اخبار الإمارات

الإمارات اليوم

سياسة

من فيتنام إلى أوكرانيا.. أميركا تكرر الأخطاء نفسها

من فيتنام إلى أوكرانيا.. أميركا تكرر الأخطاء نفسها

klyoum.com

قد يبدو أن فقدان الذاكرة التاريخية ليس بالضرورة أمراً سلبياً، على الرغم من التحذير الذي ورد في كتاب جورج سانتيانا «حياة العقل» عام 1905، حيث قال إن «الذين لا يستطيعون تذكر الماضي محكوم عليهم بتكراره»، لكن يبدو أن الإنسان حتى مع تذكره للماضي يجد نفسه في كثير من الأحيان محكوماً بتكرار الأخطاء، بما في ذلك الأخطاء الفادحة والكوارث، فعلى سبيل المثال ماذا تعلّمت الولايات المتحدة من فشلها في فيتنام عندما قررت تكرار الأخطاء نفسها في أفغانستان والعراق بعد ثلاثة عقود؟

إحدى الطرق المثيرة للاهتمام لتحليل الحرب الأوكرانية هي مقارنتها بحرب فيتنام، فبعض المحللين يرون أن هناك تشابهات بين الحالتين قد تقدم لنا رؤية مهمة حول كيفية تطور هذا الصراع، وكيف يمكن أن ينتهي، وبعد تقسيم شبه جزيرة الهند الصينية الفرنسية، عام 1954، إلى فيتنام الشمالية والجنوبية، يمكن اعتبار أوكرانيا مثالاً يشبه هذين الجانبين.

في ذلك الوقت، كانت فيتنام الشمالية، بقيادة هوشي منه، تسعى لتوحيد الشطرين، وبعد أن تعافت من الحرب مع فرنسا وبدأت في إعادة بناء الدولة وفقاً لنظام شيوعي، كان هوشي يعلم أن هذا الصراع سيكون طويل الأمد وربما يمتد لعقود.

وكانت استراتيجية التوحيد التي اعتمدها قائمة على استغلال الخلافات داخل الجنوب، التي كانت تتراوح بين الأغنياء الذين كانوا يحكمون لمصلحتهم، والفقراء الذين كانوا يعانون، إضافة إلى التوترات الدينية.

«أحجار الدومينو»

نتيجة لذلك نشأت مجموعة من الثوار في الجنوب، حيث كانت مصالحهم تتفاوت، وكان البعض منهم مرتبطاً بحكومة هانوي. ومع مرور الوقت تمكنت هذه الجماعات من زيادة نفوذها على أجزاء كبيرة من الجنوب، بينما فشلت حكومة سايغون في مقاومة هذا التقدم. وفي النهاية لم يقتصر الصراع على صراع داخلي فقط، بل كانت تداعياته على الصعيد الدولي أيضا.

في عام 1961، وبخوف من انهيار «أحجار الدومينو» في جنوب شرق آسيا تحت سيطرة الكتلة الشيوعية، ارتكبت إدارة الرئيس الأميركي السابق جون إف كينيدي خطأً فادحاً عندما وعدت بالتصعيد العسكري في فيتنام، ففي النهاية انزلقت الولايات المتحدة إلى ما أصبح لاحقا ما يُسمى بـ«مستنقع فيتنام»، حيث تم نشر نحو نصف مليون جندي أميركي في فيتنام الجنوبية، وبدأت الولايات المتحدة في قصف فيتنام الشمالية، كمبوديا، ولاوس بشكل مكثف.

لكن بعد 14 عاماً انسحبت الولايات المتحدة، وبعد أن أوقف الكونغرس التمويل، سقطت فيتنام الجنوبية بسرعة في يد الشيوعيين. وصور انسحاب آخر جندي أميركي عبر المروحية من سفارة الولايات المتحدة في سايغون كانت تجسد بشكل مؤلم فشل هذه الحرب.

درس تاريخي

كيف يمكن أن ننظر إلى هذا الدرس التاريخي في سياق الحرب الأوكرانية؟ من المثير للاهتمام أنه إذا تم النظر إلى أوكرانيا عبر عدسات هانوي، فيمكن اعتبارها شبيهة بكلا الجانبين في فيتنام: الشمال والجنوب، فكما كانت فيتنام الشمالية مدعومة من الاتحاد السوفييتي والصين، فإن أوكرانيا اليوم تتلقى دعماً كبيراً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي «الناتو».

إلى جانب ذلك، يبدو أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يرى أن أوكرانيا يجب أن تستعيد جميع المناطق التي فقدتها، تماماً كما كان الحال بالنسبة لفيتنام الشمالية في مسعاها لتوحيد البلاد. ومع ذلك يفرض ترامب على الاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو» تحمل العبء المالي الكبير لهذا الصراع.

وإذا كان شمال فيتنام قد اعتمد على تكتيكات حرب العصابات في صراعه مع الجنوب، فإن أوكرانيا اليوم تستخدم تكتيكات مشابهة، مثل الهجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ ضد القوات الروسية.

اختلافات كبيرة

ومع ذلك هناك اختلافات كبيرة بين حرب فيتنام وحرب أوكرانيا، فعلى الرغم من أن روسيا تشن هجوماً على أوكرانيا مشابهاً للطريقة التي هاجم بها شمال فيتنام الجنوب، فإن الحرب الأوكرانية تشهد معارك تقليدية أكثر ضراوة. وبعكس فيتنام الجنوبية التي كانت تعاني من حكومة منقسمة وغير شعبية، فإن أوكرانيا اليوم تتمتع بحكومة قوية وجيش كفء وقادر على الدفاع عن أراضيه.

أما بالنسبة لاحتمال استسلام أوكرانيا، فقد لا يكون ذلك نتيجة لقوة روسيا بقدر ما كان في حالة فيتنام الجنوبية، فالأمر الأكثر احتمالاً هو أن الدعم الدولي لأوكرانيا قد يضعف في المستقبل، تماماً كما حدث مع فيتنام الجنوبية عندما قطع الكونغرس الأميركي الدعم، فإذا قرر الاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو» تقليص الدعم المالي والعسكري، فقد يؤدي ذلك إلى نتائج مشابهة.

أحد الفروقات الجوهرية بين الحالتين هو أن خسارة فيتنام الجنوبية لم تكن لها عواقب جيوستراتيجية كبيرة على المدى الطويل، في حين أن فشل أوكرانيا سيكون له تأثير كبير على الأمن الأوروبي والعالمي، كما أن التهديدات المحتملة من روسيا لن تقتصر على أوكرانيا فحسب، بل قد تمتد إلى دول أخرى في المنطقة. هارلان أولما*    *كاتب وكبير المستشارين في «أتلانتك كاونسل»   عن «ذي هيل»

• كما كانت فيتنام الشمالية مدعومة من الاتحاد السوفييتي والصين، فإن أوكرانيا تتلقى دعماً كبيراً من أميركا والاتحاد الأوروبي و«الناتو».

*المصدر: الإمارات اليوم | emaratalyoum.com
اخبار الإمارات على مدار الساعة