بورتريه.. شعب فلسطين محرر الشعوب
klyoum.com
ربما كانت البشرية في حاجة إلى دماء 50 ألف فلسطيني لتستعيد إنسانيتها وتبدأ في صياغة تاريخ جديد على أنقاض تفكك سردية المحرقة الصهيونية ما حدث ويحدث في فلسطين الأبية الصامدة هو بالفعل معركة الحسم بين أحرار العالم وشياطين الأرض الذين عاثوا في أصقاع الدنيا فسادا معتقدين من فرط الصّلف والغرور أنهم أوصياء على الدنيا والآخرة.
وسيدوّن التاريخ أن كل قطرة دم زكية سالت على تراب الأرض المقدسة فلسطين أسقطت حجرا في صرح المشروع العبثي الصهيوني الذي استغرق بناؤه خمسة قرون من الزمن وقام على طمس التاريخ وتشويه الجغرافيا باستخدام الترهيب والتضليل والفتنة.
الآن ذابت المساحيق واكتشفت البشرية في كل أصقاع الدنيا أن تلك السيدة الأنيقة والجميلة مجرد رداء لوجه بشع وقبيح أقرب إلى الصورة النمطية المجردة للشيطان فقد نسف الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني كل السرديات الصهيونية وبدأت البشرية في إعادة اكتشاف دوافع وغايات المشروع الصهيوني مثلما عادت الشعوب الأوروبية إلى القرون الوسطى لتتساءل عن دوافع سياسة التهجير القسري والعزل والتوطين التي خضعت لها الأقليات اليهودية في كافة المجتمعات الأوروبية دون استثناء باعتبارها مرحلة مفصلية في التاريخ الإنساني حاول المشروع الصهيوني طمسها من خلال سردية المحرقة النازية التي تمثل نموذجا حيا لما يمكن أن يصنعه التضليل من تزييف للحقائق وتداخل في المفاهيم فهذه السردية بالذات صنعها عتاة الحركة الصهيونية لإجبار البروليتاريا اليهودية على الهجرة إلى أرض فلسطين على أساس أن «أوروبا لم تعد آمنة» علما وأنه إبان الحكم النازي في ألمانيا قام رئيس المنظمة الصهيونية في مدينة همبورغ بتشغيل خط نقل بحري مباشر إلى حيفا الفلسطينية بالإتفاق مع الحكومة الألمانية.
كل هذا الإيهام تكسر وتبعثر على جدار الصمود الفلسطيني وصارت البشرية قاطبة تدرك معنى «الحق الفلسطيني» بما في ذلك الأجيال الجديدة في أوروبا وأمريكا التي عادت إلى عام 1948 لتستقرأ مفاصل مسار طويل من الاحتلال المتوحش وتعبر من ثمة عن تضامنها القوي مع الشعب الفلسطيني متحدية قمع حكامها الذي وصل إلى سحل الطلبة في الجامعات واعتقال الآلاف من الأساتذة والطلبة في الولايات المتحدة حيث لم يستح رئيس مجلس النواب من التهديد باستخدام الرصاص المطاطي ضد طلبة الجامعات لكسر حركة التضامن المتصاعد مع فلسطين.
والأهم من ذلك هو سقوط العالم الخيالي الذي كان يحيط بالمشروع الصهيوني حيث فقدت الأنظمة الأمبريالية في الولايات المتحدة وأوربا «شرعية» نشر الديمقراطية وصون حقوق الإنسان التي طالما استخدمتها لتفكيك الدول ونهب خيرات الشعوب فيما بدأت مكونات منظومة التحكيم الدولي تتخلص من التبعية المطلقة لما يسمى الغرب الجماعي وهو ما يفسر انسحاب الولايات المتحدة من المجلس الأممي لحقوق الإنسان ومنظمة الصحة العالمية إلى جانب تهديدها لقضاة المحكمة الجنائية الدولية إثر إصدارها لبطاقة جلب ضد رئيس حكومة الإحتلال الصهيوني.
وكلما انسدت سبل ممارسة الهيمنة على الشعوب بقوة الترهيب والتضليل لنتيجة التأثير القوي للنضال الفلسطيني على الضمير الإنساني كلما اختنقت المنظومة الصهيونية وتهيأت للإنفجار من الداخل وهو ما تجسده شطحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي حول بلاده إلى «قزم» أمام الصين وحالة التشرذم التي بدأت تظهر في سماء القارة العجوز حيث يتعاظم الإحساس بأن الهيمنة الصهيو أمريكية التي بدأت بخطة «جورج مارشال» لإعادة إعمار أوروبا بعد دمار الحرب العالمية الثانية أصبحت وبالا على الشعوب الأوروبية التي تعيش على وقع مخاوف متصاعدة من فقدان المكتسبات بعد أن قام المستشار الألماني «شولتز» بفرض خمسة ضرائب على شعبه وأغرق الرئيس الفرنسي «إمانويل ماكرون» بلاده في الديون ولم يستح رئيس حكومة بريطانيا من حرمان 10 ملايين متقاعد من منحة الشتاء الذي كانت تساعدهم على مواجهة نفقات التدفئة وذلك من أجل إدخال مبلغ 1،5 مليار جنيه استرليني في الموازنة العامة البريطانية.
وفي المقابل تتفشى عدوى الإنعتاق والتحرر بنسق مذهل في سائر أنحاء العالم فمن كان يتصور أن تطرد دول الساحل الإفريقي جيوش فرنسا والولايات المتحدة أو أن تقيم دولة جنوب إفريقيا منبرا في لاهاي الهولاندية يشتغل على توثيق جرائم الحركة الصهيونية أو أن تتكسر الصورة النمطية للجيش الأمريكي أمام كيان تصنفه الولايات المتحدة «جماعة".
كل هذا المخاض أو بالأحرى الغليان غير المسبوق في تاريخ البشرية يدور حول الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني الذي أعاد إحياء الثوابت والمبادئ والقيم الإنسانية مثلما أعاد الاعتبار لمفهوم «إرادة الشعوب» التي لا تقهر فما يحصل على أرض فلسطين تجاوز المرجعيات التاريخية السابقة مثل المليون شهيد في حرب التحرير الجزائرية والصمود الروسي أمام الحصار النازي الذي دام 871 يوما لأن سائر التجارب النضالية السابقة تتعلق بمواجهة بين ظرفين اثنين في حين يقاوم الشعب الفلسطيني معادلة كونية عمرها خمسة قرون من الزمن منحت للصهاينة الحق في استعباد سائر البشر تكريسا لسردية «شعب اللّه المختار".
وبالمحصلة أعاد الشعب الفلسطيني الصامد والأبي حركة التاريخ إلى مسارها الصحيح المنبثق عن المضامين الأصيلة لرسالة الإنسان على الأرض التي سعى المشروع الصهيوني إلى تهميشها بشتى أساليب التضليل لأن عدوه الأزلي هو التاريخ وبيت المقدس هو محرك التاريخ الذي جسده الشاعر الفلسطيني الفذ محمود درويش ببيته الشهير " لن تعرفوا كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء".