اخبار السعودية

جريدة الرياض

سياسة

معارض الكتب بين واقع القراءة والنشر

معارض الكتب بين واقع القراءة والنشر

klyoum.com

محمد الحمزة

معارض الكتب تعد أحد أبرز المعالم الثقافية التي تُذكّرنا بأن الكلمة لا تزال حية، وأن الكتاب لم يمت بل يتجدد، ويتنفس، ويُعيد صياغة واقعنا من جديد. فهي ليست مجرد أسواق لعرض الكتب، بل هي فضاءات حية، تجمع بين المؤلفين والناشرين والقراء، وتُشكّل منصات للحوار، والنقاش، والتفاعل الإنساني الذي لا يمكن استبداله بمنصات رقمية، مهما تطوّرت.

معارض الكتب لا تقتصر على عرض الكتب فقط، بل تتضمن ندوات، وورش عمل، ومحاضرات، وجلسات توقيع، وأمسيات شعرية، وعروض فنية، مما يجعلها مهرجاناً ثقافياً شاملاً. هذه الفعاليات لا تُحفّز الشباب على القراءة فحسب، بل تُعزز الوعي المجتمعي بأهمية الكتاب كأداة للتفكير النقدي، وللتنمية الذاتية، ولبناء مجتمعات مثقفة وواعية.

وفي ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشار المحتوى السريع والمختزل، تصبح معارض الكتب ملاذاً للقراء الذين يبحثون عن العمق، والتأمل، والتحليل. فهي تقدّم لهم فرصة لقاء مؤلفيهم المفضلين، والاستماع إليهم مباشرة، والسؤال، والنقاش، وهو ما يخلق علاقة شخصية بين الكاتب والقارئ، لا يمكن أن تتحقق عبر الشاشات. إنها لحظات تلامس فيها الروح بالفكر، وتلتقي فيها الأفكار مع المشاعر، وتُعيد ترميم الجسور التي قد تهدمها سرعة الحياة.

لكن كيف يمكن استثمار هذه المعارض بشكل مفيد؟ الإجابة لا تكمن في زيادة عدد الأجنحة أو حجم المعرض، بل في التخطيط الاستراتيجي الدقيق الذي يضع الجودة قبل الكمية. يجب النظر إلى المعارض ليس كحدث موسمي، بل كمشروع ثقافي مستدام. هذا يتطلب دمج التكنولوجيا الذكية لتوجيه الزوار، وإمكانية حجز الجلسات، وتقديم محتوى رقمي مكمّل للمعرض، مما يزيد من مشاركة الجمهور. كما يجب تشجيع الناشرين الصغار، وتوفير مساحات لهم، مع دعم مالي أو تقني، لضمان تنوع المحتوى، وتحقيق العدالة الثقافية. ولا يقل أهمية التعاون مع المؤسسات التعليمية، من خلال إدراج زيارات مدرسية وجامعة ضمن برنامج المعرض، مع تقديم أنشطة مخصصة للطلاب، لزرع حب الكتاب منذ الصغر. وأخيراً، لا بد من التقييم المستمر بعد كل معرض، لقياس رضا الجمهور، وتحديد نقاط القوة والضعف، وتطوير المعرض في الدورات القادمة.

على المستوى الاقتصادي، تمثل معارض الكتب فرصة ذهبية للناشرين لتسويق كتبهم، والتعرف على السوق، وبناء علاقات مع موزعين وتجار، وحتى مع مؤسسات ثقافية دولية. فهي تُتيح لهم عرض منتجاتهم أمام جمهور واسع، وغالباً ما تشهد هذه المعارض مبيعات كبيرة، خاصة إذا كانت هناك إصدارات جديدة أو كتب لمؤلفين مشهورين. كما تُساعد في رفع مستوى التنافسية بين الناشرين، مما يدفعهم لتحسين جودة الإنتاج، وتطوير تصاميم الغلاف، وتقديم محتوى أكثر جاذبية. ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر هو تحويل المعرض من حدث موسمي إلى آلية مستمرة لدعم الثقافة. فبعض الناشرين يُركزون فقط على المبيعات، ويُهملون الجانب الثقافي، مما يُضعف تأثير المعرض على المدى الطويل. لذا، يجب أن يكون هناك توازن بين الربح والرسالة الثقافية.

وفي هذا السياق، يبرز معرض الرياض الدولي للكتاب 2025 كنموذج طموح يسعى إلى تجاوز المفهوم التقليدي للمعارض، ليكون منصة ثقافية شاملة تُعيد تعريف العلاقة بين الكتاب والقارئ، وبين الناشر والمجتمع. فالمعرض، الذي يُعدّ أحد أكبر المعارض في المنطقة، يحمل في طياته رؤية استراتيجية تهدف إلى جعل الرياض مركزاً ثقافياً عالمياً، يجمع بين الماضي والحاضر، وبين المعرفة والابتكار. ومن خلال برامجها المتنوعة، وشراكاتها الدولية، واهتمامها بالناشرين الصغار والمبتكرين، يسعى المعرض إلى أن يكون جسراً بين الثقافات، ومُحفزاً للإبداع، ومُعيداً لروح القراءة في قلب العالم العربي.

ولأن المعرض لا يهدف فقط إلى بيع الكتب، بل إلى إحياء الروح الثقافية، وبناء مجتمعات تقرأ وتفكر وتُنتج، فهو يستحق أن يكون محطة لكل من يؤمن بأن الكلمة هي أقوى سلاح، وأن الكتاب هو أصدق صديق. فلنفتح معه نوافذ الروح، ونستقبل ضوء المعرفة، لنعيش، حقاً، في عالمٍ لا يُحكم بالسرعة، بل بالعمق.. يقول الباحث الثقافي، والأديب، والكاتب المميز جمال حمدان: "الكتاب نافذة الروح، ومن لم يفتحها، عاش في ظلام لا يُرى فيه إلا نفسه".

*المصدر: جريدة الرياض | alriyadh.com
اخبار السعودية على مدار الساعة