المطار.. مسارح وداع لا تغلق ستائرها 2-2
klyoum.com
أخر اخبار السعودية:
بولندا تنشر جيشها لحماية البنية التحتية الحيوية بعد هجوم على خط للسكك الحديديةالحياة مشاهد من الفرح والدموع، منها ما ينغص الحياة، ومنها ما يملأ الدنيا سعادة، فالوجع لا يغادر لكنه يهذب من يعيش فيه؛ تنهد قليلًا حين تذكر يوم التفت لشخص يحمل حقائبه استعدادًا للرحيل، لم يره متعبًا من ثقل الحقائب بقدر ما رآه مثقلًا من أحلامه، التي لم تجد أرضًا لتنبت فيها، مضي من أمامه مضطرًا لا مختارًا، يبحث عن فرصة تنقذ ما تبقى من روحه، وآخر يستعجل الرحيل مبتعثًا نحو أحلامه دون الاكتراث للوداع قبل أن يعود مجددًا ليخبره كم كانت ليالي الغربه قاسية موحشة، وآخر عاد محملًا بنظرة خيبة لا توصف، بعد أن أصبح غريبًا داخل وطنه، فحين ابتعد تسيدت الزوجة المنزل، ووضعت قواعد تتناسب مع حجم إراداتها دون تدخله، وحين عاد لترتيب الحياة علي مقاييسه وقوانينه، ولدت فجوة صامتة بينهما بحجم مسافة السفر، فهي تشعر أن انضباطها طوال تلك السنوات اختزل إلي صبر علي الغياب، وهو وجد أن دوره اقتصر علي الإنفاق والذهاب والعودة بمدة محددة، كل محاولات إعادة التوازن باءت بالفشل، فولدت المسافة العاطفية التي فرضت الغياب بينهما بالرغم من وجودهما تحت سقف واحد، أصبح زواجًا مع وقف التنفيذ حاملًا طابعًا بإيقاع غريب، لكل منهما بداخله عالم يعيش فيه لا يعرف الآخر عنه شيئًا، تحكمه قوانين متضاربة ورغبة في السيطرة دون أي التقاء حقيقي، الكثير من المشاهد التي لم تفارقه عن قريب خرج سليمًا فعاد جسدًا مشحونًا في صندوق بين البضائع، لتغدو الرحلة التي بدأها أملًا مبتسمًا خاتمة صامتة شديدة السواد تحت برودة الحديد، أو المريض الذي وُدع بدعوات وأمل مكسور وأيضًا لم يعد، قالها بوجعٍ لا يحتاج إلى شرح أن: " المطار مكان يعرف الفرح، لكنه أيضًا يحفظ ملامح الموت." بصوت خافت أخبرني أن: "المطار علمه أن المرض لا يسافر مرتين، وأن بعض الوداع يمكن أن لا يرد."، سألته كيف تأقلم بين كل تلك المشاعر المتضاربة، بعد قليل من الصمت والتفكير أخبرني بهدوء: "لقد احتجت وقتًا طويلًا؛ بل لسنوات حتى أتعلم كيف أتماسك أمام كل هذا الوجع، في البداية كنت أنهار داخليًا مع كل مشهد لأنني كنت أعيش الحكايات التي أمر بها، خاصة وأن صوت قلبي يعلو فوق صوت عقلي وعاطفتي أكثر مما يحتمل المكان، لأنني لم أحتفظ بالوجوه بقدر ما أحتفظت بالمواقف، لكن بمرور المشاهد وتكرارها تعلمت أن أُخمد جزءًا من قلبي، لا لأقسو، بل لأواصل العمل دون أن أنكسر." وفي ختام حديثه، أطلق نصيحة بدت أثقل من كل ما رواه أخبرني أن: "من يملك خيار الأسرة أولًا فليفعل، فثمن الغياب باهظ، والسنوات لا تعوض وبعض الدفء الأسري لا يمكن ملؤه بكنوز الأرض لأن ثمنه من الروح والذاكرة."، في النهاية خرجت من هذا الحديث وأنا أدرك أن المطارات ليست مجرد بوابات للسفر، بل هي مرآة لحياةٍ كاملة، ففي النهاية المطار هذا الفضاء الشاسع الذي يبدو عابرًا، لا يُبقي فيه أحدًا على حاله، إنه يذكرنا بما فقدنا، بأن كل لقاء مؤقت، وكل بداية قد تحمل في طياتها احتمالات النهاية، وكل ركن له حكاية، وكل نظرة تحمل رحلة من نوع مختلف، رحلة قد يمزج فيها الأمل بالألم.
NevenAbbass@