اخبار السعودية

جريدة الرياض

ثقافة وفن

جدلية الوعي وصناعة المستقبل

جدلية الوعي وصناعة المستقبل

klyoum.com

نجلاء الربيعان

عدتُ قليلاً إلى الوراء بين صفحات جريدة الرياض، وتحديداً عام 2022م. استوقفني خبرٌ لافت نُشر آنذاك، عن إطلاق وزارتي التعليم والثقافة «استراتجية تنمية القدرات الثقافية» لدعم المواهب وتوفير بيئة تعليمية إبداعية محفزة. في خطوة تبدو لمن يتأملها أوسع من مجرد مشروع حكومي وأعمق من أن تكون مبادرة جديدة تُضاف إلى رصيد التحول الوطني. 

أوقفني الخبر طويلاً لم أنظر إليه كإعلان رسمي إنما بمثابة إشارة مبكرة إلى أن الثقافة ستصبح شريكاً في تشكيل البيئة التعليمة، وأن التعليم اليوم لن يُنظر إليه؛ كونه انتقالاً للمعرفة، وإنما مساحة مشعة تُنبت الوعي وتُنمي الذائقة لتُعيد بناء الإنسان على أُسس أكثر رحابة وفهم للعالم.

اليوم، بعد سنوات من ذلك الخبر، يمكننا أن نشاهد الثقافة كيف أصبحت محركاً عميقاً يُعيد توجيه مسار التعليم نحو أُوفق أوسع، كما نرى أثر تلك الثقافة التي اتسعت لتشمل البيئة التعليمية للمشاركة في الرأي، وصناعة الأثر، عن طريق الطلاب الذين يعبرون من خلال حصصهم، إلى تلك المساحات الفنية التي تُوقظ الأسئلة، وتكشف الموهبة. لقد تحولت المدرسة، والجامعة، بفضل هذا التكامل، من مكان مُتلقٍ إلى فضاء التجربة والابتكار، في كُل مرة أرى مثل هذه الفضاءات لا أستطيع أن أتجاهل هذا التحول الوطني المنشود؛ فهو امتداد طبيعي لسياسات وطنية، جعلت الثقافة جزءًا من مشروع الحياة السعودية، لتُخبرنا تلك الفضاءات أيضاً أن هُناك وعياً جديداً، يرى الثقافة بأثرها الفعّال، كيف أنها أسهمت في تشكيل الطالب. وبذلك تشكيل مجتمع بأكمله لنبني هوية مختلفة ابتداء من المقاعد المدرسية ممتدة إلى كُل شريحة في المجتمع، مرورًا بالسلوك، والذائقة الجمالية، والثقافية، وانعكاسها على جودة التعليم، والقدرة على التغيير للوصول إلى قوة المجتمع التي لا تنفصل عن قوة اقتصاده، وتربطه بماضيه، وتدفعه نحو مستقبل أفضل، مندرجاً تحت مسمى «القوة الناعمة»؛ حتى وصلنا إلى نتاج هذا الاندماج الذي أصبح المسرح فيه جزءًا من درس اللغة العربية، والفنون نافذة لفهم هذا العالم، وتحولت القراءة النقدية، إلى رُكن أصيل، في بناء الهوية.

كل ذلك حتى يخرج لنا جيل من خريجي التعليم، يختارون التخصص، والعمل في مجالات الثقافة، وأيضاً الوصول إلى عدد كبير، من مؤسسات تدريبية، في مجالات الثقافة والفنون، ودعم الكثير من الهوايات المرتبطة بها. هذا التداخل لم يكن شكلياً، إنما فتح لنا أفقاً جديداً لرؤية المدرسة، كونها حاضنة للمواهب، ومساحة للخيال، للخروج بمشاريع ذات معنى وأثر، تكون امتداداً لوعدٍ كبير اسمه رؤية 2030.

*المصدر: جريدة الرياض | alriyadh.com
اخبار السعودية على مدار الساعة