة وطن قومي لليهودي يجب أن يعتمد على جلب الدعم السياسي والاقتصادي، والتأسيس للمشروعية القانونية، عبر الاتفاقيات والمعاهدات أولاً، فيما رأى منظرو «الصهيونية العملية» أن تأسيس هذا الوطن ينبغي أن يركز على فرض أمر واقع بإجراءات عملية من هجرة واستيطان، في المقام الأول، بينما رأى صهاينة آخرون ضرورة العمل على المسارين النظري: سياسياً واقتصادياً وقانونياً، والعملي عبر الهجرة والاستيطان والإجراءات التنفيذية. غير أن منظراً صهيونياً متطرفاً – هو زئيف جابوتنسكي – تجاوز كل ذلك إلى الدعوة للتفعيل المتشدد لكل الطروحات التنظيرية، والتحول إلى الإجراءات العملية التي تشمل استعمال القوة والعمل المسلح، لتحقيق حلم «الوطن القومي»، وفق نظرة أوسع لحدود هذا الوطن الموعود.
وكما عارض عارض جابوتنسكي طروحات «الصهيونية العملية» عند حاييم وايزمان، فإنه – كذلك – عارض طروحات «الصهيونية اليسارية» وغيرها من طروحات كان يراها «لينة»، لن تؤدي – من وجهة نظره – إلى قيام دولة اليهود في «وطنهم التاريخي»، والذي يرى جابوتنسكي أنه هو «الأرض الموعودة» التي تشمل كامل أراضي «فلسطين الانتدابية»، بالإضافة إلى شرق الأردن، والصحراء السورية، لتكون «أرض إسرائيل» في «ما بين النهرين»، حسب الترجمة الصهيونية للنصوص التوراتية، إذ عارض جابوتنسكي فكرة التقسيم التي كانت متداولة سنة 1937، والتي – بموجبها – تكون حدود إسرائيل حول «فلسطين الانتدابية» فقط.
نظم جابوتنسكي أفكاره فيما عرف بـ«الصهيونية التصحيحية» التي تقوم على التشدد في الطرح والممارسة، وتوسيع حدو الوطن القومي، وقد شكلت أفكاره وتأطيراته الأساس النظري والتنظيمي لليمين الإسرائيلي من بعده، حيث أنشأ «حلف الصهيونيين التصحيحيين»، أو (هتسوهار) الذي خرج منه حزب «حيروت»، وهو حزب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، اليميني مناحم بيغن الذي أصبح فيما بعد أكبر أحزاب التكتل اليميني الإسرائيلي المعروف بـ«ليكود»، حزب رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو.
وناهيك على العمل السياسي والطرح التنظيري الذي نشط فيه جابوتنسكي فإنه دعا – كذلك – إلى الانخراط في العمل المسلح، لتحقيق هدفه، وذلك بالوقوف مع بريطانيا ضد الدولة العثمانية وألمانيا، أثناء الحرب العالمية الأولى، من أجل طرد العثمانيين من فلسطين، لأنه كان يرى أن سيطرة البريطانيين على فلسطين ستمهد الطريق لإنشاء الوطن الموعود، وهو بالفعل ما كان.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف دعا جابوتنسكي اليهود إلى القتال لصالح بريطانيا في الحرب، وتولى شخصياً قيادة كتيبة فيما كان يعرف بـ«الفيلق اليهودي» الذي خاض الحرب، ضد دول المحور، من أجل تحقيق هدفه في «انتداب بريطانيا على فلسطين»، وطرد العثمانيين منها. وفوق ذلك فإن كثيراً من العصابات الصهيونية التي ارتكبت الفظائع ضد القرى العربية الفلسطينية، أثناء وبعد «الانتداب البريطاني» كانت تستند إلى أفكار جابوتنسكي، وهي العصابات التي شكلت فيما بعد الجيش الإسرائيلي الذي يرتكب جرائم الإبادة والتهجير القسري في قطاع غزة اليوم.
كانت رؤية جابوتنسكي تقوم على فكرتين رئيسيتين: الأولى «القسوة الصهيونية»، والثانية «اليأس العربي»، وكان يرى أن الثانية هي النتيجة الطبيعية التي ستحدث عندما تتحقق الأولى، وكان يعتقد – كذاك – أن العرب لا تصلح معهم إلا «لغة القوة»، وهذه القوة يجب أن تقوم على أساس عدم المبالاة في سفك دمائهم، واستعمال القوة المفرطة التي يمكن من خلالها زراعة اليأس لدى الفلسطينيين تحديداً، والخوف لدى بقية العرب، وبهذه الوسيلة الوحيدة يمكن إرغام العرب على قبول دولة إسرائيل التي لم يشهد جابوتنسكي ميلادها، لأنه مات سنة 1944، في الولايات المتحدة، ودفن بها، قبل أن ينقل جثمانه لاحقاً إلى إسرائيل، بعد وفاته بأربعة أعوام، بناء على وصيته في أن يدفن في أرض الدولة المنتظرة.
وإذا كان جابوتنسكي يرى أن مبدأي: القوة واليأس هما الوسيلة الوحيدة لجعل الفلسطينيين يقبلون بفكرة بقاء دولة إسرائيل فإن نتنياهو وحكومة الحاخامات الحالية في إسرائيل تسير على الطريق ذاته، وترى أن وصول الفلسطينيين في غزة – عبر القوة – إلى حالة اليأس كفيل بتركهم غزة، وبالتالي تنفيذ خطة التهجير القسري، حيث تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى جعل غزة مكاناً غير قابل للعيش، تمهيداً لطرد سكان القطاع منه، كخطوة على طريق جابوتنسكي ـ نتنياهو الطويل نحو «إسرائيل الكبرى» التي لم تعد مجرد حلم طوباوي، بل فكرة متجذرة لدى اليمين الصهيوني الحاكم يسعى بكل الوسائل لتحقيقها.
*القدس العربي