برج الفنون في السعودية... الطاقة والجمال يجتمعان
klyoum.com
أخر اخبار السعودية:
بطولة المملكة لكرة القدم للصالات للصم تقام بالقطيف منتصف أبريليتوسط العمل أحد أهم مشاريع البلاد ويعيد توظيف أحد أبراج النقل الكهربائي المزالة مع تطوير المنطقة
في الرياض، تلك المدينة التي تتجه بثبات نحو المستقبل لكنها لا تنسى ماضيها، وبعد إزالة أبراج الكهرباء الواقعة ضمن مشروع المسار الرياضي في وجهة البرومينيد، وتحديداً عند تقاطع طريق الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز مع طريق الأمير تركي بن عبدالعزيز الأول، أعاد الفنان السعودي تعريف علاقة المكان بالعناصر التي كثيراً ما تُجُوهلت أو استُهلكت بصرياً من دون تفكير.
أنجز الفنان عبدالناصر غارم مشروعه "برج الفنون" بإعادة توظيف أحد أبراج النقل الكهربائي التي أزيلت ضمن خطط تطوير العاصمة 2030، ليعكس تحولاً عميقاً في مفهوم الفضاء العام، ويعيد تشكيل برج الكهرباء الذي طالما عده الناس داخل السعودية تشوهاً بصرياً، ليكون منصة فنية تذخر بالجمال.
برج الالتقاء بالرياض الجديدة
في أول مظاهر التطور الاقتصادي والاجتماعي داخل مدينة الرياض ووسط أهم شوارعها خلال ذاك الحين، كانت هناك نقطة التقاء لرواد أهم شوارعها الذي كان يشكل الشريان الأهم بالحركة التجارية وهو شارع الثميري، حيث كان المتسوقون والزوار يعدون "ساعة الصفاة" نقطة للالتقاء، وتقع هذه الساعة في ساحة الصفاة المعروفة أيضاً بساحة الديرة أو ساحة العدل، عند تقاطع شارع الثميري مع شارعي الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ محمد بن عبدالوهاب.
وتعد ساعة الصفاة جزءاً من ذاكرة المدينة، إذ ارتبطت بعدد من الأحداث التاريخية والتطورات العمرانية التي شهدتها الرياض خلال العقود الماضية، وتتشابه مع البرج بتوسطها مسارات متفرقة ووجودها وسط منطقة ذات أهمية.
وفي الرياض الجديدة أصبح "برج الفنون" يؤدي الوظيفة نفسها لساعة الصفاة، وبحسب الفنان عبدالناصر غارم فإن العمل تحول إلى بوصلة إبداعية ضمن المسار الرياضي، حيث يساعد الزائر على تحديد موقعه، ويشكل نقطة التقاء محورية بفضل تعدد المسارات التي تؤدي إليه.
وقال غارم إن بعضاً قد يرى في برج الفنون امتداداً لـساعة الصفاة التي شكلت في يوم ما نقطة التقاء حيوية في قلب الرياض القديمة، ربما التقت الأجيال السابقة حول ساعة الصفاة كعلامة حضرية جمعت الزوار خلال زمن كانت فيه الرياض تتشكل، لكن هذا العمل لا يسعى إلى أن يكون خليفة لرمز من الماضي بل يعكس تحولاً عميقاً في مفهوم الفضاء العام داخل مدينة تتجه بثبات نحو المستقبل.
فرصة لإعادة النظر في ما نعده "قبيحاً"
كثيراً ما عدَّ سكان الرياض منظر أبراج الكهرباء تلوثاً بصرياً يقتل جمال صحارى البلاد لدرجة أن أصبح وجوده بصورة عشوائية داخل أي مكان يربط المشاهد بالرياض مباشرة، وهنا يصف غارم عمله بالخطوة الجريئة ويقول لـ"اندبندنت عربية" إن "برج الكهرباءعنصر طالما عدَّه الناس في السعودية تشوهاً بصرياً متعمداً، لكني لم أره بهذه الطريقة. رأيت فيه فرصة لإعادة النظر في ما نعتبره قبيحاً أو وظيفياً فقط، وتحويله إلى منصة فنية تعكس روح التحول الذي تعيشه المملكة اليوم".
أطلق تحالف التصميم الذي يضم Partners+Coen وTYPSA وArchitects Eldorado مبادرة طموحة لدمج الفنانين السعوديين في تصميم مشروع "مسار الرياضي" منذ المراحل الأولى للمخطط العام، وأصبح هذا المشروع التحويلي ممكناً بفضل إزالة أكثر من 150 برج نقل كهربائياً ضخماً ودفن خطوط الكهرباء القائمة.
وعن الهدف من العمل قال غارم إن هدفه ألا يكون هذا العمل مجرد عنصر يلفت النظر، بل أن يكون دعوة للتأمل لرفع الرأس نحو الأعلى، والتفكير في علاقتنا بالمدينة. وأن يكون رمزاً يفتح خيال الناس ويشعرهم بأنهم جزء من هذا المشهد لا مجرد متفرجين عليه.
وعن اقتراحه لفكرة إعادة توظيف أحد أبراج النقل الكهربائي، قال إن المسألة لم تكن تجميلية بالنسبة إليه بل كانت فعلاً رمزياً، ومحاولة لإعادة تعريف علاقتنا بالعناصر التي كثيراً ما تجاهلناها أو استهلكناها بصرياً من دون تفكير، على حد تعبيره.
ويقول القيم الفني ناتو طومسون "من خلال إعادة توظيف رمز من رموز الطاقة وتحويله إلى منارة للتعبير الفني، يبرز غارم الدور المتغير للثقافة والفن في مسيرة التنمية السعودية، إذ الثقافة، تماماً كحال الطاقة، تعد بنية تحتية أساس تستحق الاستثمار".
5 أعوام
قدم الفنان السعودي العمل كمفهوم وفكرة أولية عام 2019، لكن التنفيذ لم يبدأ فعلياً إلا عام 2025، وقال غارم إن سبب هذا التفاوت الزمني يعود لطبيعة مشروع "المسار الرياضي" الذي يعد من أكبر المشاريع الحضرية داخل الرياض، والذي يمتد على طول 135 كيلومتراً ليربط بين وادي حنيفة غرباً ووادي السلي شرقاً، مروراً بطريق الأمير محمد بن سلمان، وهذا المشروع الضخم ينفذ على مراحل، ويقع "برج الفنون" في وجهة "البرومينيد"، وهي إحدى المراحل التي بدأ تنفيذها مع مطلع هذا العام.
ويعتقد أن المدة لم تكن فقط مرتبطة بجدول المشروع، بل بتحديات فنية وبيئية عميقة، ولم يكن الأمر سهلاً بسبب الأحوال الجوية في بعض الأحيان، قائلاً "الرياح كانت تتحدث بلغة الطبيعة وتجبرنا على الإنصات"، ويضيف "كان علينا إعادة التفكير في عدد الشرائح وتوزيعها، ليس فقط لسلامة الهيكل، فالتصميم لا يكون حياً إذا لم يكن قادراً على التأقلم مع بيئته ومحيطه، فكانت الرياح تعلمني أن أي مشروع لا يقاوم الطبيعة بل يتعلم التواضع أمامها. ولذلك، لم يكن عدد الشرائح قراراً تقنياً فحسب، بل كان حواراً مع الهواء، مع الحياة، مع حدودنا كبشر. وأصبحت الرياح شريكاً في التصميم، وتعلمت منها كيف أترك فراغاً بين الشرائح ليبقى البرج متغيراً".
مستوحى من بيوت
استلهم غارم شكل العمل من ألوان الطيف وزخارف من البيوت السعودية القديمة، وشكل المثلث الحاضر في الحضارة السعودية بحسب الفنان نفسه، كان الهدف أن يشعر الناس أن هذا البرج ينتمي إليهم، ليس لأنه يشبه ما يعرفونه بل لأنه يشعرهم بأنهم مرئيون داخله.
يرتكز تصميم برج الفنون على خلق تجربة فريدة تأخذ الزوار في رحلة تصاعدية عبر طبقات متعددة، لتقديم بانوراما عمودية فيها الضوء يلعب مع اللون، والظل يحاور الشكل. هو ليس مجرد مجسم جمالي، بل تجربة تُعاش عند كل زاوية. والألوان لا تظهر فحسب، بل تتبدل وتتحول على مدار اليوم. أراد الفنان السعودي أن تكون حية، تتغير مع الشمس والغيوم وحركة المارة، كأنها تعزف لحناً صامتاً بتوقيع أشعة الشمس. ويبلغ الارتفاع الإجمالي للبرج 83.5 متر، ورُكبت 691 لوحة ملونة تشكل واجهته النابضة بالحياة. و تبلغ أبعاده عند القاعدة (المستوى 0.00) 33.39 متر×33.39 متر، مما يضفي عليه حضوراً لافتاً على مستوى التصميم والموقع.
وعن أعماله السابقة قال عبدالناصر غارم إن مشروع برج الفنون لم يكن خروجاً عن أعماله السابقة بل كان امتداداً طبيعياً لها، مضيفاً أنه كثيراً ما كان يستلهم من الواقع ومن التفاصيل التي تقع عليها عين السائر المتأمل داخل المدن الحديثة، مشيراً إلى أن كثراً يربطون هذا المشروع مباشرة بأعمال سابقة له مثل صبة خرسانية (2010)، وتحويلة (2011)، والطريق إلى مكة (2014)، إذ تعامل من خلالها مع فكرة التغيير باستخدام موجودات المكان نفسه، وختم "أنا كفنان لا أفرض تصوري على المكان، بل أصغي إليه وأسير معه".