مشكلات بريطانيا مع الوافدين.. جرس إنذار
klyoum.com
د. عبدالله بن عبدالمحسن الفرج
وصل عدد المشاركين في التظاهرات الأخيرة في بريطانيا ضد الهجرة، حسب بعض التقديرات، إلى 150 ألف متظاهر. وهذا رقم كبير، يعكس التذمر الذي يجتاح المجتمع البريطاني من أعداد المهاجرين الأجانب إلى بلدهم. فاستطلاعات الرأي تشير إلى أن 48 ٪ من البريطانيين يعتبرون الوافدين واحدة من أهم المشكلات. وأنا أتذكر، عندما كنت في دورة في جامعة برادفورد عام 2006، أن البريطانيين كانوا يمدحون نظام الهجرة لديهم، ويعدونه أفضل بما لا يقاس عما هو موجود في فرنسا.
لقد شجعت المملكة المتحدة الهجرة إليها لتوفير قوة عمل رخيصة للشركات. فالبيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني (ONS) تبين أن عدد الوافدين تراوح بين 200 ألف و300 ألف شخص سنوياً منذ عام 2011. وهذا العدد أخذ في الزيادة بشكل كبير منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ولذلك صار البعض يطلق على ذلك اسم «موجة بوريس» - في إشارة إلى رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون.
إن المملكة المتحدة لا تعيش الآن أفضل أيامها، بعد أن بدأت عجلة الاقتصاد تتراجع. الأمر الذي أدى إلى تقلص الطلب على اليد العمالة. فهناك 14500 شركة توقفت عن العمل منذ بداية هذا العام وحده، مما نجم عنه تسريح 250 ألفاً ما بين موظف وعامل. وعلى هذا الأساس تقلصت العائدات، بما فيها عائدات الضرائب لتمويل الميزانية. وللتعويض عن نقص السيولة اتبعوا سياسة التيسير الكمي والاستدانة، مما ساهم في ارتفاع الدين العام حتى وصل إلى 3.9 ٪ تريليون دولار، وهذا يضاف إلى ديون الشركات والأسر البريطانية، الذي وصل حجمه إلى 4.7 تريليونات دولار.
وفي ظل عدم اليقين هذا ارتفع العائد على السندات الحكومية البريطانية لأجل 30 عاماً، والمعروفة باسم “gilts” الذهبات، بشكل غير مسبوق إلى أعلى مستوى لها منذ عام 1998. فعائد السندات في المملكة المتحدة يعتبر الأعلى بين مجموعة السبع (G7). فتكلفة الاقتراض الحكومي لمدة 10 سنوات في المملكة المتحدة حالياً حوالي 4.6 ٪ ، مقارنة بـ 4.0 ٪ في الولايات المتحدة ، وحوالي 3.5 ٪ في فرنسا وإيطاليا، و3.2 ٪ في كندا، و2.7 ٪ في ألمانيا و1.6 ٪ في اليابان، هذا في الوقت الذي فيه نسبة الدين إلى الدخل القومي في المملكة المتحدة حوالي 100 ٪، أي أقل مما هو عند بلدان مجموعة السبع.
وهكذا، فإن استخدام العمالة الوافدة، الذي شجع النمو الاقتصادي في المملكة المتحدة وبقية البلدان الأوروبية، وخاصة فرنسا وألمانيا، تحول إلى مشكلة عندما أخذت معدلات نمو الاقتصاد في هذه البلدان تتراجع. ولذلك يفترض أن ننتبه نحن في دول مجلس التعاون إلى هذه المشكلة، خاصة في البلدان التي تشكل العمالة الوافدة غالبية السكان. فالأمر لا يقتصر على البعد الثقافي، وإنما يمتد إلى المجال السياسي - اجتماعي والأمن والاستقرار.