"تحت سابع أرض" نسخة سورية من أفلام الجريمة الأميركية
klyoum.com
أخر اخبار سوريا:
موسكو وأنقرة تؤكدان ضرورة تسوية الوضع في سورياضابط شرطة يتحول إلى مدير شبكة لتزوير العملة الصعبة ويقع في فخ العصابات
لعل أبرز ما يلفت النظر في مسلسل "تحت سابع أرض" هو كتابة مستعجلة تلهث للحاق بموسم الدراما الرمضانية. تقديم 30 ساعة تلفزيونية كرسها برقاوي لمحاكاة أفلام الجريمة في السينما الأميركية. موسى الناجي (تيم حسن) ضابط شرطة يجد نفسه وقد تحول إلى مدير شبكة لتزوير العملة الصعبة، وعليه تبنى مواجهات مع تجار المال المزور من جهة، وبين خصوم الماضي من ضباط كانوا حتى الأمس القريب زملاء له في المهنة.
مغامرة فنية من نوع مختلف يخوضها برقاوي في شوارع وأحياء مدينة دمشق، ويركن فيها إلى تقديم مشاهد تنتسب لأفلام الحركة والإثارة ومطاردة السيارات، لكنها في الوقت ذاته تحاول التوفيق مع دراما العائلة، فالحدث الأساس ينطلق بعدما يكتشف الضابط موسى أن شقيقيه يعملان في تزوير العملة، فيقرر حمايتهما بشتى الطرق. حتى هنا تبدو حبكة المسلسل معقولة، وهي مؤهلة للتصاعد حلقة إثر حلقة، لكن ما حدث بعد ذلك انحرف عن النوع الفني للعمل (دراما الجريمة والعصابات) ليصبح "تحت سابع أرض" دراما رومانسية، لا سيما بعدما تظهر شخصية بلقيس (كاريس بشار) للبطل، فيقترن موسى بها، ثم يخونها مع راما (سارة بركة) فتاة مركز التجميل التي تعمل لمصلحة غريمه منير العجان (تيسير إدريس).
ويتضح أنه لا ضير من خلط الأصناف الفنية في عمل واحد، لكن هذا لا يحدث عن وعي من قبل كل من كاتب المسلسل ومخرجه، فالتشويق المطلوب وإيقاع الحلقات لا ينهج النهج ذاته، إذ يذهب الخيار الفني لتبديل الشخصية المضادة للبطل وهو هنا (منير العجان) بشخصية الضابط فجر (جوان خضر)، لكن هذا الأخير سيقضي في حادثة تفجير مدبرة من المقدم موسى، فيما يتراجع حضور ملك مصانع المال المزور على حساب صراع نسائي بين زوجة البطل وعشيقته. في الوقت ذاته ينقلب شقيق البطل (الرسام) رفقة زوجة أخيه إلى شخصيتين مضادتين بعدما يقرران العمل لمصلحتهما الشخصية، وفك شراكتهما بموسى. مما يرتب منافسة جديدة تبدو فيها الشخصية المضادة الرئيسة وكأنها كومبارساً ناطقاً. تبدا ذلك مثلاً في مشهد رقص الزوجة المخدوعة لزوجها (فرحاً) بزواجه من أخرى، فيما نشاهد منير العجان يتفرج عليها من خلف زجاج مركز التجميل رفقة عديد من أبناء الحي الذي تدور فيه الأحداث.
آلية الصراع
هذا الخلل في المعالجة الفنية نسف مبكراً آلية الصراع الأساسية، ومهد لنكايات نسائية ضد بطل المسلسل، فالزوجة التي ترقص لزوجها في مشهد من الحلقة 27 تشفياً منه، تعيده العشيقة في مشاهد تالية من الحلقة ذاتها، وعبر وصلة رقص شرقي تبدو مقحمة وغير ذات فاعلية، ومن ثم أضعف ذلك من تصاعد الأحداث، وخلط بين الحبكات الفرعية والحبكة الرئيسة للمسلسل، فهذه الأخيرة انهارت تقريباً بعد تصفية مبكرة لخصوم المقدم موسى، ولم يبق أمام كاتب السناريو سوى توسيع حبكة الخيانات الزوجية، مما بدد فرصة ذهبية أمام صناع "تحت سابع أرض" لتقديم صراع داخل أجهزة الشرطة والأمن الجنائي، لا سيما أن تحالفات خفية يكشفها المسلسل بين كل من المقدم موسى والعميد غسان (باسل حيدر)، وتوظيف مطبعة وزارة الداخلية لمصلحة تزوير فئات من عملة الدولار الأميركي.
الفرضية التي لا يمكن تصديقها إلى هذا الحد، ففي بلاد تسودها آليات الفساد الوظيفي حتى في أجهزتها الأمنية، لكنها في الوقت ذاته تفتقر لتقنيات رقمية وفنية متقدمة لإنجاز مثل هذه المهمة المعقدة. وعليه تبزغ صراعات جانبية، لعل أبرزها بين موسى وزوج أخته مهيب (مجد فضة) الرجل المخمور ومتعاطي المخدرات، الذي سيتخلص موسى منه ضمن سلسلة من تصفية حسابات تذكرنا بأحداث فيلم "العراب" لمخرجه فرانسيس فورد كوبولا. بناء على هذا تتخذ شخصيات العمل نسخاً بعيدة من أفلام القاتل المتسلسل في السينما الأميركية، مثلما تحاكي موجة العنف في أعمال الدراما التلفزيونية السورية، التي تجنح أحياناً إلى تقديم الأحداث بواقعية فجة، أو تذهب نحو تقديم العنف كصورة معقمة وبعيدة من ظرفها الاجتماعي.
استجابة المشاهد
وبعيداً من واقعية الفرضية الأساسية للمسلسل السوري، نجد أن "تحت سابع أرض" لا يعاني ضعفاً في أداء ممثليه، لكنه يشكو من خلط واضح على مستوى الاستجابة العاطفية للمتفرج، فهل هو عمل ينتمي إلى فئة العصابات ومافيا المال والجريمة المنظمة، أم هو عمل ينضوي تحت مسمى دراما العائلة أو الدراما الاجتماعية، أم هو دراما رومانسية في جزء واسع من حلقاته؟ سؤال تسوقه طبيعة الشخصيات الرئيسة في "تحت سابع أرض"، التي يبدو أنها في سلوكها وتطورها تعاني ضعفاً واضحاً في رسمها، فضابط الشرطة هو صورة مزدوجة من مجرم نبيل لا تعوزه الفروسية، وهو أيضاً رجل غير مؤمن بعدالة القضاء والأجهزة الجنائية التي يعمل لمصلحتها، لكنه في الوقت ذاته رجل فكاهي في ردود فعله ولازماته الكلامية، سواء إزاء خصومه أو أقاربه والنساء اللاتي يقعن في حبه.
وصفة مشوشة تكتمل في خط درامي مواز تجسده شخصية دلال خانوم (منى واصف) تاجرة العملة والمرأة التي تشرف على رعاية مجموعة من الأطفال المشردين، ودونما أن يكون لهذا الخط، فيما لو تم حذفه، أي تأثير يذكر على أحداث "تحت سابع أرض"، فمن المعروف أن شخصية البطل هي من تقود الصراع وتضيء على تطوير حبكة المواجهة، لكن ما حدث أن تيم حسن في "تحت سابع أرض" امتثل لرغبات النجم في تصفية منافسيه وإبعادهم حتى داخل الكادر التلفزيوني، وتحويلهم إلى شخصيات مساندة، مما هدم فرصة لإنجاز عمل يحافظ على التشويق والإثارة، ويراهن صناعه على بذخ إنتاجي واضح كتعويض عن ضعف المعالجة الفنية.
في السياق ذاته يقدم "تحت سابع أرض" صورة تكاد تكون أقرب إلى الخيالية وبعيدة من واقع البلاد الحالي، وهو خيار فني واضح عمل الفنان سامر برقاوي على انتقاء كوادره ومواقع تصويره لتقديم مدينة دمشق كموئل لشبكات تجارة العملة المزورة، إذ تقوم هذه الشبكات بتصفية كل خصومها داخل وخارج جهاز الشرطة، وعليه يصبح من الصعوبة بمكان التعرف إلى دمشق الراهنة، فهي إما شقق ومراكز تجميل فخمة وأوكار غامضة لرجال المافيا، أو هي مسرح لطفولة مشردة تطفو وجوه صغارها فوق رزم المال المزور، وهذا في ما يبدو مقاربة بصرية جمالية لمدينة مثل دمشق أمست تفتقد أدنى درجات الخدمات اليومية، وتعاني شوارعها تراكم القمامة في جنباتها.