"هيئة العدالة الانتقالية".. ترحيب تشوبه تحفظات حول التشاركية
klyoum.com
أخر اخبار سوريا:
دمشق تتعهد بمساعدة واشنطن في العثور على أميركيين مفقودين في سوريةعنب بلدي – عمر علاء الدين
قبل تشكيلها في 17 من أيار الحالي، كان مطلب وجود هيئة للعدالة الانتقالية يتردد بكثرة في الأوساط السورية، سواء في الصحف ووسائل الإعلام، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بعد سلسلة جرائم ارتكبها النظام السوري عبر استهداف المدنيين بالأسلحة الكيماوية والإخفاء القسري والمقابر الجماعية التي تُكتشف بين الحين والآخر.
ويحدد "المركز الدولي للعدالة الانتقالية" عملية "العدالة الانتقالية" بأنها كيفية استجابة المجتمعات لإرث الانتهاكات الجسيمة والصارخة لحقوق الإنسان.
وتشمل العدالة الانتقالية، بحسب المركز، إدخال الإصلاحات إلى الأنظمة القانونية والسياسية والمؤسسات التي تحكم المجتمع، بالإضافة إلى الآليات الرامية إلى كشف الحقيقة حول ما جرى وأسبابه وإلى تحديد مصير المعتقلين أو المخفيين قسرًا.
انقسم باحثون التقتهم عنب بلدي حول خطة إحداث "هيئة العدالة الانتقالية" بين من يرى أنها تدعو للإحباط لعدم إشراك المجتمع المدني، وبين من يرى أنها خطوة جيدة، لكنها بحاجة إلى تحسين.
الباحث السوري ومدير مركز "دمشق لدراسات حقوق الإنسان"، رضوان زيادة، قال لعنب بلدي، إن تشكيل الهيئة بهذه الطريقة يدعو للإحباط.
وعند سؤاله عن سبب الإحباط، قال زيادة لعنب بلدي، "كان يجب أن تتم مشاورات وطنية حول تشكيل هذه الهيئات، وإشراك روابط الضحايا بشكل رئيس ومنظمات المجتمع المدني".
وأضاف زيادة أن الآلية المفترض اتباعها يجب أن تكون تشاورية، بحيث يتم التشاور حول الأسماء بشكل كبير، مع الاحترام للأشخاص الذين تم تعيينهم في الهيئة.
ويرى الباحث زيادة ضرورة أن يكون هناك خبراء عملوا في العدالة الانتقالية، على أن يتم إشراك منظمات عائلات الضحايا ومنظمات المجتمع المدني بشكل كبير في عملية الاختيار، وبناء على ذلك يجري تعيين كل أعضاء الهيئة.
وبحسب زيادة، فإن الذي جرى كان تعيين شخص "بغض النظر عن خبرته الشخصية، لا يمتلك خبرة في مجال العدالة الانتقالية"، ما جعل الأمر محبطًا بالنسبة لكثيرين من العاملين في هذا الحقل.
منظمة "هيومن رايتس ووتش" أشارت إلى أن مرسوم إنشاء "هيئة العدالة الانتقالية" يقتصر على الجرائم التي ارتكبها نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد فقط، مُستثنيًا ضحايا الانتهاكات التي ارتكبتها الجهات غير الحكومية.
وفي بيان نشرته، في 20 من أيار، قالت المنظمة إن المرسوم لا يوضح كيفية إشراك الضحايا بفاعلية في تشكيل عمل اللجنة أو المشاركة فيه، أو ما إذا كان سيتم ذلك.
وبحسب المرسوم "20"، يرأس "هيئة العدالة الانتقالية"، عبد الباسط عبد اللطيف، وهو الأمين العام السابق لـ"الائتلاف الوطني السوري"، حاصل على إجازة بالحقوق من جامعة "حلب" عام 1986، وكان نائبًا لرئيس “لجنة الحج العليا السورية”، ورئيس المكتب السياسي لـ”جيش أسود الشرقية”.
في كلمة مصورة نشرها حساب "هيئة العدالة الانتقالية" الرسمي على "فيس بوك"، في 23 من أيار الحالي، قال رئيس الهيئة عبد الباسط عبد اللطيف، إن "الهيئة ستعتمد خارطة طريق عملية واضحة المراحل، مبنية على أسس واقعية تراعي السياق السوري وخصوصيته، إلى جانب خطة وطنية للتوعية بمفهوم العدالة الانتقالية، ومنصة إلكترونية لتلقي الشكاوى، وآليات للتواصل مع المجتمع، كما ستصدر تقارير دورية ذات مصداقية توثّق ما تم إنجازه".
ستعمل الهيئة خلال المهلة المحددة بـ30 يومًا على "تشكيل فريق عمل يتضمن ممثلين عن الضحايا، وخبراء قانونيين وحقوقيين، واختصاصيين في الأدلة الجنائية والبحث الجنائي، وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، كما ستستعين بمجلس استشاري يمثل الضحايا، يرافق عمل الهيئة في جميع مراحله، ووضع نظامها الداخلي".
وأعلن عبد اللطيف التزامه الكامل بالعمل الجاد لتنفيذ هذا التكليف، تحقيقًا لتطلعات الشعب السوري بجميع مكوناته، وذلك عبر ما يلي:
وتحمل "هيئة العدالة الانتقالية" اليوم "أمانة كبيرة"، بحسب عبد اللطيف، تتمثل بـ"مساءلة ومحاسبة مرتكبي الجرائم، وإنصاف الضحايا وذويهم، ومعالجة آثار الانتهاكات الممنهجة بطرق تُسهم في ترسيخ العدالة، ومنع تكرار ما حدث، وتأسيس مصالحة وطنية متينة، قائمة على سيادة القانون، وتعزيز ثقة السوريين بمنظومة العدالة، وصولًا إلى سلام دائم ونهضة وطنية شاملة".
وأكد رئيس هيئة العدالة الانتقالية أن العدالة في سوريا "لن تكون انتقامية"، بل قائمة على كشف الحقيقة، والمساءلة، والمحاسبة، ومنع الإفلات من العقاب، وترسيخ سيادة القانون.
من حيث المبدأ، يعتقد الباحث في مركز "الحوار السوري" نورس العبد الله، أن أي خطوة باتجاه المضي في مسار العدالة الانتقالية في سوريا تعد "أمرًا إيجابيًا وتتلاقى مع تطلعات السوريين من جهة والالتزام القانوني والأخلاقي للسلطة الانتقالية"، معتبرًا أنها خطوة مهمة وضرورية.
العبد الله اعتبر أن المسار الإجرائي لتشكيل الهيئة لم يكن "أفضل الخيارات المتاحة إلا بمعيار الزمن فقط"، مشيرا إلى أنه تم التشكيل دون إجراء مشاورات واسعة ومن خلال "مرسوم موجز"، وليس عبر قانون يمر بمراحل متعددة، وبما يتضمن قواعد شاملة لإطار العدالة الانتقالية المتوافق عليه في سوريا.
تجدر الإشارة بداية إلى أن طريقة تشكيل الهيئة الحالية لا تتناقض مع نص المادة "49" من الإعلان الدستوري على عكس ما يتم تداوله، بحسب ما يرى العبد الله.
وترتبط السلبيات، بحسب العبد الله، بـ"استمرار الغموض حول كل ما يتعلق بالهيئة سواء لجهة الاختصاص والصلاحيات والتكوين والأعضاء والهيكل العام لها واختيار الأعضاء، كما أنها جعلت المشاورات الوطنية بعد إحداث الهيئة لا قبلها".
وبالتالي فإن الإشكالية الرئيسة، من وجهة نظر الباحث السوري، كانت في "النص الدستوري المؤسس للعدالة الانتقالية في سوريا قبل أي اجراء آخر".
بحسب ما يرى الباحث في مركز "الحوار السوري"، فإن الإشكالية تعود إلى الإعلان الدستوري ذاته وتحديدًا المادة "49"، فمنذ ذلك الحين كان يجب الحديث عن أن التشاور مع منظمات المجتمع المدني وذوي الضحايا عملية سابقة لإنشاء الهيئة وليست لاحقة لها، "وشهدت منذ ذلك الحين ترحيبًا فقط أكثر من التحليل حتى من بعض الروابط والمنظمات".
وقال العبد الله، إن "الاستدراك مطلوب"، إذ إن من الضروري أن يكون بين أعضاء الهيئة ناشطون مدنيون وممثلون عن ذوي الضحايا، كذلك يجب أن نشهد حاليًا مشاورات جدية بخطة واضحة قبل إعداد النظام الداخلي للهيئة، و"هذه الخطوات تسمح عمليًا بتلافي الثغرات السابقة".
ولا يعتقد الباحث نورس العبد الله أن التوجه العام للسلطة سيتجاهل التشاركية في مسارات العدالة الانتقالية مع المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية ومراكز الدراسات وروابط الضحايا، لأن التجارب المتراكمة توضح أهمية هذه الأدوار.
يوصي الباحث السوري بثلاث نقاط رئيسة للعمل عليها في الوقت الحالي:
أولًا: إعلان خطة سريعة للمشاورات حول اختيار الأعضاء في الهيئة والمعايير التي تركز على النزاهة والكفاءة والتنوع، بحيث يؤسس تكوين الهيئة قدر الإمكان لشرعيتها ومصداقيتها وكسب ثقة الجمهور، وألا يقل عدد الأعضاء عن 14 عضوًا متنوع الاختصاصات والخلفيات، مع الحرص على وجود النساء في التشكيل بما يسمح بمراعاة الهيئة لقضايا النساء وخصوصيتها على صعيد الانتهاكات والتطلعات للعدالة.
ثانيًا: الحرص على اجراء جلسات حوارية مركزة مع خبراء وجلسات مفتوحة للاستماع لرؤى ذوي الضحايا للحصول على مدخلات لإعداد النظام الداخلي.
ثالثًا: الاهتمام بشكل كبير بقضية صلاحيات الهيئة التي تضمن نجاحها في تحقيق أهدافها وضمانات حصانة أعضائها واستقلالهم لأن المهمة خطيرة والضغوط ستكون كبيرة أيضا بمختلف أشكالها.