عيد السودان... طعم الأضاحي مستحيل في الحرب
klyoum.com
أخر اخبار السودان:
فيتامينات خفية تعزز خصوبة المرأة وتطيل عمرهاارتفاع جنوني في أسعارها لتوقف وارد دارفور وكردفان والأهالي يعقدون الأمل على بضعة كيلوغرامات
في ظل الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي أفرزتها الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، لا تزال ملامح عيد الأضحى تغيب في السودان وسط وضع إنساني مأزوم جراء النزوح وتفشي البطالة وانخفاض قيمة العملة الوطنية وتصاعد معدل التضخم، فضلاً عن أزمة السيولة المتفاقمة، في وقت تكابد الأسر لإدخال الفرحة والسعادة إلى قلوب أفرادها بتأمين خروف العيد على رغم المغالاة في الأسعار هذا العام.
وتشهد أسواق المواشي في ولايات البحر الأحمر والقضارف وكسلا ونهر النيل والنيل الأبيض والنيل الأزرق وسوق تمبول شرق ولاية الجزيرة حركة نشطة مع اقتراب عيد الأضحى، إذ بلغت أسعار الخراف الكبيرة 700 ألف جنيه سوداني (ما يعادل 250 دولاراً)، والمتوسطة تراوح أسعارها بين 400 و500 ألف جنيه سوداني (142 و178 دولاراً)، والصغيرة 300 ألف (ما يعادل 107 دولارات).
وأرجع تجار المواشي ارتفاع الأسعار إلى تحديات معقدة أبرزها توقف حركة الوارد من مناطق الإنتاج في كردفان ودارفور بسبب الطرق غير الآمنة نتيجة لاشتداد المعارك بين طرفي الحرب، بالتالي انحصر الإنتاج داخل الولايات الآمنة.
وسط هذه المؤشرات يخشى كثير من المواطنين مع حلول العيد تزايد صعوبة توفيق الأوضاع بين الاحتياجات الأساسية وكلفة الأضحية، لكن يبقى الأمل في الشراء أو الاكتفاء بعدد من الكيلوغرامات.
انهيار القطاع
وأدت الحرب المستعرة بين الجيش و"الدعم السريع" إلى انهيار قطاع الثروة الحيوانية بنسبة 95 في المئة، بسبب توقف حركة البيع والصادر وعمليات السلب والنهب الواسعة التي تعرضت لها المواشي بواسطة قوات "الدعم السريع"، إلى جانب قتل أعداد كبيرة من الملاك والرعاة أثناء دفاعهم عن مواشيهم خلال رحلة تجوالهم بحثاً عن المراعي، فضلاً عن نهب سلال الأبقار والخراف والماعز ونفوق المواشي وفقدان حملات اللقاحات التي كانت تنظمها منظمة "الفاو" العالمية للمواشي بولايتي كردفان ودارفور بسبب انعدام الأمن، علاوة على انقطاع الخدمات البيطرية وتدمير المعامل التي تنتج الأمصال، بخاصة المعمل المركزي بسوبا في ولاية الخرطوم وهجرة كوادره الفنية، إضافة إلى الدمار الذي لحق بالمراعي الطبيعية ومصادر المياه، مما أسهم في انتشار الأمراض.
في الأثناء كشفت وزارة الثروة الحيوانية الاتحادية عن أن الرعاة في كردفان ودارفور والجزيرة وسنار والبطانة ظلوا يدعمون الاقتصاد السوداني بنحو مليار دولار سنوياً من عائدات صادرات المواشي، إلى جانب منطقة رهيد البردي في ولاية جنوب كردفان التي تضم أكبر سوق تغذي العاصمة الخرطوم.
مغالاة فاحشة
يقول حيدر الماحي من مواطني مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، إن "عيد الأضحى من الشعائر الدينية التي تعود المواطنون السودانيون على اتباعها، على رغم الأوضاع الاقتصادية التي يعانونها قبل اندلاع الصراع، لكن الحرب المشتعلة لأكثر من عامين فاقمت الوضع المعيشي وحالت دون استقرار السكان، بل وضعتهم على حافة الفقر بسبب النزوح وفقدان مصادر الدخل وأزمة السيولة، بالتالي تراجع مستويات الشراء".
وأضاف الماحي "تعودنا التحضير لعيد الأضحى قبل فترة وجيزة من حلوله، إذ إن الفضول قادني للسؤال عن أسعار الأضاحي هذا العام، ووجدت الأمر يفوق الخيال من ناحية الارتفاع الجنوني لأسعار المواشي، في ظل واقع إنساني مرير يعيشه المواطن في شتى مناحي الحياة".
وتابع "كانت لدي رغبة أكيدة في إسعاد أفراد أسرتي وإخراجهم من الضغوط النفسية، بخاصة الأطفال الذين تتجلى فرحتهم بعيد الأضحى في الإصرار على مرافقتي لسوق المواشي، لكن تبدد الأمل هذا العام نظراً إلى المغالاة في الأسعار، فالخروف الذي كنا نشتريه قبل الحرب بنحو 150 ألف جنيه سوداني (ما يعادل 53 دولاراً) أصبح الآن بنحو 300 ألف، في وقت تنعدم الأعمال في كل المجالات، لذلك لن أتمكن من شراء الأضحية هذا العام، وسأكتفي بشراء بضع كيلوغرامات من اللحم حتى نشعر بفرحة اليوم الأول".
وأشار المواطن إلى أن "الأوضاع المعيشية المزرية التي فرضتها الحرب وتأثرت بها الولايات بالكاد نستطع معها تلبية الاحتياجات الأساسية، فضلاً عن أن الأسر أصبحت في حال يقين وتلاشت الرغبات، لذلك ما لم تقف الحرب لن تعود الحياة لطبيعتها، لا سيما أننا ما زلنا موجودين في مناطق النزوح، لأن العاصمة الخرطوم لم تعد صالحة للعيش بالنظر إلى تفشي الأوبئة والانفلات الأمني".
ملامح غائبة
يرى محمود السر، الذي يعمل موظفاً في ولاية كسلا شرق البلاد، أن "الأسعار في سوق مستورة للمواشي بولاية كسلا إلى حد ما معقولة، وهناك خراف بنحو 200 ألف جنيه سوداني، لكنها صغيرة الحجم، وبصورة عامة فإن الأزمة الاقتصادية والغلاء الفاحش في المواد الاستهلاكية ربما يحولان دون فرحة العيد بخاصة داخل الأسر التي تعاني الفقر".
وأردف "في السابق وقبل اندلاع الحرب في العاصمة كنا نسافر لقضاء عطلة العيد مع أهلنا في الأقاليم بعيداً من زخم العاصمة، وهذا العيد يعرف في المجتمعات السودانية بالعيد الكبير، وهي عادة اجتماعية نتبعها سنوياً، لكن من المؤسف الحرب أسهمت في فقدانها نتيجة للنزوح وهجرة السكان قسراً، إلى جانب أن موت وفقدان الأحباب يجعل الفرحة ناقصة، علاوة على ارتفاع الأسعار وعدم مراعاة أحوال الأسر المعيشية، بخاصة النازحة".
ولفت إلى أن "العيد في العاصمة الخرطوم له مذاق خاص ويرتبط بالطقوس السودانية والعادات والتقاليد من خلال التنقل من منزل إلى آخر، فضلاً عن استمرار الذبائح حتى اليوم الرابع من العيد والاستمتاع بالمأكولات، مع احتساء المشروب الشعبية (الشربوت) المصنوع من البلح الذي لا تكتمل مائدة الأضحية إلا بوجوده، إذ بتنا نفتقد هذه الروابط بسبب الحرب ونأمل أن تعود هذه الأيام السعيدة باستقرار سكان العاصمة، ومن المؤكد أنها لن ترجع إلا بإخماد نيران الحرب".
تحديات وأخطار
في السياق أوضح تاجر المواشي محمد عبدالقيوم، العامل في سوق سيدون بمدينة عطبرة، أن "سوق المواشي تضررت بسبب الحرب واتساع رقعتها، بالتالي تأثرت الولايات المنتجة في كردفان ودارفور التي كانت تغذي الأسواق الرئيسة في العاصمة بمدنها الثلاث: الخرطوم وبحري وأم درمان، باعتبارها تشكل أكبر قوة شرائية، لا سيما أنها تضم أعلى نسبة من السكان".
وواصل عبدالقيوم "المغالاة في الأسعار جاءت نتيجة لارتفاع كلفة أعلاف المواشي وشراء الماء بأثمان باهظة، إلى جانب استئجار الحظائر، فضلاً عن انهيار قطاع البيطرية في الخرطوم الذي كان يوفر الأدوية والتطعيمات للمواشي، علاوة على ارتفاع رسوم النقل أثناء الحرب، إذ خاطرنا بجلب الخراف الصغيرة من ولاية النيل الأبيض بمدينتي كويتي وربك، وشرعنا في تربيتها مع ندرتها بسبب نفوق معظمها جراء المعارك، كما كان يجري في الغالب نهبها وسرقتها في ظل الأوضاع الأمنية المتردية، مما قاد معظم تجار المواشي لحصر تربية القطيع في الولايات الآمنة".
ونوه إلى أن "ظروف الحرب جعلت المواطنين في أوضاع مادية صعبة، لذلك لا نتوقع أن يكون حجم الإقبال على الشراء كبيراً كما كان في السابق، فاستمرار الحرب عقد الأوضاع وجعلها تسوء أكثر".