اخبار الإمارات

الخليج أونلاين

سياسة

من طباعة العملة إلى الهيمنة الدولية.. هكذا يهز الدولار اقتصاد العالم

من طباعة العملة إلى الهيمنة الدولية.. هكذا يهز الدولار اقتصاد العالم

klyoum.com

سلمى حداد - الخليج أونلاين

- طباعة الدولار الأمريكي ساهمت في تصدير التضخم العالمي وأثرت على الأسواق الناشئة والدول المرتبطة بالدولار.

- دول الخليج اضطرت لرفع الفائدة مجاراة للفيدرالي رغم انخفاض التضخم المحلي.

- دول الخليج بدأت اتخاذخطوات احترازية من خلال تنويع احتياطياتها بالذهب والعملات الأجنبية الأخرى

في كل مرة يصدر فيها "الاحتياطي الفيدرالي" الأميركي قراراً بطباعة مزيد من الدولارات، تتقلب أسواق في أقصى الكرة الأرضية، وتتأثر معيشة شعوب لم تطأ أقدامهم أرض الولايات المتحدة قط.

فالدولار، هذه الورقة النقدية التي كانت مرتبطة بالذهب ذات يوم، أصبحت عملة العالم بلا منازع، تُملي على الدول سياسات اقتصادية وتفرض عليها واقعًا مالياً لا فكاك منه.

ورغم فكّ ارتباطه بالذهب رسمياً عام 1971، حافظ الدولار على مكانته المهيمنة في النظام المالي العالمي، وظل الملاذ الآمن للمستثمرين، والعملة المرجعية في التسعير والتجارة العالمية، خصوصاً للنفط والسلع الأساسية.

لكن هذه الهيمنة لم تأتِ بدون تبعات، لا سيما على الدول التي تربط عملاتها بالدولار أو تعتمد عليه بشكل أساسي، مثل غالبية دول الخليج العربي.

هيمنة الدولار

عقب الحرب العالمية الثانية، وُضع نظام "بريتون وودز" الذي جعل الدولار يُقاس بالذهب (35 دولاراً للأونصة)، وبقية العملات تُقاس بالدولار.

لكن مع ارتفاع كلفة الحرب الفيتنامية والضغوط الاقتصادية، أعلن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عام 1971 إلغاء تحويل الدولار إلى ذهب، منهياً بذلك عصر "غطاء الذهب".

ورغم ذلك، لم تنهَر الثقة بالدولار، بل على العكس، قامت الولايات المتحدة بربط الدولار بصادرات النفط من خلال اتفاق سري مع السعودية في السبعينيات، اشترطت فيه أن يتم بيع النفط حصرياً بالدولار، وهو ما رسّخ هيمنة "البترودولار".

وأصبح الدولار أداة تحوّط دولية، لا لارتباطه المادي بذهب أو أصل، بل لارتباطه بهيمنة سياسية واقتصادية وعسكرية أمريكية عالمية.

ولم تؤثر التحولات الهيكلية التي شهدها النظام النقدي الدولي طيلة العقود الماضية على هيمنة الدولار، فيما تشير وزارة الخزانة الأميركية إلى أن حصة الدولار من الاحتياطيات لا تزال نفسها منذ ثلاثة عقود، وبقيت أعلى من 50٪من مجمل الاحتياطيات الأجنبية حول العالم.

ويقول أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية العراقي، عبدالرحمن نجم المشهداني، إن هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي "استمدها تاريخياً منذ الحرب العالمية الثانية بعدما ضعف الجنيه الإستيرليني، وظهر الدولار والولايات المتحدة كقوة اقتصادية، حيث كانت العديد من الدول الأوروبية بحاجة لإعادة الإعمار بعد الحرب".

ويضيف المشهداني، في تصريحات نقلتها قناة "الحرة" الأمريكية، إن "الولايات المتحدة استطاعت أن ترسخ الدولار كعملة عالمية يمكن ربط العملات الوطنية بها".

ويوضح أن الدولار قبل السبعينيات من القرن الماضي أستطاع فرض نفسه كعملة عالمية إذ كانت تجرى به نحو 70٪ إلى 80٪ من التبادلات التجارية.

سياسات طباعة الدولار

على مرّ السنوات، لجأت الولايات المتحدة إلى طباعة كميات ضخمة من الدولار كحل لأزماتها، من أزمة 2008 المالية إلى جائحة كورونا.

ما يسمى بسياسة "التيسير الكمي" زادت من المعروض النقدي، ما رفع معدلات التضخم في الولايات المتحدة، لكنه أثّر عالمياً بطريقة أكثر حدة.

فالاحتياطات النقدية للبنوك المركزية حول العالم، التي تحتفظ بها بالدولار، تفقد جزءاً من قيمتها عند كل موجة طباعة.

كما أن انخفاض قيمة الدولار بسبب الطباعة زيادة عن الحد له يؤدي إلى خروج رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة نحو الولايات المتحدة.

ومع كل زيادة في المعروض من الدولار، تتضخم السيولة العالمية، وترتفع أسعار السلع الأساسية كالغذاء والطاقة، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة في الدول الأخرى حتى لو كانت اقتصاداتها مستقرة.

ووفق بيانات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فإن حجم القاعدة النقدية الأمريكية (M2) تضاعف بنسبة +40% بين 2020 و2022 فقط.

وبحسب تقرير لصندوق النقد الدولي صدر العام الماضي، فإن طباعة الدولار ساهمت في رفع التضخم العالمي بمعدل 2% إضافية فوق المستويات المتوقعة.

ويقول رئيس كلية كوينز بجامعة كامبريدج، محمد العريان، إن "طباعة الدولار بحجم ضخم دون ضوابط حقيقية جعلت الأسواق الناشئة تتحمل تكلفة التضخم المستورد، رغم أنها لم تستفد من حزم التحفيز الأمريكية"، وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية.

وفي هذا السياق، تعتبر كريستالينا جورجيفا، مديرة صندوق النقد الدولي، أن "الطباعة الهائلة للدولار أدت إلى تدفقات رأس مال متقلبة، وأجبرت الأسواق الناشئة على رفع أسعار الفائدة مما كبح نموها الاقتصادي".

ربط العملات الخليجية

السعودية، الإمارات، البحرين، وقطر تربط عملاتها بالدولار بشكل مباشر للحفاظ على استقرار العملات ولضمان جذب الاستثمارات الدولية.

و"ربط العملة" هو جزء من السياسة النقدية بتحديد البنك المركزي في دولة سعر صرف ثابت لعملتها أمام عملة أجنبية أو سلة عملات أجنبية لها أوزان مختلفة.

و"سعر الصرف" هو قيمة العملة مقارنة بالعملات الأجنبية الأخرى، وبعض الدول تتبع سياسة التثبيت والربط بعملة أخرى مثل غالبية دول الخليج، أو بتعويم سعر الصرف وتركه عرضة للتقلب تبعا لعوامل "العرض والطلب" مثل مصر.

وهناك 65 دولة حول العالم تربط عملاتها بالدولار الأميركي، بينها دول عربية تضم: البحرين، السعودية، الإمارات، الأردن، قطر، عُمان.

وكانت الكويت تربط عملتها بالدولار حتى العام 2002 عندما عدلت سياستها النقدية للربط بسلة عملة وفق الموقع الإلكتروني لـ"بنك الكويت المركزي".

وتقوم الدول عادة بربط عملاتها باقتصادات أقوى بما يتيح "للشركات المحلية من الوصول إلى أسواق أوسع بمخاطر أقل"، وفي التاريخ الحديث كان الدولار إلى جانب اليورو والذهب من أبرز الخيارات أمام الدول للربط بالعملات الوطنية.

ومن أبرز إيجابيات ربط العملات الوطنية بالدولار إمكانية توسيع تجارتها، وتعزيز دخلها الوطني بمستويات مستقرة خاصة عندما تكون التقلبات في سعر الصرف والتعريفات الجمركية.

ولكن هذا الارتباط يعني أن كل سياسات الفيدرالي الأمريكي (سواء ملائمة أو غير ملائمة للوضع المحلي) يتم نقلها تلقائياً إلى الاقتصادات الخليجية.

وحسب تقرير أصدره البنك المركزي السعودي (ساما) في ديسمبر الماضي، فإن السعودية رفعت أسعار الفائدة أربع مرات متتالية خلال 2023 و2024 بمعدل 0.25 نقطة في كل مرة، مجاراة لقرارات الفيدرالي، رغم أن التضخم المحلي كان تحت السيطرة عند 2.5% فقط.

وعلى الرغم من أن ربط العملات الخليجية بالدولار يؤدي إلى الاستقرار النقدي، لكنه يجعل دول الخليج غير قادرة على استخدام أدوات السياسة النقدية الخاصة بها لمعالجة التضخم المحلي.

كما أن الاعتماد الكلي على الدولار يجعل الاقتصادات الخليجية هشاً أمام أزمات الدولار، مثل ما حدث خلال الأزمة المالية العالمية عندما تعرضنا لموجة تضخمية كبيرة رغم متانة أساساتها الاقتصادية.

تأثيرات وخطوات احترازية

ويعلق المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر حول ذلك قائلا، إن "طباعة الدولار الأمريكي بشكل مكثف خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد جائحة كورونا، أدت إلى تصدير التضخم إلى بقية دول العالم"، مشيراً إلى أن الأسواق الناشئة والدول التي تربط عملتها بالدولار كانت من بين الأكثر تضرراً.

وأوضح أبو قمر في حديث لـ"الخليج أونلاين"، أن "الولايات المتحدة ضخت سيولة ضخمة لتحفيز اقتصادها الداخلي، لكنها في ذات الوقت قامت عملياً بتصدير مشكلات التضخم إلى الأسواق الأخرى"، لافتاً إلى أن هذه الدول تلقت أثراً سلبياً يتمثل في ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وزيادة تكاليف الاقتراض، من دون أن تستفيد من الدعم الأمريكي المباشر.

وفيما يتعلق بالدول التي تربط عملتها بالدولار، مثل دول الخليج، أشار إلى أن هذه الدول "اضطرت إلى رفع أسعار الفائدة تماشياً مع قرارات الفيدرالي الأمريكي، رغم أن مستويات التضخم المحلية لديها لم تكن بالضرورة مرتفعة".

وأكد أن هذا التوجه أدى إلى "إبطاء النمو المحلي وزيادة الأعباء التمويلية على الأفراد والشركات، وأثر كذلك على أسواق العقار والائتمان".

وأضاف أبو قمر أن "دول الخليج رغم امتلاكها فوائض مالية وعائدات نفطية ضخمة، إلا أن اعتمادها الكامل على الدولار يجعل اقتصاداتها مكشوفة أمام أي اضطرابات محتملة في العملة الأمريكية أو النظام المالي الغربي بشكل عام".

وأشار إلى أن بعض دول الخليج بدأت بالفعل باتخاذ خطوات احترازية، من خلال تنويع احتياطياتها بالذهب والعملات الأجنبية الأخرى، إضافة إلى تعزيز تعاملاتها بعملات بديلة وتقوية بنيتها الاقتصادية الداخلية".

*المصدر: الخليج أونلاين | alkhaleejonline.net
اخبار الإمارات على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com